عندما فاز "نجيب محفوظ" بجائزة نوبل للآداب عام 1988 كنت ذاك الشاب اليافع الذي يتحسس خطواته الأولى في عالم السرد ببعض قصص قصيرة كتب لها بعض القبول، وكانت قراءاتي في الأدب قد أخذت في التخصص واللهاث خلف كل ما هو جديد، فتصادف حصولي على مختارات روايات الهلال بعنوان "أهل الهوى" بنماذج قصصية بمناسبة فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، ولما كنت أفتقر إلى قراءة أغلب مجموعات نجيب محفوظ القصصية، لتركيزي كغيري على رواياته الفارقة التي استحوذت على لبي في بدايات قراءتي للأدب.. وإذا بقصة "زعبلاوي" تأخذ من نفسي مأخذ الإعجاب والانبهار، لأجد نفسي أعبر عن إعجابي بها بكتابة خاطرة انفعالية في ما يقارب الصفحة بخط يدي، وعندما عرضت تلك القراءة على زملاء ندوة الاثنين التي كنت ارتادها بقصر ثقافة الحرية منذ منتصف الثمانينات، إذ بي أفاجأ برد أنها نبتة لرؤية نقدية، وسؤال ربما كان هزليًّا وجه إليَّ: "هل تريد أن تتحوَّل إلى ناقد؟.. سوف يفسد النقد كتاباتك القصصية!!" ولم ألق بالًا لهذا الكلام الذي مرَّ على خاطري - الشغوف بكتابة القصة القصيرة - مرور الكرام لتقبع تلك الوريقة بين أوراقي المنسية ومسودات كتاباتي للقصة، قرابة الخمسة عشر عامًا، منها عشر لم تمسك أناملي بالقلم لكتابة أي نوع من الأدب أو الإبداع بصفة خاصة، لتلوح تلك الورقة لناظري من بين ركام أوراقي التي كانت شبه غير موجودة على مستوى ذهني وعلى مستوى وجودها المادي، فأقرأها من جديد لأتعجب من ذاتي، ثم أطويها وأدسها بين الورق مرة أخرى لأنشغل بهمِّ عودة قلمي للإبداع من جديد وتحقيق معادلة العودة من بعد جفاف تام لمنابع الكتابة في ذاتي التي ربما فقدت تلك الحساسية – أو هكذا هيء لي - ولاح شبح الإحباط والفشل أمام عيني، برغم رصيدي من القصص القديمة التي يمكن أن تكوِّن مجموعة قصصية فاتتها فرصة النشر الرسمي بفعل فاعل.. ثم أصدرتها بطبعة محدودة تحت عنوان "على حافة الحلم" 2003. حتى لاحت فرصة اشتراكي في المسابقة المركزية لهيئة قصور الثقافة للعام 2007، وكان محورها النقدي كتابة بحث عن القصة القصيرة عند نجيب محفوظ، فقررت المشاركة فيها ببحث يحاول سبر غور المسيرة القصصية لعبقري الرواية العربية، ذلك الجانب المعتم من إبداع محفوظ والذي لم تدركه العديد من الدراسات البحثية وأهملته إلى حد بعيد، معتمدًا على بعض التمارين النقدية التي كنت قد بدأت ممارستها بعد عودتي للكتابة الإبداعية بمجموعتين قصصيتين ورواية - حتى هذه الفترة التي بدأت فيها مشروع كتاباتي عن نجيب محفوظ - وخضت هذه المغامرة بحس الممارسة الإبداعية التي مكنتني من التعايش مع النصوص والاقتراب منها حد التوغل والاندماج، لأجد نفسي مرة أخرى وجهًا لوجه أمام "زعبلاوي" مرة أخرى، ولكن بتقنيات ربما تمرست عليها بمنهجة ما لأسلوبي وأنا أسير مع دفقات تلك الرحلة القصصية المفعمة بالاكتشافات بالنسبة لي على الأقل، متسلحًا بعدد لا بأس به من المخزون الثقافي والمعرفي والقرائي، وخبرة كتابة القصة القصيرة، وعدد قليل جدًّا من المراجع التي أيدت منهجي المتواضع في صياغة هذا البحث، ولأقع في سحر أعمق ل "زعبلاوي"، ليكون حجر زاوية مهم في مسيرة بحثي عن ذات نجيب محفوظ القصصية التي ضن عليها النقد والمتابعة.. ربما اتساقا مع ميلي الشديد للروحانيات والنموذج الصوفي في الحياة عمومًا، وهو ما لم أنتبه إليه كلية عندما انجذبت ل "زعبلاوي" وأنا حديث السن والإبداع، ولا أعرف شيئا ملموسًا عن تلك الروحانيات.. وإذ بي أحصل على جائزة قصور الثقافة في النقد، ببحثي "صور من تجليات الحياة" قراءة في الإبداع القصصي لنجيب محفوظ، والذي قدمته كما كتبته بخط يدي، وبلغت مرات إعادة كتابتي له باليد أربع مرات كأي عمل إبداعي أخوض غمار كتابته.. ودون الخوض في معاناة طبع الكتاب وسنواته السبع الضائعة في أروقة السلاسل والهيئات، فقد تحقق حلم مشروعي النقدي الأول عن عملاق السرد العربي قاصًا مجيدًا الذي لا تهتز جباله الشامخة الثابتة في القصة القصيرة كما في الرواية.. من خلال عنوان فارق هو "تجليات سرد الحياة.. قراءة في أدب نجيب محفوظ"، وها أنا أستعد لإصدار الطبعة الثانية له في مطلع العام الجديد بمشيئة الله، وهي طبعة منقحة ومزيدة بما قد يكون فاتني من نقاط وزوايا لم أتمكن من سبر غورها في طبعة الكتاب الأولى.. مبشرة بكتاب آخر جديد قادم لي عن العلاقة بين الفلسفة والتصوف في سرديات نجيب محفوظ. كم أنا مدين لهذه القصة العبقرية "زعبلاوي" التي تعددت زوايا رؤيتي لها، كي تضع معادلتي الذهبية في رفد إبداعي بجهد نقدي لم يقلل من قيمة ما أكتب بقدر ما ساعدني كثيرًا على صقل هذه التجارب القصصية التي لا تزال تعطيني مفاتيح الولوج إلى عالمها السحري، والذي ارتبطت به قلبًا وقالبًا، والتي لم ولن أتوقف عن خوض غمارها كقاص بدرجة ناقد، أو ناقد بدرجة قاص.. عندما فاز "نجيب محفوظ" بجائزة نوبل للآداب عام 1988 كنت ذاك الشاب اليافع الذي يتحسس خطواته الأولى في عالم السرد ببعض قصص قصيرة كتب لها بعض القبول، وكانت قراءاتي في الأدب قد أخذت في التخصص واللهاث خلف كل ما هو جديد، فتصادف حصولي على مختارات روايات الهلال بعنوان "أهل الهوى" بنماذج قصصية بمناسبة فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، ولما كنت أفتقر إلى قراءة أغلب مجموعات نجيب محفوظ القصصية، لتركيزي كغيري على رواياته الفارقة التي استحوذت على لبي في بدايات قراءتي للأدب.. وإذا بقصة "زعبلاوي" تأخذ من نفسي مأخذ الإعجاب والانبهار، لأجد نفسي أعبر عن إعجابي بها بكتابة خاطرة انفعالية في ما يقارب الصفحة بخط يدي، وعندما عرضت تلك القراءة على زملاء ندوة الاثنين التي كنت ارتادها بقصر ثقافة الحرية منذ منتصف الثمانينات، إذ بي أفاجأ برد أنها نبتة لرؤية نقدية، وسؤال ربما كان هزليًّا وجه إليَّ: "هل تريد أن تتحوَّل إلى ناقد؟.. سوف يفسد النقد كتاباتك القصصية!!" ولم ألق بالًا لهذا الكلام الذي مرَّ على خاطري - الشغوف بكتابة القصة القصيرة - مرور الكرام لتقبع تلك الوريقة بين أوراقي المنسية ومسودات كتاباتي للقصة، قرابة الخمسة عشر عامًا، منها عشر لم تمسك أناملي بالقلم لكتابة أي نوع من الأدب أو الإبداع بصفة خاصة، لتلوح تلك الورقة لناظري من بين ركام أوراقي التي كانت شبه غير موجودة على مستوى ذهني وعلى مستوى وجودها المادي، فأقرأها من جديد لأتعجب من ذاتي، ثم أطويها وأدسها بين الورق مرة أخرى لأنشغل بهمِّ عودة قلمي للإبداع من جديد وتحقيق معادلة العودة من بعد جفاف تام لمنابع الكتابة في ذاتي التي ربما فقدت تلك الحساسية – أو هكذا هيء لي - ولاح شبح الإحباط والفشل أمام عيني، برغم رصيدي من القصص القديمة التي يمكن أن تكوِّن مجموعة قصصية فاتتها فرصة النشر الرسمي بفعل فاعل.. ثم أصدرتها بطبعة محدودة تحت عنوان "على حافة الحلم" 2003. حتى لاحت فرصة اشتراكي في المسابقة المركزية لهيئة قصور الثقافة للعام 2007، وكان محورها النقدي كتابة بحث عن القصة القصيرة عند نجيب محفوظ، فقررت المشاركة فيها ببحث يحاول سبر غور المسيرة القصصية لعبقري الرواية العربية، ذلك الجانب المعتم من إبداع محفوظ والذي لم تدركه العديد من الدراسات البحثية وأهملته إلى حد بعيد، معتمدًا على بعض التمارين النقدية التي كنت قد بدأت ممارستها بعد عودتي للكتابة الإبداعية بمجموعتين قصصيتين ورواية - حتى هذه الفترة التي بدأت فيها مشروع كتاباتي عن نجيب محفوظ - وخضت هذه المغامرة بحس الممارسة الإبداعية التي مكنتني من التعايش مع النصوص والاقتراب منها حد التوغل والاندماج، لأجد نفسي مرة أخرى وجهًا لوجه أمام "زعبلاوي" مرة أخرى، ولكن بتقنيات ربما تمرست عليها بمنهجة ما لأسلوبي وأنا أسير مع دفقات تلك الرحلة القصصية المفعمة بالاكتشافات بالنسبة لي على الأقل، متسلحًا بعدد لا بأس به من المخزون الثقافي والمعرفي والقرائي، وخبرة كتابة القصة القصيرة، وعدد قليل جدًّا من المراجع التي أيدت منهجي المتواضع في صياغة هذا البحث، ولأقع في سحر أعمق ل "زعبلاوي"، ليكون حجر زاوية مهم في مسيرة بحثي عن ذات نجيب محفوظ القصصية التي ضن عليها النقد والمتابعة.. ربما اتساقا مع ميلي الشديد للروحانيات والنموذج الصوفي في الحياة عمومًا، وهو ما لم أنتبه إليه كلية عندما انجذبت ل "زعبلاوي" وأنا حديث السن والإبداع، ولا أعرف شيئا ملموسًا عن تلك الروحانيات.. وإذ بي أحصل على جائزة قصور الثقافة في النقد، ببحثي "صور من تجليات الحياة" قراءة في الإبداع القصصي لنجيب محفوظ، والذي قدمته كما كتبته بخط يدي، وبلغت مرات إعادة كتابتي له باليد أربع مرات كأي عمل إبداعي أخوض غمار كتابته.. ودون الخوض في معاناة طبع الكتاب وسنواته السبع الضائعة في أروقة السلاسل والهيئات، فقد تحقق حلم مشروعي النقدي الأول عن عملاق السرد العربي قاصًا مجيدًا الذي لا تهتز جباله الشامخة الثابتة في القصة القصيرة كما في الرواية.. من خلال عنوان فارق هو "تجليات سرد الحياة.. قراءة في أدب نجيب محفوظ"، وها أنا أستعد لإصدار الطبعة الثانية له في مطلع العام الجديد بمشيئة الله، وهي طبعة منقحة ومزيدة بما قد يكون فاتني من نقاط وزوايا لم أتمكن من سبر غورها في طبعة الكتاب الأولى.. مبشرة بكتاب آخر جديد قادم لي عن العلاقة بين الفلسفة والتصوف في سرديات نجيب محفوظ. كم أنا مدين لهذه القصة العبقرية "زعبلاوي" التي تعددت زوايا رؤيتي لها، كي تضع معادلتي الذهبية في رفد إبداعي بجهد نقدي لم يقلل من قيمة ما أكتب بقدر ما ساعدني كثيرًا على صقل هذه التجارب القصصية التي لا تزال تعطيني مفاتيح الولوج إلى عالمها السحري، والذي ارتبطت به قلبًا وقالبًا، والتي لم ولن أتوقف عن خوض غمارها كقاص بدرجة ناقد، أو ناقد بدرجة قاص..