15 صورة.. البابا تواضروس يدشن كنيسة الشهيد مارمينا بفلمنج شرق الإسكندرية    قيادي بمستقبل وطن: تحركات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة ومشبوهة    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    وزير الإسكان ومحافظ مطروح يتفقدان محطة تحلية مياه البحر "الرميلة 4" -تفاصيل    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    الحرس الثوري الإيراني يهدد إسرائيل برد أشد قسوة حال تكرار اعتدائها    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    تعديل جديد.. كاف يخطر بيراميدز بموعد مباراتي الجيش الرواندي    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    أول تعليق لمحافظ الإسكندرية على واقعة الغرق الجماعي بشاطئ أبو تلات    السجن المشدد 6 سنوات لحداد لاتجاره فى المخدرات وحيازة سلاح بشبرا الخيمة    إيرادات الجمعة.. "درويش" يحافظ على المركز الأول و"الشاطر" الثاني    "الصحة" تقدم 314 ألف خدمة عبر 143 قافلة في يوليو 2025    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    الغربية: حملات نظافة مستمرة ليلا ونهارا في 12 مركزا ومدينة لضمان بيئة نظيفة وحضارية    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    ماذا ينتظر كهربا حال إتمام انتقاله لصفوف القادسية الكويتي؟    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    "عربية النواب": المجاعة في غزة جريمة إبادة متعمدة تستدعي تحركًا عاجلًا    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    ورش تدريبية للميسرات العاملات بمركزي استقبال أطفال العاملين ب«التضامن» و«العدل»    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة أولية لرواية
نشر في صوت البلد يوم 02 - 11 - 2019

حديثًا صدرت للكاتب المغربي حسن بوفوس رواية "قمة الجبل " عمل أدبي سردي ينضاف إلى إصداراته السردية السابقة وهي مجموعته القصصية مذكرات معتوه ، a "reculons ou la sourir effacé" ورواية" الرقص على حبال المكر "و روايته بالفرنسية ، علاوة على ديوانيه الشعريين الأول بالعربية "أغنية خريف الحلم" والثاني " ".écrits de la jeunesse le charmeuبالفرنسية"
رواية "قمة الجبل" تحيل على أجواء الاضطراب والبحث عن المقترف لجريمة محاولة قتل، وقد بدأ ذلك في قمة الجبل لتتكاثف الأحداث بعد ذلك وتتضارب التخمينات والتساؤلات وتتداخل المصالح والشكوك قبل أن يفضي الأمر إلى جريمة أخرى تخرج مقترفتها منها بريئة ربما.
العنوان باعتباره العتبة الرئيسية لولوج عالم المكتوب مهم جدًّا كدالّ على رابط يصله بالمتن الكلي للنص بإيجاز، فهو بذلك مدخل يساعد على ملامسة خيوط تقربك إلى جوانب تتعلق بفحوى النص وبعض تضاريسه الكبرى. وقد يكون العنوان غير ذلك حين يتخذ لأغراض أخرى حددها جيرار جينيت في الوصف والإغراء ، والتعيين ، والإيحاء.
والحال أن "قمة الجبل" عنوان يحقق أكثر من وظيفة لهذا العمل الروائي، فهو يحيل على فضاء سيحتضن الشرارة الأولى التي ستنبثق عنها بقية الأحداث التي ستتناسل بين صفحات الرواية فتجعلك تتمسك بخيط تطورها حتى النهاية، والرواية من هذا الجانب قوية الشد والجذب والإثارة للقارئ فور بداية قراءتها. إنه عنوان الرواية وفي ذات الوقت عنوان الفصل الأول بحذف حرف الجر "على" : "على قمة الجبل"، بل إن الأحداث التي بدأت فوق قمة الجبل وسفحه انتهت بقمة الجبل حيث نقرأ في آخر الرواية "تدحرجت السيارة نحو أسفل الجبل بسلاسة كما جميع الأشياء،كما عصي الساعة الجدارية،تتذبذب حمقاء كأنها تبحث عن وجهة لن تلحقها أبدًا.المشاحنات بين الركاب الثلاثة وصلت ذروتها..." ص206، فالرواية ابتدأت بقمة الجبل لتنتهي بها.
الغلاف
هو صورة لواجهة جبل بلون يمزج بين الأبيض والرمادي المفتوح، تتوسطه لوحة لمريم بن لملح تحمل وجهًا جريحًا بشكل مشوه الملامح لفظاعة تحيل على العنف الجسدي الذي تعرض له صاحبه.
واللوحة تحيل على الجريمة التي كادت أن تودي بحياة "حسن" أحد أبطال الرواية، وفوق اللوحة ورد اسم الكاتب وبعده عنوان العمل السردي وجنسه، وفي الغلاف الأخير ورد مقتطف من الرواية وهو "كانت الساعة تشير إلى الثالثة زوالًا لما وصلوا إلى قمة الجبل .اتفقوا على التمتع بجولة في الغابة مشيًا على الأقدام لتملي جمالها حيث تختلط روائح أشجار العرعر الممتعة برائحة الطين المبلل تشوبها لمسات من ندى البحر المترامي أسفلها.تتخلل المشهد ذبذبات الحش:نداء يصدر من أعماق الغابة، شبيه بالنداء الذي يتراجع صداه ويغور في دهاليز النفس البشرية، شبيه كذلك بتكتكة الساعة الباطنية التي تكشف رتابة الساعة الجدارية عن بعض منها".
الغلاف بمكوناته يعكس أجواء الرواية بشكل يبعث على الإقبال على قراءتها، من هنا جاءت العتبات متجانسة مع الأحداث والمضامين المتضمنة في الرواية.
الحجم
جاءت الرواية متوسطة الحجم تحمل 210 صفحة من الحجم المتوسط موزعة عبر اثنين وعشرين فصلا هي: على قمة الجبل، حادث مروع ،شقاء ،تساؤلات متلاحقة، مشهد مسرحي، زيارة متوقعة/ بين نارين، عراك أم عناق، المفرد والمثنى، لغز الأحجية، الانحدار إلى أسفل العالم العلوي ، عود على بدء، العودة، علامة زائد ترتعش، تشققات ثلاثة الأبعاد، الطيور على أشكالها تقع ، المنعطف، الدائرة ،تعميق البحث، لقاء منتظر، هيئة الجبل، اجتماع الأحباب.
وهي فصول تحمل ملمحًا من الأحداث المكهربة التي تتخللها الاتهامات والشكوك والخداع من أجل إخفاء الحقائق بشكل أو بآخر، فصول تحمل ملمح البحث البوليسي والطبي ضمن علاقات يطبعها الود والمراوغة في ذات الوقت.
أحداث وعبر
فوق قمة الجبل يبدأ الحدث ليتناسل فتتفرع عنه أحداث متداعية تتقاطع وتتباعد وسرعان ما تتخذ منعطفات جديدة عبر البحث والمراوغة في إخفاء الحقائق وقطع الخيط المفضي إلى مقترف الجريمة الأولى، فمن نزهة ممتعة على مشارف مدينة طنجة حيث تبدو محاسن المدينة بين طرب اللحن ومتعة الجولة تتدحرج السيارة من فوق المنحدر وبعد عراك حاد ليقف رجال الانقاذ مندهشين امام هول الحادثة...
هنا يرسم الكاتب خط بداية الأحداث التي سيخوض بها تجربته الروائية الثالثة، وقد أجاد الكاتب إلى حد كبير في إدارة هذه الأحداث وفق شخصيات تتأرجح مواقفها بين الاتفاق والاختلاف وبين التضارب والاضطراب ليرسم الكاتب خطًّا رئيسيًّا يقود الحدث وفق رؤيته الخاصة قبل أن يرسو به في نهاية الرواية، "حسن" يواجه تحديات من محيطه ،لينتهى به الحال إلى غرفة الإنعاش في حادثة سير مروعة ليقاوم من أجل البقاء مقاومة أدهشت الأطباء، و"لمياء" في مقدمة من تحوم الشكوك حول علاقتها المضطربة به، علاقة حسابات وغيرة وأمور أخرى...الدكتور "لحْسَنْ" الذي تربطه علاقة صداقة ومهنة مع سعاد حيث تأرجح أدوارهما بين مناقشات طبية وعلمية إلى جانب تبادل كلام الود والعشق..."فتيحة" التي تحاول أن تواجه تحديات الاستنطاق والاستقصاء مخافة السقوط في مربع الاتهام، وهي تارة في جدال مع الدكتور "لحسن" ومع حميد المكلف بالتحقيق في الواقعة والذي يحاول أن يبحث في أكثر من جهة و عبر أكثر من شخص، مع محسن مع لمياء مع لحسن مع فتيحة ولمياء...
أحداث وحوارات تجعل القارئ بالقدر الذي يشده الفضول إلى فحواها والمتوقع من تطورها بقدر ما يجعله الكاتب يقف على عبارات وأفكار مستخلصة من تجارب الواقع.
يقول الكاتب " الإنسان حال وأحوال، ما يقوله يفعله أو لا يفعله، يفكر في عمل ما وينفذ عكسه، لأنه يجرؤ ولا يتوقع، لحسن الحظ ولسوئه أيضًا ما يصدر عنه قابل للتأويل، يكرم مرة ويهان مرات، تقاس المعاملات زيادة ونقصانًا، لأنها لا تستقر على حال، يندفع الإنسان تلقائيًّا إلى الأمام باتجاه ولا يمكن له مطلقًا أن يعود إلى الوراء من نفس الاتجاه" ص 120.
ويقول في بداية الفصل السادس عشر "حين نقول بأن شخصًا ما ليس على حق أو أن الاعتذار اعتراف بالخطأ فلا يعني هذا بأن من يحاسب محق وأن إقرار من اعتذر صحيح، فالمادة قد تتحول إلى طاقة وهذه قد تتكتل لتصبح تلك، أشعة الشمس تؤثر في الماء فيتغير إلى بخار أو إلى غيره متى انخفضت درجة الحرارة، وهذا هو الأصل، كذبذبات العقل تتواتر زيادة ونقصانًا، مقلوبة، عاكسة ومعكوسة. ص136.
إنها رؤية الكاتب للأحداث حين يقرأها بعين الفاهم المجرب الذي عرك الحياة وعركته لينبثق عن ذلك أخذ العبرة والقوانين المتحكمة في الظواهر والسلوكات، مما يجعل قراءة الرواية عملًا ماتعًا وتثقيفيًّا في ذات الوقت وهنا تأتي أهمية الرواية بصفة عامة لأنها تقدم تجارب أعمار ومجتمعات في صفحات وساعات ليتعظ بها القارئ بقليل جهد وزمن. وكل رواية تؤشر على كون الكاتب يمتلك أمورًا ورؤى يريد إيصالها إلى القارئ بطريقة فنية وفي قالب سردي يعطي لذلك واقعية يسري مفعولها على الإنسان باعتباره كائنًا ضمن مجتمع تكونه علاقات تتغير مدًّا وجزرًا وتقاطعًا وصراعًا.
ومن هنا جاء الحدث في الرواية حدثًا زاخرًا بدلالات متعددة منها النابع من الذات ومنها النابع من الحقل الذي انصبت عليه الأحداث وفق ما يمليه المجال الطاغي عليها، والبارز في الرواية هو اقتفاء السبب الكامن وراء حادثة محاولة قتل حسن، مما فرض على الكاتب الولوج إلى عمق فضاء التحقيقات من المستشفى إلى قمة الجبل، وقد فرض عليه ذلك إدراج معلومات لها علاقة وثيقة بمجال علم النفس والطب، فجاءت بنية الحدث سيكولوجية وبوليسية ثرية مما جعلها بعيدة عن الشكل التقليدي الكابح لسعة الرؤية وفسح المجال لبث الرؤية للعالم بشكل حر.
وبين العلاقات العاطفية والعلاقات الوظيفية وبين الهروب من الإقرار وتضبيب السبب الحقيقي في الواقعة، نسج الكاتب أجواء مشحونة جعلت الرواية تنبض حيوية بشكل درامي مؤثر.
الشخصيات في الرواية
جاءت الشخصيات شخصيات شبه عائلية لكنها في ذات الوقت تتشظى علاقاتها حين يتعلق الأمر بالبحث والتقصي، وقد تمكن الكاتب من سبر أغوار نفسية كل منها وتقريب ملامحها وحركاتها وكيفية مواجهتها للمواقف التي تتعرض لها في عوالم يحركها الحدث الرئيسي المفضي إلى أحداث فرعية أخرى، فمكنه ذلك من خلق عالم تعيشه بواقعية تمس وجدانك وفكرك لتتماهى مع الحدث منخرطًا في التعاطف مع هاته الشخصية أو تلك، شخصيات منقادة ووفية لما كلفت بأدائه داخل العالم الذي رسمه الكاتب لروايته.
وقد حملها الكاتب ما أراد قوله حول ظواهر إنسانية نفسية واجتماعية تحميلًا أدبيًّا وفنيًّا يجعلك تعيش معها أزماتها في تطوراتها عبر الخط التطوري للأحداث ... شخصيات تتخذ وضعيات مختلفة وفق ما تتطلبه المواقف التي تصدر منها ...شخصيات واضحة تشكل نماذج لشخصيات لا يخلو منها أي مجتمع بشري: الطبيب الباحث عن أسرار المرض بمهنية، الطبيبة النفسية التي تفسر الظواهر النفسية طبق معطيات السيكولوجيا، الممرضتان اللتان لا يخلو وجودهما من إغراء وعشق، الزوجة التي تستبد بها الغيرة والبغض لزوجها لأسباب شبه مجهولة، المحقق الذي يتبع خيوط الوقائع عبر الملاحظات والاستجوابات.
شخصيات تحركت ضمن الأحداث المرتبطة بها في فضاءات محددة وقليلة تتمثل في المستشفى والجبل وبعض أماكن جانب البحر...
من هذه المعطيات إلى جانب ما يتميز به أسلوبه الوصفي والسردي، تمكن الروائي حسن بوفوس من خلق عالم روائي خاص أجرى فيه أحداث روايته الثرية جماليًّا ومضمونًا، فجاءت ممتعة ومفيدة فعلًا.
حديثًا صدرت للكاتب المغربي حسن بوفوس رواية "قمة الجبل " عمل أدبي سردي ينضاف إلى إصداراته السردية السابقة وهي مجموعته القصصية مذكرات معتوه ، a "reculons ou la sourir effacé" ورواية" الرقص على حبال المكر "و روايته بالفرنسية ، علاوة على ديوانيه الشعريين الأول بالعربية "أغنية خريف الحلم" والثاني " ".écrits de la jeunesse le charmeuبالفرنسية"
رواية "قمة الجبل" تحيل على أجواء الاضطراب والبحث عن المقترف لجريمة محاولة قتل، وقد بدأ ذلك في قمة الجبل لتتكاثف الأحداث بعد ذلك وتتضارب التخمينات والتساؤلات وتتداخل المصالح والشكوك قبل أن يفضي الأمر إلى جريمة أخرى تخرج مقترفتها منها بريئة ربما.
العنوان باعتباره العتبة الرئيسية لولوج عالم المكتوب مهم جدًّا كدالّ على رابط يصله بالمتن الكلي للنص بإيجاز، فهو بذلك مدخل يساعد على ملامسة خيوط تقربك إلى جوانب تتعلق بفحوى النص وبعض تضاريسه الكبرى. وقد يكون العنوان غير ذلك حين يتخذ لأغراض أخرى حددها جيرار جينيت في الوصف والإغراء ، والتعيين ، والإيحاء.
والحال أن "قمة الجبل" عنوان يحقق أكثر من وظيفة لهذا العمل الروائي، فهو يحيل على فضاء سيحتضن الشرارة الأولى التي ستنبثق عنها بقية الأحداث التي ستتناسل بين صفحات الرواية فتجعلك تتمسك بخيط تطورها حتى النهاية، والرواية من هذا الجانب قوية الشد والجذب والإثارة للقارئ فور بداية قراءتها. إنه عنوان الرواية وفي ذات الوقت عنوان الفصل الأول بحذف حرف الجر "على" : "على قمة الجبل"، بل إن الأحداث التي بدأت فوق قمة الجبل وسفحه انتهت بقمة الجبل حيث نقرأ في آخر الرواية "تدحرجت السيارة نحو أسفل الجبل بسلاسة كما جميع الأشياء،كما عصي الساعة الجدارية،تتذبذب حمقاء كأنها تبحث عن وجهة لن تلحقها أبدًا.المشاحنات بين الركاب الثلاثة وصلت ذروتها..." ص206، فالرواية ابتدأت بقمة الجبل لتنتهي بها.
الغلاف
هو صورة لواجهة جبل بلون يمزج بين الأبيض والرمادي المفتوح، تتوسطه لوحة لمريم بن لملح تحمل وجهًا جريحًا بشكل مشوه الملامح لفظاعة تحيل على العنف الجسدي الذي تعرض له صاحبه.
واللوحة تحيل على الجريمة التي كادت أن تودي بحياة "حسن" أحد أبطال الرواية، وفوق اللوحة ورد اسم الكاتب وبعده عنوان العمل السردي وجنسه، وفي الغلاف الأخير ورد مقتطف من الرواية وهو "كانت الساعة تشير إلى الثالثة زوالًا لما وصلوا إلى قمة الجبل .اتفقوا على التمتع بجولة في الغابة مشيًا على الأقدام لتملي جمالها حيث تختلط روائح أشجار العرعر الممتعة برائحة الطين المبلل تشوبها لمسات من ندى البحر المترامي أسفلها.تتخلل المشهد ذبذبات الحش:نداء يصدر من أعماق الغابة، شبيه بالنداء الذي يتراجع صداه ويغور في دهاليز النفس البشرية، شبيه كذلك بتكتكة الساعة الباطنية التي تكشف رتابة الساعة الجدارية عن بعض منها".
الغلاف بمكوناته يعكس أجواء الرواية بشكل يبعث على الإقبال على قراءتها، من هنا جاءت العتبات متجانسة مع الأحداث والمضامين المتضمنة في الرواية.
الحجم
جاءت الرواية متوسطة الحجم تحمل 210 صفحة من الحجم المتوسط موزعة عبر اثنين وعشرين فصلا هي: على قمة الجبل، حادث مروع ،شقاء ،تساؤلات متلاحقة، مشهد مسرحي، زيارة متوقعة/ بين نارين، عراك أم عناق، المفرد والمثنى، لغز الأحجية، الانحدار إلى أسفل العالم العلوي ، عود على بدء، العودة، علامة زائد ترتعش، تشققات ثلاثة الأبعاد، الطيور على أشكالها تقع ، المنعطف، الدائرة ،تعميق البحث، لقاء منتظر، هيئة الجبل، اجتماع الأحباب.
وهي فصول تحمل ملمحًا من الأحداث المكهربة التي تتخللها الاتهامات والشكوك والخداع من أجل إخفاء الحقائق بشكل أو بآخر، فصول تحمل ملمح البحث البوليسي والطبي ضمن علاقات يطبعها الود والمراوغة في ذات الوقت.
أحداث وعبر
فوق قمة الجبل يبدأ الحدث ليتناسل فتتفرع عنه أحداث متداعية تتقاطع وتتباعد وسرعان ما تتخذ منعطفات جديدة عبر البحث والمراوغة في إخفاء الحقائق وقطع الخيط المفضي إلى مقترف الجريمة الأولى، فمن نزهة ممتعة على مشارف مدينة طنجة حيث تبدو محاسن المدينة بين طرب اللحن ومتعة الجولة تتدحرج السيارة من فوق المنحدر وبعد عراك حاد ليقف رجال الانقاذ مندهشين امام هول الحادثة...
هنا يرسم الكاتب خط بداية الأحداث التي سيخوض بها تجربته الروائية الثالثة، وقد أجاد الكاتب إلى حد كبير في إدارة هذه الأحداث وفق شخصيات تتأرجح مواقفها بين الاتفاق والاختلاف وبين التضارب والاضطراب ليرسم الكاتب خطًّا رئيسيًّا يقود الحدث وفق رؤيته الخاصة قبل أن يرسو به في نهاية الرواية، "حسن" يواجه تحديات من محيطه ،لينتهى به الحال إلى غرفة الإنعاش في حادثة سير مروعة ليقاوم من أجل البقاء مقاومة أدهشت الأطباء، و"لمياء" في مقدمة من تحوم الشكوك حول علاقتها المضطربة به، علاقة حسابات وغيرة وأمور أخرى...الدكتور "لحْسَنْ" الذي تربطه علاقة صداقة ومهنة مع سعاد حيث تأرجح أدوارهما بين مناقشات طبية وعلمية إلى جانب تبادل كلام الود والعشق..."فتيحة" التي تحاول أن تواجه تحديات الاستنطاق والاستقصاء مخافة السقوط في مربع الاتهام، وهي تارة في جدال مع الدكتور "لحسن" ومع حميد المكلف بالتحقيق في الواقعة والذي يحاول أن يبحث في أكثر من جهة و عبر أكثر من شخص، مع محسن مع لمياء مع لحسن مع فتيحة ولمياء...
أحداث وحوارات تجعل القارئ بالقدر الذي يشده الفضول إلى فحواها والمتوقع من تطورها بقدر ما يجعله الكاتب يقف على عبارات وأفكار مستخلصة من تجارب الواقع.
يقول الكاتب " الإنسان حال وأحوال، ما يقوله يفعله أو لا يفعله، يفكر في عمل ما وينفذ عكسه، لأنه يجرؤ ولا يتوقع، لحسن الحظ ولسوئه أيضًا ما يصدر عنه قابل للتأويل، يكرم مرة ويهان مرات، تقاس المعاملات زيادة ونقصانًا، لأنها لا تستقر على حال، يندفع الإنسان تلقائيًّا إلى الأمام باتجاه ولا يمكن له مطلقًا أن يعود إلى الوراء من نفس الاتجاه" ص 120.
ويقول في بداية الفصل السادس عشر "حين نقول بأن شخصًا ما ليس على حق أو أن الاعتذار اعتراف بالخطأ فلا يعني هذا بأن من يحاسب محق وأن إقرار من اعتذر صحيح، فالمادة قد تتحول إلى طاقة وهذه قد تتكتل لتصبح تلك، أشعة الشمس تؤثر في الماء فيتغير إلى بخار أو إلى غيره متى انخفضت درجة الحرارة، وهذا هو الأصل، كذبذبات العقل تتواتر زيادة ونقصانًا، مقلوبة، عاكسة ومعكوسة. ص136.
إنها رؤية الكاتب للأحداث حين يقرأها بعين الفاهم المجرب الذي عرك الحياة وعركته لينبثق عن ذلك أخذ العبرة والقوانين المتحكمة في الظواهر والسلوكات، مما يجعل قراءة الرواية عملًا ماتعًا وتثقيفيًّا في ذات الوقت وهنا تأتي أهمية الرواية بصفة عامة لأنها تقدم تجارب أعمار ومجتمعات في صفحات وساعات ليتعظ بها القارئ بقليل جهد وزمن. وكل رواية تؤشر على كون الكاتب يمتلك أمورًا ورؤى يريد إيصالها إلى القارئ بطريقة فنية وفي قالب سردي يعطي لذلك واقعية يسري مفعولها على الإنسان باعتباره كائنًا ضمن مجتمع تكونه علاقات تتغير مدًّا وجزرًا وتقاطعًا وصراعًا.
ومن هنا جاء الحدث في الرواية حدثًا زاخرًا بدلالات متعددة منها النابع من الذات ومنها النابع من الحقل الذي انصبت عليه الأحداث وفق ما يمليه المجال الطاغي عليها، والبارز في الرواية هو اقتفاء السبب الكامن وراء حادثة محاولة قتل حسن، مما فرض على الكاتب الولوج إلى عمق فضاء التحقيقات من المستشفى إلى قمة الجبل، وقد فرض عليه ذلك إدراج معلومات لها علاقة وثيقة بمجال علم النفس والطب، فجاءت بنية الحدث سيكولوجية وبوليسية ثرية مما جعلها بعيدة عن الشكل التقليدي الكابح لسعة الرؤية وفسح المجال لبث الرؤية للعالم بشكل حر.
وبين العلاقات العاطفية والعلاقات الوظيفية وبين الهروب من الإقرار وتضبيب السبب الحقيقي في الواقعة، نسج الكاتب أجواء مشحونة جعلت الرواية تنبض حيوية بشكل درامي مؤثر.
الشخصيات في الرواية
جاءت الشخصيات شخصيات شبه عائلية لكنها في ذات الوقت تتشظى علاقاتها حين يتعلق الأمر بالبحث والتقصي، وقد تمكن الكاتب من سبر أغوار نفسية كل منها وتقريب ملامحها وحركاتها وكيفية مواجهتها للمواقف التي تتعرض لها في عوالم يحركها الحدث الرئيسي المفضي إلى أحداث فرعية أخرى، فمكنه ذلك من خلق عالم تعيشه بواقعية تمس وجدانك وفكرك لتتماهى مع الحدث منخرطًا في التعاطف مع هاته الشخصية أو تلك، شخصيات منقادة ووفية لما كلفت بأدائه داخل العالم الذي رسمه الكاتب لروايته.
وقد حملها الكاتب ما أراد قوله حول ظواهر إنسانية نفسية واجتماعية تحميلًا أدبيًّا وفنيًّا يجعلك تعيش معها أزماتها في تطوراتها عبر الخط التطوري للأحداث ... شخصيات تتخذ وضعيات مختلفة وفق ما تتطلبه المواقف التي تصدر منها ...شخصيات واضحة تشكل نماذج لشخصيات لا يخلو منها أي مجتمع بشري: الطبيب الباحث عن أسرار المرض بمهنية، الطبيبة النفسية التي تفسر الظواهر النفسية طبق معطيات السيكولوجيا، الممرضتان اللتان لا يخلو وجودهما من إغراء وعشق، الزوجة التي تستبد بها الغيرة والبغض لزوجها لأسباب شبه مجهولة، المحقق الذي يتبع خيوط الوقائع عبر الملاحظات والاستجوابات.
شخصيات تحركت ضمن الأحداث المرتبطة بها في فضاءات محددة وقليلة تتمثل في المستشفى والجبل وبعض أماكن جانب البحر...
من هذه المعطيات إلى جانب ما يتميز به أسلوبه الوصفي والسردي، تمكن الروائي حسن بوفوس من خلق عالم روائي خاص أجرى فيه أحداث روايته الثرية جماليًّا ومضمونًا، فجاءت ممتعة ومفيدة فعلًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.