هل يستحق المستأجر تعويض حال انتهاء المدة الانتقالية بقانون الإيجار القديم؟    المستشار محمود فوزي: البكالوريا مجانية.. وستكون الخيار المفضل لمعظم الأسر المصرية    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    دعمًا للأجيال الواعدة.. حماة الوطن يكرم أبطال «UC Math» في دمياط    الاقتصاد المصرى يتعافى    وزير الطيران المدنى يشارك باجتماعات اللجنة التنفيذية لمفوضية دول أمريكا اللاتينية    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    زيادة طفيفة لمؤشر البورصة هذا الأسبوع    نيكيتا خروتشوف يظهر فى صورة تجمع ترامب .. اعرف القصة    إدانة دولية واسعة لقرار إسرائيل بالموافقة على بناء مستوطنات بمنطقة E1 شرق القدس    رئيس الوزراء يؤكد موقف مصر الثابت الرافض لاستمرار الحرب الإسرائيلية على غزة    الخارجية الأمريكية تعلن بدأ إدارة ترامب مراجعة 55 مليون تأشيرة    إعلام إسرائيلي: إقالة 15 ضابطا بعد توقيعهم على عريضة لإنهاء حرب غزة    عائلات المحتجزين: ندعو لوقفة احتجاجية قبالة مقر نتنياهو    تحليل: إيران وقوى أوروبية تناقش المحادثات النووية والعقوبات    3 ملامح فنية.. كيف ضرب الزمالك خصمه ب 7 تمريرات فقط؟ (تحليل)    تشكيل تشيلسي المتوقع أمام وست هام يونايتد.. بيدرو يقود الهجوم    ناشئو وناشئات الطائرة يتوجهون إلى تونس بحثًا عن التتويج الإفريقي    محمود ناجي يدير مباراة السنغال وأوغندا في ربع نهائي أمم افريقيا للمحليين    نجم الزمالك السابق: ألفينا يذكرني ب دوجلاس كوستا    ناقد رياضي: بن رمضان اللاعب الأكثر ثباتًا في الأهلي.. ومواجهة المحلة صعبة    *لليوم الثاني.. خدمة Premium الجديدة بقطارات السكة الحديد "كاملة العدد"    تحرير 128 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    اغتصب سيدة أمام زوجها بالمقابر.. تفاصيل إعدام "إسلام"بعد 5 سنوات من التقاضى    رئيس مدينة طهطا يتفقد مصابي حادث انهيار منزل بقرية الشيخ مسعود بسوهاج    «الأرصاد» تكشف حالة طقس غدًا السبت |إنفوجراف    الداخلية تكشف تفاصيل اقتحام منزل والتعدي على أسرة بالغربية    محمد رمضان يساند أنغام ويهديها أغنية على مسرح بيروت    مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يعلن لجنة تحكيم الدورة ال32    ثائرٌ يكتُب    مصر تكتشف مدينة أثرية كاملة تحت الماء    وزير الثقافة يستقبل وفد الموهوبين ببرنامج «اكتشاف الأبطال» من قرى «حياة كريمة»    الحبس عامين ل تارك صلاة الجمعة بماليزيا.. أحمد كريمة يوضح الرأي الشرعي    للقضاء على قوائم الانتظار.. الانتهاء من 225 عملية متنوعة بمستشفى العريش    تهيئة نفسية وروتين منظم.. نصائح هامة للأطفال قبل العودة إلى المدارس    أستاذ بالأزهر: مبدأ "ضل رجل ولا ضل حيطة" ضيّع حياة كثير من البنات    ما الواجب على من فاته أداء الصلاة مدة طويلة؟.. الإفتاء توضح    للرزق وتيسير الأمور.. دعاء يوم الجمعة مستجاب (ردده الآن)    الإسكندرية السينمائي يحتفل بمئوية سعد الدين وهبة ويكرم نخبة من أدباء وشعراء مدينة الثغر    جامعة الملك سلمان تعلن مواعيد الكشف الطبي والمقابلات للطلاب الجدد    منير أديب يكتب: اختراق أم احتراق الإخوان أمام السفارات المصرية بالخارج؟    نيوكاسل يطارد المهاجم النرويجي ستراند لارسن.. وولفرهامبتون في معركة للحفاظ على نجم الهجوم    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    غدًا.. إعلان نتيجة التقديم لرياض أطفال والصف الأول الابتدائي بالأزهر| الرابط هنا    «زي النهارده» في 22 أغسطس 1948.. استشهاد البطل أحمد عبدالعزيز    «زي النهارده«في 22 أغسطس 1945.. وفاة الشيخ مصطفى المراغي    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 22 أغسطس 2025    كيف يتصدى مركز الطوارئ بالوكالة الذرية لأخطر التهديدات النووية والإشعاعية؟    لو بطلت قهوة.. 4 تغييرات تحدث لجسمك    النصر يستعيد نجمه قبل نهائي السوبر    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    صفات برج الأسد الخفية .. يجمع بين القوه والدراما    إحالة أوراق المتهم بقتل أطفاله الأربعة في القنطرة غرب إلى مفتي الجمهورية    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    فطور خفيف ومغذ لصغارك، طريقة عمل البان كيك    «هتسد شهيتك وتحرق دهونك».. 4 مشروبات طبيعية تساعد على التخسيس    ضبط المتهمين بالتسول واستغلال الأطفال أسفل كوبري بالجيزة    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة أولية لرواية
نشر في صوت البلد يوم 02 - 11 - 2019

حديثًا صدرت للكاتب المغربي حسن بوفوس رواية "قمة الجبل " عمل أدبي سردي ينضاف إلى إصداراته السردية السابقة وهي مجموعته القصصية مذكرات معتوه ، a "reculons ou la sourir effacé" ورواية" الرقص على حبال المكر "و روايته بالفرنسية ، علاوة على ديوانيه الشعريين الأول بالعربية "أغنية خريف الحلم" والثاني " ".écrits de la jeunesse le charmeuبالفرنسية"
رواية "قمة الجبل" تحيل على أجواء الاضطراب والبحث عن المقترف لجريمة محاولة قتل، وقد بدأ ذلك في قمة الجبل لتتكاثف الأحداث بعد ذلك وتتضارب التخمينات والتساؤلات وتتداخل المصالح والشكوك قبل أن يفضي الأمر إلى جريمة أخرى تخرج مقترفتها منها بريئة ربما.
العنوان باعتباره العتبة الرئيسية لولوج عالم المكتوب مهم جدًّا كدالّ على رابط يصله بالمتن الكلي للنص بإيجاز، فهو بذلك مدخل يساعد على ملامسة خيوط تقربك إلى جوانب تتعلق بفحوى النص وبعض تضاريسه الكبرى. وقد يكون العنوان غير ذلك حين يتخذ لأغراض أخرى حددها جيرار جينيت في الوصف والإغراء ، والتعيين ، والإيحاء.
والحال أن "قمة الجبل" عنوان يحقق أكثر من وظيفة لهذا العمل الروائي، فهو يحيل على فضاء سيحتضن الشرارة الأولى التي ستنبثق عنها بقية الأحداث التي ستتناسل بين صفحات الرواية فتجعلك تتمسك بخيط تطورها حتى النهاية، والرواية من هذا الجانب قوية الشد والجذب والإثارة للقارئ فور بداية قراءتها. إنه عنوان الرواية وفي ذات الوقت عنوان الفصل الأول بحذف حرف الجر "على" : "على قمة الجبل"، بل إن الأحداث التي بدأت فوق قمة الجبل وسفحه انتهت بقمة الجبل حيث نقرأ في آخر الرواية "تدحرجت السيارة نحو أسفل الجبل بسلاسة كما جميع الأشياء،كما عصي الساعة الجدارية،تتذبذب حمقاء كأنها تبحث عن وجهة لن تلحقها أبدًا.المشاحنات بين الركاب الثلاثة وصلت ذروتها..." ص206، فالرواية ابتدأت بقمة الجبل لتنتهي بها.
الغلاف
هو صورة لواجهة جبل بلون يمزج بين الأبيض والرمادي المفتوح، تتوسطه لوحة لمريم بن لملح تحمل وجهًا جريحًا بشكل مشوه الملامح لفظاعة تحيل على العنف الجسدي الذي تعرض له صاحبه.
واللوحة تحيل على الجريمة التي كادت أن تودي بحياة "حسن" أحد أبطال الرواية، وفوق اللوحة ورد اسم الكاتب وبعده عنوان العمل السردي وجنسه، وفي الغلاف الأخير ورد مقتطف من الرواية وهو "كانت الساعة تشير إلى الثالثة زوالًا لما وصلوا إلى قمة الجبل .اتفقوا على التمتع بجولة في الغابة مشيًا على الأقدام لتملي جمالها حيث تختلط روائح أشجار العرعر الممتعة برائحة الطين المبلل تشوبها لمسات من ندى البحر المترامي أسفلها.تتخلل المشهد ذبذبات الحش:نداء يصدر من أعماق الغابة، شبيه بالنداء الذي يتراجع صداه ويغور في دهاليز النفس البشرية، شبيه كذلك بتكتكة الساعة الباطنية التي تكشف رتابة الساعة الجدارية عن بعض منها".
الغلاف بمكوناته يعكس أجواء الرواية بشكل يبعث على الإقبال على قراءتها، من هنا جاءت العتبات متجانسة مع الأحداث والمضامين المتضمنة في الرواية.
الحجم
جاءت الرواية متوسطة الحجم تحمل 210 صفحة من الحجم المتوسط موزعة عبر اثنين وعشرين فصلا هي: على قمة الجبل، حادث مروع ،شقاء ،تساؤلات متلاحقة، مشهد مسرحي، زيارة متوقعة/ بين نارين، عراك أم عناق، المفرد والمثنى، لغز الأحجية، الانحدار إلى أسفل العالم العلوي ، عود على بدء، العودة، علامة زائد ترتعش، تشققات ثلاثة الأبعاد، الطيور على أشكالها تقع ، المنعطف، الدائرة ،تعميق البحث، لقاء منتظر، هيئة الجبل، اجتماع الأحباب.
وهي فصول تحمل ملمحًا من الأحداث المكهربة التي تتخللها الاتهامات والشكوك والخداع من أجل إخفاء الحقائق بشكل أو بآخر، فصول تحمل ملمح البحث البوليسي والطبي ضمن علاقات يطبعها الود والمراوغة في ذات الوقت.
أحداث وعبر
فوق قمة الجبل يبدأ الحدث ليتناسل فتتفرع عنه أحداث متداعية تتقاطع وتتباعد وسرعان ما تتخذ منعطفات جديدة عبر البحث والمراوغة في إخفاء الحقائق وقطع الخيط المفضي إلى مقترف الجريمة الأولى، فمن نزهة ممتعة على مشارف مدينة طنجة حيث تبدو محاسن المدينة بين طرب اللحن ومتعة الجولة تتدحرج السيارة من فوق المنحدر وبعد عراك حاد ليقف رجال الانقاذ مندهشين امام هول الحادثة...
هنا يرسم الكاتب خط بداية الأحداث التي سيخوض بها تجربته الروائية الثالثة، وقد أجاد الكاتب إلى حد كبير في إدارة هذه الأحداث وفق شخصيات تتأرجح مواقفها بين الاتفاق والاختلاف وبين التضارب والاضطراب ليرسم الكاتب خطًّا رئيسيًّا يقود الحدث وفق رؤيته الخاصة قبل أن يرسو به في نهاية الرواية، "حسن" يواجه تحديات من محيطه ،لينتهى به الحال إلى غرفة الإنعاش في حادثة سير مروعة ليقاوم من أجل البقاء مقاومة أدهشت الأطباء، و"لمياء" في مقدمة من تحوم الشكوك حول علاقتها المضطربة به، علاقة حسابات وغيرة وأمور أخرى...الدكتور "لحْسَنْ" الذي تربطه علاقة صداقة ومهنة مع سعاد حيث تأرجح أدوارهما بين مناقشات طبية وعلمية إلى جانب تبادل كلام الود والعشق..."فتيحة" التي تحاول أن تواجه تحديات الاستنطاق والاستقصاء مخافة السقوط في مربع الاتهام، وهي تارة في جدال مع الدكتور "لحسن" ومع حميد المكلف بالتحقيق في الواقعة والذي يحاول أن يبحث في أكثر من جهة و عبر أكثر من شخص، مع محسن مع لمياء مع لحسن مع فتيحة ولمياء...
أحداث وحوارات تجعل القارئ بالقدر الذي يشده الفضول إلى فحواها والمتوقع من تطورها بقدر ما يجعله الكاتب يقف على عبارات وأفكار مستخلصة من تجارب الواقع.
يقول الكاتب " الإنسان حال وأحوال، ما يقوله يفعله أو لا يفعله، يفكر في عمل ما وينفذ عكسه، لأنه يجرؤ ولا يتوقع، لحسن الحظ ولسوئه أيضًا ما يصدر عنه قابل للتأويل، يكرم مرة ويهان مرات، تقاس المعاملات زيادة ونقصانًا، لأنها لا تستقر على حال، يندفع الإنسان تلقائيًّا إلى الأمام باتجاه ولا يمكن له مطلقًا أن يعود إلى الوراء من نفس الاتجاه" ص 120.
ويقول في بداية الفصل السادس عشر "حين نقول بأن شخصًا ما ليس على حق أو أن الاعتذار اعتراف بالخطأ فلا يعني هذا بأن من يحاسب محق وأن إقرار من اعتذر صحيح، فالمادة قد تتحول إلى طاقة وهذه قد تتكتل لتصبح تلك، أشعة الشمس تؤثر في الماء فيتغير إلى بخار أو إلى غيره متى انخفضت درجة الحرارة، وهذا هو الأصل، كذبذبات العقل تتواتر زيادة ونقصانًا، مقلوبة، عاكسة ومعكوسة. ص136.
إنها رؤية الكاتب للأحداث حين يقرأها بعين الفاهم المجرب الذي عرك الحياة وعركته لينبثق عن ذلك أخذ العبرة والقوانين المتحكمة في الظواهر والسلوكات، مما يجعل قراءة الرواية عملًا ماتعًا وتثقيفيًّا في ذات الوقت وهنا تأتي أهمية الرواية بصفة عامة لأنها تقدم تجارب أعمار ومجتمعات في صفحات وساعات ليتعظ بها القارئ بقليل جهد وزمن. وكل رواية تؤشر على كون الكاتب يمتلك أمورًا ورؤى يريد إيصالها إلى القارئ بطريقة فنية وفي قالب سردي يعطي لذلك واقعية يسري مفعولها على الإنسان باعتباره كائنًا ضمن مجتمع تكونه علاقات تتغير مدًّا وجزرًا وتقاطعًا وصراعًا.
ومن هنا جاء الحدث في الرواية حدثًا زاخرًا بدلالات متعددة منها النابع من الذات ومنها النابع من الحقل الذي انصبت عليه الأحداث وفق ما يمليه المجال الطاغي عليها، والبارز في الرواية هو اقتفاء السبب الكامن وراء حادثة محاولة قتل حسن، مما فرض على الكاتب الولوج إلى عمق فضاء التحقيقات من المستشفى إلى قمة الجبل، وقد فرض عليه ذلك إدراج معلومات لها علاقة وثيقة بمجال علم النفس والطب، فجاءت بنية الحدث سيكولوجية وبوليسية ثرية مما جعلها بعيدة عن الشكل التقليدي الكابح لسعة الرؤية وفسح المجال لبث الرؤية للعالم بشكل حر.
وبين العلاقات العاطفية والعلاقات الوظيفية وبين الهروب من الإقرار وتضبيب السبب الحقيقي في الواقعة، نسج الكاتب أجواء مشحونة جعلت الرواية تنبض حيوية بشكل درامي مؤثر.
الشخصيات في الرواية
جاءت الشخصيات شخصيات شبه عائلية لكنها في ذات الوقت تتشظى علاقاتها حين يتعلق الأمر بالبحث والتقصي، وقد تمكن الكاتب من سبر أغوار نفسية كل منها وتقريب ملامحها وحركاتها وكيفية مواجهتها للمواقف التي تتعرض لها في عوالم يحركها الحدث الرئيسي المفضي إلى أحداث فرعية أخرى، فمكنه ذلك من خلق عالم تعيشه بواقعية تمس وجدانك وفكرك لتتماهى مع الحدث منخرطًا في التعاطف مع هاته الشخصية أو تلك، شخصيات منقادة ووفية لما كلفت بأدائه داخل العالم الذي رسمه الكاتب لروايته.
وقد حملها الكاتب ما أراد قوله حول ظواهر إنسانية نفسية واجتماعية تحميلًا أدبيًّا وفنيًّا يجعلك تعيش معها أزماتها في تطوراتها عبر الخط التطوري للأحداث ... شخصيات تتخذ وضعيات مختلفة وفق ما تتطلبه المواقف التي تصدر منها ...شخصيات واضحة تشكل نماذج لشخصيات لا يخلو منها أي مجتمع بشري: الطبيب الباحث عن أسرار المرض بمهنية، الطبيبة النفسية التي تفسر الظواهر النفسية طبق معطيات السيكولوجيا، الممرضتان اللتان لا يخلو وجودهما من إغراء وعشق، الزوجة التي تستبد بها الغيرة والبغض لزوجها لأسباب شبه مجهولة، المحقق الذي يتبع خيوط الوقائع عبر الملاحظات والاستجوابات.
شخصيات تحركت ضمن الأحداث المرتبطة بها في فضاءات محددة وقليلة تتمثل في المستشفى والجبل وبعض أماكن جانب البحر...
من هذه المعطيات إلى جانب ما يتميز به أسلوبه الوصفي والسردي، تمكن الروائي حسن بوفوس من خلق عالم روائي خاص أجرى فيه أحداث روايته الثرية جماليًّا ومضمونًا، فجاءت ممتعة ومفيدة فعلًا.
حديثًا صدرت للكاتب المغربي حسن بوفوس رواية "قمة الجبل " عمل أدبي سردي ينضاف إلى إصداراته السردية السابقة وهي مجموعته القصصية مذكرات معتوه ، a "reculons ou la sourir effacé" ورواية" الرقص على حبال المكر "و روايته بالفرنسية ، علاوة على ديوانيه الشعريين الأول بالعربية "أغنية خريف الحلم" والثاني " ".écrits de la jeunesse le charmeuبالفرنسية"
رواية "قمة الجبل" تحيل على أجواء الاضطراب والبحث عن المقترف لجريمة محاولة قتل، وقد بدأ ذلك في قمة الجبل لتتكاثف الأحداث بعد ذلك وتتضارب التخمينات والتساؤلات وتتداخل المصالح والشكوك قبل أن يفضي الأمر إلى جريمة أخرى تخرج مقترفتها منها بريئة ربما.
العنوان باعتباره العتبة الرئيسية لولوج عالم المكتوب مهم جدًّا كدالّ على رابط يصله بالمتن الكلي للنص بإيجاز، فهو بذلك مدخل يساعد على ملامسة خيوط تقربك إلى جوانب تتعلق بفحوى النص وبعض تضاريسه الكبرى. وقد يكون العنوان غير ذلك حين يتخذ لأغراض أخرى حددها جيرار جينيت في الوصف والإغراء ، والتعيين ، والإيحاء.
والحال أن "قمة الجبل" عنوان يحقق أكثر من وظيفة لهذا العمل الروائي، فهو يحيل على فضاء سيحتضن الشرارة الأولى التي ستنبثق عنها بقية الأحداث التي ستتناسل بين صفحات الرواية فتجعلك تتمسك بخيط تطورها حتى النهاية، والرواية من هذا الجانب قوية الشد والجذب والإثارة للقارئ فور بداية قراءتها. إنه عنوان الرواية وفي ذات الوقت عنوان الفصل الأول بحذف حرف الجر "على" : "على قمة الجبل"، بل إن الأحداث التي بدأت فوق قمة الجبل وسفحه انتهت بقمة الجبل حيث نقرأ في آخر الرواية "تدحرجت السيارة نحو أسفل الجبل بسلاسة كما جميع الأشياء،كما عصي الساعة الجدارية،تتذبذب حمقاء كأنها تبحث عن وجهة لن تلحقها أبدًا.المشاحنات بين الركاب الثلاثة وصلت ذروتها..." ص206، فالرواية ابتدأت بقمة الجبل لتنتهي بها.
الغلاف
هو صورة لواجهة جبل بلون يمزج بين الأبيض والرمادي المفتوح، تتوسطه لوحة لمريم بن لملح تحمل وجهًا جريحًا بشكل مشوه الملامح لفظاعة تحيل على العنف الجسدي الذي تعرض له صاحبه.
واللوحة تحيل على الجريمة التي كادت أن تودي بحياة "حسن" أحد أبطال الرواية، وفوق اللوحة ورد اسم الكاتب وبعده عنوان العمل السردي وجنسه، وفي الغلاف الأخير ورد مقتطف من الرواية وهو "كانت الساعة تشير إلى الثالثة زوالًا لما وصلوا إلى قمة الجبل .اتفقوا على التمتع بجولة في الغابة مشيًا على الأقدام لتملي جمالها حيث تختلط روائح أشجار العرعر الممتعة برائحة الطين المبلل تشوبها لمسات من ندى البحر المترامي أسفلها.تتخلل المشهد ذبذبات الحش:نداء يصدر من أعماق الغابة، شبيه بالنداء الذي يتراجع صداه ويغور في دهاليز النفس البشرية، شبيه كذلك بتكتكة الساعة الباطنية التي تكشف رتابة الساعة الجدارية عن بعض منها".
الغلاف بمكوناته يعكس أجواء الرواية بشكل يبعث على الإقبال على قراءتها، من هنا جاءت العتبات متجانسة مع الأحداث والمضامين المتضمنة في الرواية.
الحجم
جاءت الرواية متوسطة الحجم تحمل 210 صفحة من الحجم المتوسط موزعة عبر اثنين وعشرين فصلا هي: على قمة الجبل، حادث مروع ،شقاء ،تساؤلات متلاحقة، مشهد مسرحي، زيارة متوقعة/ بين نارين، عراك أم عناق، المفرد والمثنى، لغز الأحجية، الانحدار إلى أسفل العالم العلوي ، عود على بدء، العودة، علامة زائد ترتعش، تشققات ثلاثة الأبعاد، الطيور على أشكالها تقع ، المنعطف، الدائرة ،تعميق البحث، لقاء منتظر، هيئة الجبل، اجتماع الأحباب.
وهي فصول تحمل ملمحًا من الأحداث المكهربة التي تتخللها الاتهامات والشكوك والخداع من أجل إخفاء الحقائق بشكل أو بآخر، فصول تحمل ملمح البحث البوليسي والطبي ضمن علاقات يطبعها الود والمراوغة في ذات الوقت.
أحداث وعبر
فوق قمة الجبل يبدأ الحدث ليتناسل فتتفرع عنه أحداث متداعية تتقاطع وتتباعد وسرعان ما تتخذ منعطفات جديدة عبر البحث والمراوغة في إخفاء الحقائق وقطع الخيط المفضي إلى مقترف الجريمة الأولى، فمن نزهة ممتعة على مشارف مدينة طنجة حيث تبدو محاسن المدينة بين طرب اللحن ومتعة الجولة تتدحرج السيارة من فوق المنحدر وبعد عراك حاد ليقف رجال الانقاذ مندهشين امام هول الحادثة...
هنا يرسم الكاتب خط بداية الأحداث التي سيخوض بها تجربته الروائية الثالثة، وقد أجاد الكاتب إلى حد كبير في إدارة هذه الأحداث وفق شخصيات تتأرجح مواقفها بين الاتفاق والاختلاف وبين التضارب والاضطراب ليرسم الكاتب خطًّا رئيسيًّا يقود الحدث وفق رؤيته الخاصة قبل أن يرسو به في نهاية الرواية، "حسن" يواجه تحديات من محيطه ،لينتهى به الحال إلى غرفة الإنعاش في حادثة سير مروعة ليقاوم من أجل البقاء مقاومة أدهشت الأطباء، و"لمياء" في مقدمة من تحوم الشكوك حول علاقتها المضطربة به، علاقة حسابات وغيرة وأمور أخرى...الدكتور "لحْسَنْ" الذي تربطه علاقة صداقة ومهنة مع سعاد حيث تأرجح أدوارهما بين مناقشات طبية وعلمية إلى جانب تبادل كلام الود والعشق..."فتيحة" التي تحاول أن تواجه تحديات الاستنطاق والاستقصاء مخافة السقوط في مربع الاتهام، وهي تارة في جدال مع الدكتور "لحسن" ومع حميد المكلف بالتحقيق في الواقعة والذي يحاول أن يبحث في أكثر من جهة و عبر أكثر من شخص، مع محسن مع لمياء مع لحسن مع فتيحة ولمياء...
أحداث وحوارات تجعل القارئ بالقدر الذي يشده الفضول إلى فحواها والمتوقع من تطورها بقدر ما يجعله الكاتب يقف على عبارات وأفكار مستخلصة من تجارب الواقع.
يقول الكاتب " الإنسان حال وأحوال، ما يقوله يفعله أو لا يفعله، يفكر في عمل ما وينفذ عكسه، لأنه يجرؤ ولا يتوقع، لحسن الحظ ولسوئه أيضًا ما يصدر عنه قابل للتأويل، يكرم مرة ويهان مرات، تقاس المعاملات زيادة ونقصانًا، لأنها لا تستقر على حال، يندفع الإنسان تلقائيًّا إلى الأمام باتجاه ولا يمكن له مطلقًا أن يعود إلى الوراء من نفس الاتجاه" ص 120.
ويقول في بداية الفصل السادس عشر "حين نقول بأن شخصًا ما ليس على حق أو أن الاعتذار اعتراف بالخطأ فلا يعني هذا بأن من يحاسب محق وأن إقرار من اعتذر صحيح، فالمادة قد تتحول إلى طاقة وهذه قد تتكتل لتصبح تلك، أشعة الشمس تؤثر في الماء فيتغير إلى بخار أو إلى غيره متى انخفضت درجة الحرارة، وهذا هو الأصل، كذبذبات العقل تتواتر زيادة ونقصانًا، مقلوبة، عاكسة ومعكوسة. ص136.
إنها رؤية الكاتب للأحداث حين يقرأها بعين الفاهم المجرب الذي عرك الحياة وعركته لينبثق عن ذلك أخذ العبرة والقوانين المتحكمة في الظواهر والسلوكات، مما يجعل قراءة الرواية عملًا ماتعًا وتثقيفيًّا في ذات الوقت وهنا تأتي أهمية الرواية بصفة عامة لأنها تقدم تجارب أعمار ومجتمعات في صفحات وساعات ليتعظ بها القارئ بقليل جهد وزمن. وكل رواية تؤشر على كون الكاتب يمتلك أمورًا ورؤى يريد إيصالها إلى القارئ بطريقة فنية وفي قالب سردي يعطي لذلك واقعية يسري مفعولها على الإنسان باعتباره كائنًا ضمن مجتمع تكونه علاقات تتغير مدًّا وجزرًا وتقاطعًا وصراعًا.
ومن هنا جاء الحدث في الرواية حدثًا زاخرًا بدلالات متعددة منها النابع من الذات ومنها النابع من الحقل الذي انصبت عليه الأحداث وفق ما يمليه المجال الطاغي عليها، والبارز في الرواية هو اقتفاء السبب الكامن وراء حادثة محاولة قتل حسن، مما فرض على الكاتب الولوج إلى عمق فضاء التحقيقات من المستشفى إلى قمة الجبل، وقد فرض عليه ذلك إدراج معلومات لها علاقة وثيقة بمجال علم النفس والطب، فجاءت بنية الحدث سيكولوجية وبوليسية ثرية مما جعلها بعيدة عن الشكل التقليدي الكابح لسعة الرؤية وفسح المجال لبث الرؤية للعالم بشكل حر.
وبين العلاقات العاطفية والعلاقات الوظيفية وبين الهروب من الإقرار وتضبيب السبب الحقيقي في الواقعة، نسج الكاتب أجواء مشحونة جعلت الرواية تنبض حيوية بشكل درامي مؤثر.
الشخصيات في الرواية
جاءت الشخصيات شخصيات شبه عائلية لكنها في ذات الوقت تتشظى علاقاتها حين يتعلق الأمر بالبحث والتقصي، وقد تمكن الكاتب من سبر أغوار نفسية كل منها وتقريب ملامحها وحركاتها وكيفية مواجهتها للمواقف التي تتعرض لها في عوالم يحركها الحدث الرئيسي المفضي إلى أحداث فرعية أخرى، فمكنه ذلك من خلق عالم تعيشه بواقعية تمس وجدانك وفكرك لتتماهى مع الحدث منخرطًا في التعاطف مع هاته الشخصية أو تلك، شخصيات منقادة ووفية لما كلفت بأدائه داخل العالم الذي رسمه الكاتب لروايته.
وقد حملها الكاتب ما أراد قوله حول ظواهر إنسانية نفسية واجتماعية تحميلًا أدبيًّا وفنيًّا يجعلك تعيش معها أزماتها في تطوراتها عبر الخط التطوري للأحداث ... شخصيات تتخذ وضعيات مختلفة وفق ما تتطلبه المواقف التي تصدر منها ...شخصيات واضحة تشكل نماذج لشخصيات لا يخلو منها أي مجتمع بشري: الطبيب الباحث عن أسرار المرض بمهنية، الطبيبة النفسية التي تفسر الظواهر النفسية طبق معطيات السيكولوجيا، الممرضتان اللتان لا يخلو وجودهما من إغراء وعشق، الزوجة التي تستبد بها الغيرة والبغض لزوجها لأسباب شبه مجهولة، المحقق الذي يتبع خيوط الوقائع عبر الملاحظات والاستجوابات.
شخصيات تحركت ضمن الأحداث المرتبطة بها في فضاءات محددة وقليلة تتمثل في المستشفى والجبل وبعض أماكن جانب البحر...
من هذه المعطيات إلى جانب ما يتميز به أسلوبه الوصفي والسردي، تمكن الروائي حسن بوفوس من خلق عالم روائي خاص أجرى فيه أحداث روايته الثرية جماليًّا ومضمونًا، فجاءت ممتعة ومفيدة فعلًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.