رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    رسميا بعد الهبوط الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 23 أغسطس 2025    تشيلسي يكتسح وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي الممتاز    محمد الشناوي خارج مباراة الأهلي وغزل المحلة.. هاني رمزي يكشف السبب    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    ابنة سيد مكاوي عن شيرين عبدالوهاب: فقدت تعاطفي بسبب عدم مسؤوليتها    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    وزير الدفاع الإيراني: صواريخ جديدة برؤوس حربية متطورة لم تُستخدم في حرب ال12 يومًا    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    تشيلسي يدمر وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي.. فيديو    الحوثيون يعلنون تنفيذ 3 عمليات ضد أهداف في تل أبيب    تنسيق الشهادات المعادلة 2025، قواعد قبول طلاب الثانوية السعودية بالجامعات المصرية    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    أمم إفريقيا للمحليين - المليوي يقود المغرب إلى نصف النهائي.. ومدغشقر تقصي كينيا    فالنسيا من قمم المجد إلى هاوية النسيان.. حين تقودك الإدارة إلى اللعنة    تقرير: ليس فينيسيوس فقط.. أنشيلوتي يستبعد رودريجو من قائمة البرازيل    محمود وفا حكما لمباراة الاتحاد والبنك الأهلى والسيد للإسماعيلى والطلائع    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    قطع المياه عن بعض المناطق بأكتوبر الجديدة لمدة 6 ساعات    خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    تحت عنوان كامل العدد، مدحت صالح يفتتح حفله على مسرح المحكي ب "زي ما هي حبها"    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    خيرى حسن ينضم إلى برنامج صباح الخير يا مصر بفقرة أسبوعية على شاشة ماسبيرو    ميرهان حسين جريئة وليلى علوي بإطلالة شبابية.. لقطات نجوم الفن في 24 ساعة    حدث بالفن| أول تعليق من شيرين عبد الوهاب بعد أنباء عودتها ل حسام حبيب وفنان يرفض مصافحة معجبة ونجوم الفن في سهرة صيفية خاصة    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    نجاح عملية جراحية دقيقة لاستئصال ورم ليفي بمستشفى القصاصين فى الإسماعيلية    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. الدفاع الروسية: سيطرنا على 9 بلدات فى أوكرانيا خلال أسبوع .. وزيرة خارجية سلوفينيا: المجاعة مرحلة جديدة من الجحيم فى غزة.. إسرائيل عطلت 60 محطة تحلية مياه فى غزة    نتيجة تنسيق رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي الأزهر الشريف 2025 خلال ساعات.. «رابط مباشر»    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    ضبط 1954 مخالفة ورفع كفاءة طريق «أم جعفر – الحلافي» ورصف شارع الجيش بكفر الشيخ    الزمالك يواصل استعداداته لمواجهة فاركو بتدريبات استشفائية وفنية    محمد طاهر: الكرة من أفضل أدوات التسويق ورعاية للزمالك لدعم الأندية الشعبية    منها الإقلاع عن التدخين.. 10 نصائح للحفاظ على صحة عينيك مع تقدمك فى العمر (تعرف عليها)    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    رئيس جهاز القرى السياحية يلتقي البابا تواضروس الثاني بالعلمين (صور)    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملتقى القاهرة للإبداع الروائي يبحث مستقبل السرد
نشر في صوت البلد يوم 12 - 05 - 2019

يرى الناقد د. شكري الطوانسي أن السرد يمثل أحد خيارات الذات في البحث عن هويتها والوعي بذاتها وبالعالم من حولها، وهي في ممارستها السردية تدخل في علاقة معقدة مع تاريخها الخاص والعام، ومع الآخر الذي يحدد لها نمط وجودها بطريقة أو بأخرى، ويسكن التقاليد والأنساق الاجتماعية والثقافية، كما يسكن اللغة والأقوال والخطابات، وتتزايد أزمة الذات عندما يقف تاريخ الجماعة معارضًا للهوية الذاتية بعدم الاعتراف بها خارج أطر الهوية العامة المشتركة، في الوقت الذي تجد الذات نفسها فيه مضطرة إلى التباعد عن هذه الهوية العامة ولغتها بحيث يتعذَّر عليها الإفضاء والبوح باستخدام اللغة الأم، وتصبح لغة الآخر هي طريق الذات للعثور على ذاتها.
ويوضح في بحثه - الذي شارك به في الجلسة التي رأستها د. منى طلبة ضمن جلسات ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي "الرواية في عصر المعلومات" – أن الكاتبة الجزائرية آسيا جبار، التي تكتب أصلاً بالفرنسية، تجد نفسها حبيسة تاريخ ذكوري من الكبت والقهر والإقصاء، يطمس هويتها ويلزمها الصمت والتكتم؛ هذا التاريخ لم يكتبه الماضي بقيوده ومواضعاته الثابتة، بل كتبه أيضًا المستعمر (المنتصر) - حتى بعد رحيله والاستقلال عنه، فتعمد آسيا إلى الكتابة/السرد لتعيد صياغة تاريخها الخاص والعام من وجهة نظر نسوية، تنشد حريتها من كل صور القهر والتسلط والاستغلال.
يقول الطوانسي: هنا يغدو السرد مقاومة للقهر والنسيان والموت، إنه إذن فعل وجود، غير أن الكتابة بغير اللغة الأم (بلغة المستعمر وعدو الأمس) تضع الذات في مواجهة أخرى مع نفسها، لتشعرها بالتمزق والتفسُّح، بل تجعلها تتعرى أمام نفسها وأمام الآخر الذي يشهد عجزها عن التعبير، عن همومها وأوجاعها إزاء قومها وعدوها، إلا عبر لغة ذلك العدو أو الآخر، ومن هنا تسعى آسيا بكتابتها إلى نوع من المصالحة بين لغة الآخر التي تعيد بها كتابة ذاتها وتاريخها، وبين الالتفات إلى الأصول حيث الثقافة الأم بما في ذلك الأشكال التراثية في السرد من رصف للحكايات وتناوبها وتناسلها، دون أن تكون محاكية لهذه الأشكال تمامًا؛ وحيث العودة إلى لغة الطفولة، وقائع السيرة الذاتية، واستخدام اللهجة المحلية.
ويؤكد الباحث أن آسيا تكتب تاريخًا جديدًا لذاتها بإعادة تفكيك التاريخ العام وتأويله، عبر التذكر والحكي المتتابع والمتناوب والمتبعثر، وعبر مزج وقائع السيرة بوقائع التاريخ؛ لتشيد حقائق جديدة غير تلك المعلنة التي يسجلها التاريخ الرسمي.
فعل استقرائي
وعن "مستقبل السرد" تتحدث الناقد د. لنا عبد الرحمن، فتقول: حين نستخدم كلمة "مستقبل" للحديث عن السرد، فإن دلالة الكلمة تشتمل على فعل استقرائي أكثر مما هو آني. المستقبل هو الغد بكل ما فيه من توقعات واحتمالات تتماشى مع الواقع الراهن وترتبط به. إن ما يمكن قوله عن غد السرد لا يرتبط بيومه وحسب، بل بتحوله إلى "علم" تتقاطع فيه عديد من العلوم والمعارف الأخرى، سواء في شكل السرد وطرائقه المتشعبة، أو في مضمونه الذي تمكَّن من استيعاب فنون أخرى مثل القصة، والشعر، والمسرح، والغناء.
وترى أنه من خلال السرد نستطيع أن ندلف إلى التاريخ والجغرافيا، وإلى عوالم أخرى، نعبر من الماضي إلى الحاضر ونلتقي مع حضارات وشعوب لنكتشف نمط حياتها وواقعها وكيف عاشت، ومن خلال السرد أيضًا نقفز إلى المستقبل، لنجول عبر ضفاف متخيلة لواقع لم يأتِ بعد، فالعلاقة الوثيقة بين الأدب والذاكرة تجعل من السرد جسرًا وثيقًا بين الفردي والاجتماعي، بين الذاكرة الخاصة والعامة، ليكون الوسيلة والغاية في آن واحد.
وتشير د. لنا عبد الرحمنذ إلى إن جسر السرد الذي يرتبط بالذاكرة هو عينه الذي يمتد ليرتبط بالغد، دامجًا بين الحضارات، وبفضل ما يحدث اليوم من نهضة معلوماتية من خلال شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال والتقنيات الحديثة التي أثَّرت في قوام الحياة اليومية، يحصل التمازج الكبير الذي ينعكس بشكل واضح على النتاج السردي العربي، وكان لاطلاع العرب على ثقافات وسرديات أمم وشعوب أخرى، بالإضافة إلى حضور وانتشار ثقافة السرد البصري، والقص التفاعلي أن أسهم في تطوُّر وتغيُّر حركة السرد وشكله، بغض النظر عن الزمان والمكان، وهذا أدى إلى سرعة وصول الفنون وانتشارها.
وإذا كان السرد يشهد هذه التحولات بسبب التغير العالمي من حولنا، فإن ثمة أسئلة تطرح نفسها أيضًا: ما التصورات حول مستقبل السرد.. تأثير الإنترنت والقراءة الإلكترونية والسرعة في كل شيء حولنا، ومن هو القارئ في المستقبل؟ فالقارئ هو المتلقي والمتصفح، فمن هو، وكيف سيكون قارئ المستقبل؟ ما التقاطعات بين الرواية العالمية والرواية العربية الحديثة، إن كان ثمة تقاطعات، وهموم كونية مشتركة تشغل البشر جميعًا؟ هل الأكثر مبيعًا هو الأكثر جودة.. كيف سيقاس مستقبليًّا الأكثر مبيعًا (ورقيًّا أم إلكترونيًّا)؟
ديوان العرب !
ويتساءل الباحث د. يسري عبدالغني: هل ما زال المجد للرواية العربية؟ ويقول: لقد جعلها أفضل المبدعين فيها لسان حال الأمة، وديوانًا جديدًا للعرب، فمن أعمال الرواد الأوائل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن العشرين والسنوات الثلاث الأولى من الألفية الثالثة قطعت الرواية العربية أشواطًا طويلة في طريق التأسيس والتأصيل لجنس أدبي عربي حديث، وحققت خلال ذلك إنجازات شديدة الغنى والتنوع، وأثبتت كفاءتها العالية في تجديدها لنفسها دائمًا، وفي مساءلتها لأدواتها وتقنياتها، وفي مغامراتها الجمالية التي مكنتها، دائمًا أيضًا، من إحداث توازٍ مستمر بين محاولات مبدعيها البحث عن كتابة روائية لها هويتها الخاصة بها، ومحاولات هؤلاء المبدعين أنفسهم بآنٍ لمواكبة إنجازات السرد الروائي في الأجزاء الأخرى من الجغرافية الإبداعية.
ويضيف: لعل أبرز ما ميز الرواية طوال تاريخها ليس مواكبتها لمختلف المدارس والتيارات والاتجاهات والفلسفات الوافدة فحسب، بل تمردها أيضًا على الثابت والمستقر من القيم والتقاليد الجمالية التي ما إن كانت تذعن لها لوقت حتى كانت تبتكر بدائلها المناسبة التي غالبًا ما كانت تحمل بذور فنائها في داخلها، صائغة بذلك سمة تكاد تكون وقفًا عليها من المشهد العالمي، وإلى حد بدت معه ومن خلاله فعالية إبداعية مفتوحة ومشرعة على احتمالات غير محدودة، ودالة على قابلياتها الكثيرة للهدم والبناء دائمًا، وعلى امتلاكها ما يؤهلها للتجدد والتطور دائمًا أيضًا.
وينهي يسري عبدالغني ورقته بقوله: لئن كانت هذه السمات جميعًا، وسواها، هي ما جعل تلك الرواية الجنس الأدبي الأثير إلى جمهور القراء، على الرغم من حمى الإقصاء الذي مارسته، ولا تزال، وسائل الاتصال الحديثة لمختلف أشكال الكتابة، فإنها هي أيضًا ما يؤشر إلى أن هذه الرواية نفسها هي فن المستقبل، فهل ما زال المجد لها؟ ‏
يرى الناقد د. شكري الطوانسي أن السرد يمثل أحد خيارات الذات في البحث عن هويتها والوعي بذاتها وبالعالم من حولها، وهي في ممارستها السردية تدخل في علاقة معقدة مع تاريخها الخاص والعام، ومع الآخر الذي يحدد لها نمط وجودها بطريقة أو بأخرى، ويسكن التقاليد والأنساق الاجتماعية والثقافية، كما يسكن اللغة والأقوال والخطابات، وتتزايد أزمة الذات عندما يقف تاريخ الجماعة معارضًا للهوية الذاتية بعدم الاعتراف بها خارج أطر الهوية العامة المشتركة، في الوقت الذي تجد الذات نفسها فيه مضطرة إلى التباعد عن هذه الهوية العامة ولغتها بحيث يتعذَّر عليها الإفضاء والبوح باستخدام اللغة الأم، وتصبح لغة الآخر هي طريق الذات للعثور على ذاتها.
ويوضح في بحثه - الذي شارك به في الجلسة التي رأستها د. منى طلبة ضمن جلسات ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي "الرواية في عصر المعلومات" – أن الكاتبة الجزائرية آسيا جبار، التي تكتب أصلاً بالفرنسية، تجد نفسها حبيسة تاريخ ذكوري من الكبت والقهر والإقصاء، يطمس هويتها ويلزمها الصمت والتكتم؛ هذا التاريخ لم يكتبه الماضي بقيوده ومواضعاته الثابتة، بل كتبه أيضًا المستعمر (المنتصر) - حتى بعد رحيله والاستقلال عنه، فتعمد آسيا إلى الكتابة/السرد لتعيد صياغة تاريخها الخاص والعام من وجهة نظر نسوية، تنشد حريتها من كل صور القهر والتسلط والاستغلال.
يقول الطوانسي: هنا يغدو السرد مقاومة للقهر والنسيان والموت، إنه إذن فعل وجود، غير أن الكتابة بغير اللغة الأم (بلغة المستعمر وعدو الأمس) تضع الذات في مواجهة أخرى مع نفسها، لتشعرها بالتمزق والتفسُّح، بل تجعلها تتعرى أمام نفسها وأمام الآخر الذي يشهد عجزها عن التعبير، عن همومها وأوجاعها إزاء قومها وعدوها، إلا عبر لغة ذلك العدو أو الآخر، ومن هنا تسعى آسيا بكتابتها إلى نوع من المصالحة بين لغة الآخر التي تعيد بها كتابة ذاتها وتاريخها، وبين الالتفات إلى الأصول حيث الثقافة الأم بما في ذلك الأشكال التراثية في السرد من رصف للحكايات وتناوبها وتناسلها، دون أن تكون محاكية لهذه الأشكال تمامًا؛ وحيث العودة إلى لغة الطفولة، وقائع السيرة الذاتية، واستخدام اللهجة المحلية.
ويؤكد الباحث أن آسيا تكتب تاريخًا جديدًا لذاتها بإعادة تفكيك التاريخ العام وتأويله، عبر التذكر والحكي المتتابع والمتناوب والمتبعثر، وعبر مزج وقائع السيرة بوقائع التاريخ؛ لتشيد حقائق جديدة غير تلك المعلنة التي يسجلها التاريخ الرسمي.
فعل استقرائي
وعن "مستقبل السرد" تتحدث الناقد د. لنا عبد الرحمن، فتقول: حين نستخدم كلمة "مستقبل" للحديث عن السرد، فإن دلالة الكلمة تشتمل على فعل استقرائي أكثر مما هو آني. المستقبل هو الغد بكل ما فيه من توقعات واحتمالات تتماشى مع الواقع الراهن وترتبط به. إن ما يمكن قوله عن غد السرد لا يرتبط بيومه وحسب، بل بتحوله إلى "علم" تتقاطع فيه عديد من العلوم والمعارف الأخرى، سواء في شكل السرد وطرائقه المتشعبة، أو في مضمونه الذي تمكَّن من استيعاب فنون أخرى مثل القصة، والشعر، والمسرح، والغناء.
وترى أنه من خلال السرد نستطيع أن ندلف إلى التاريخ والجغرافيا، وإلى عوالم أخرى، نعبر من الماضي إلى الحاضر ونلتقي مع حضارات وشعوب لنكتشف نمط حياتها وواقعها وكيف عاشت، ومن خلال السرد أيضًا نقفز إلى المستقبل، لنجول عبر ضفاف متخيلة لواقع لم يأتِ بعد، فالعلاقة الوثيقة بين الأدب والذاكرة تجعل من السرد جسرًا وثيقًا بين الفردي والاجتماعي، بين الذاكرة الخاصة والعامة، ليكون الوسيلة والغاية في آن واحد.
وتشير د. لنا عبد الرحمنذ إلى إن جسر السرد الذي يرتبط بالذاكرة هو عينه الذي يمتد ليرتبط بالغد، دامجًا بين الحضارات، وبفضل ما يحدث اليوم من نهضة معلوماتية من خلال شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال والتقنيات الحديثة التي أثَّرت في قوام الحياة اليومية، يحصل التمازج الكبير الذي ينعكس بشكل واضح على النتاج السردي العربي، وكان لاطلاع العرب على ثقافات وسرديات أمم وشعوب أخرى، بالإضافة إلى حضور وانتشار ثقافة السرد البصري، والقص التفاعلي أن أسهم في تطوُّر وتغيُّر حركة السرد وشكله، بغض النظر عن الزمان والمكان، وهذا أدى إلى سرعة وصول الفنون وانتشارها.
وإذا كان السرد يشهد هذه التحولات بسبب التغير العالمي من حولنا، فإن ثمة أسئلة تطرح نفسها أيضًا: ما التصورات حول مستقبل السرد.. تأثير الإنترنت والقراءة الإلكترونية والسرعة في كل شيء حولنا، ومن هو القارئ في المستقبل؟ فالقارئ هو المتلقي والمتصفح، فمن هو، وكيف سيكون قارئ المستقبل؟ ما التقاطعات بين الرواية العالمية والرواية العربية الحديثة، إن كان ثمة تقاطعات، وهموم كونية مشتركة تشغل البشر جميعًا؟ هل الأكثر مبيعًا هو الأكثر جودة.. كيف سيقاس مستقبليًّا الأكثر مبيعًا (ورقيًّا أم إلكترونيًّا)؟
ديوان العرب !
ويتساءل الباحث د. يسري عبدالغني: هل ما زال المجد للرواية العربية؟ ويقول: لقد جعلها أفضل المبدعين فيها لسان حال الأمة، وديوانًا جديدًا للعرب، فمن أعمال الرواد الأوائل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن العشرين والسنوات الثلاث الأولى من الألفية الثالثة قطعت الرواية العربية أشواطًا طويلة في طريق التأسيس والتأصيل لجنس أدبي عربي حديث، وحققت خلال ذلك إنجازات شديدة الغنى والتنوع، وأثبتت كفاءتها العالية في تجديدها لنفسها دائمًا، وفي مساءلتها لأدواتها وتقنياتها، وفي مغامراتها الجمالية التي مكنتها، دائمًا أيضًا، من إحداث توازٍ مستمر بين محاولات مبدعيها البحث عن كتابة روائية لها هويتها الخاصة بها، ومحاولات هؤلاء المبدعين أنفسهم بآنٍ لمواكبة إنجازات السرد الروائي في الأجزاء الأخرى من الجغرافية الإبداعية.
ويضيف: لعل أبرز ما ميز الرواية طوال تاريخها ليس مواكبتها لمختلف المدارس والتيارات والاتجاهات والفلسفات الوافدة فحسب، بل تمردها أيضًا على الثابت والمستقر من القيم والتقاليد الجمالية التي ما إن كانت تذعن لها لوقت حتى كانت تبتكر بدائلها المناسبة التي غالبًا ما كانت تحمل بذور فنائها في داخلها، صائغة بذلك سمة تكاد تكون وقفًا عليها من المشهد العالمي، وإلى حد بدت معه ومن خلاله فعالية إبداعية مفتوحة ومشرعة على احتمالات غير محدودة، ودالة على قابلياتها الكثيرة للهدم والبناء دائمًا، وعلى امتلاكها ما يؤهلها للتجدد والتطور دائمًا أيضًا.
وينهي يسري عبدالغني ورقته بقوله: لئن كانت هذه السمات جميعًا، وسواها، هي ما جعل تلك الرواية الجنس الأدبي الأثير إلى جمهور القراء، على الرغم من حمى الإقصاء الذي مارسته، ولا تزال، وسائل الاتصال الحديثة لمختلف أشكال الكتابة، فإنها هي أيضًا ما يؤشر إلى أن هذه الرواية نفسها هي فن المستقبل، فهل ما زال المجد لها؟ ‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.