شهدت مصر في بعض محافظاتها ظاهرة غريبة تنم عن إقتراب إنتشار الظلام بتلابيبه الدامسة على النور و البزوغ و الضياء المنير للوطن في عقول أبنائه المبتكرة لكل ما هو جديد كناية على إستمرارية الحياة و إستمرار بقاء الوطن بجريان نهره الفياض بسليقة الإبتكار و التجديد و التي نراها مهددة بالتوقف و التصلب من خلال خفافيش الظلام و دعاة أبواب جهنم ماركة التخلف و التأخر المسجلة في أضابير الجهل و الجمود. في عام 2012 قامت بعض الجماعات السلفية بإحراق تمثال رائد من رواد السينما المصرية المخرج الكبير (محمد كريم) بمدينة الفنون و لكن لم تركز الوسائل الإعلامية على هذا الحادث بإعتباره حدثًا فرديًا و مر عام كامل على هذا الحادث دون أن تتكرر الظاهرة بظلالها الثقيلة على الثقافة المصرية إلى أن جاء حادث تحطيم تمثال (أبو العلاء المعري) الملقب ب(فيلسوف الشعراء و شاعر الفلاسفة) ثم تلت بعدها حادثة تكسير رأس تمثال (طه حسين) عميد الأدب العربي بمسقط رأسه بمحافظة المنيا و إمتدت يد الظلام إلى تمثال سيدة الغناء العربي (أم كلثوم) بمسقط رأسها بالسنبلاوين بمحافظة الدقهلية بوضع نقاب على التمثال في مشهد مثير للضحك و البكاء في نفس الوقت لنرى أجراس الخطر تقارب على دقاتها و قرعها في المناخ المصري العام بأن الجمود قادم قادم لا محالة لو إستسلمنا لتلك الهزليات الساذجة التي ترتكب باسم الدين دلالة على أن الحق الإلهي المقدس يقبع في قلب الوطن. لابد من الإنتباه و أخذ الحذر بأن ثقافة التحطيم التي بدأت في التماثيل ما هي إلا بروفة لإجرائها على الأفكار الجديدة التي من المحتمل أن تكون محرمة شرعًا باسم الدين و الشريعة لإنتهاج أصحاب تلك الفتاوى لفقه البداوة كما قال إمام التنوير و الإصلاح المهدد بالتحطيم الأيديولوجي مستقبلاً (محمد عبده) ، المدخلات الناضحة أمامنا الآن ما هي إلا مقدمات لمخرجات ستنضح على سطح المجتمع المصري بتحطيم الأفكار و العقول و التي بدأت بشكل خفي من خلال كتاب (الأعلام في حكم الإسلام) و الذي سار على الحكم على أعلام الثقافة و التنوير بميزان الإسلام من خلال فقه البداوة و الذي أصدر أحكامًا بماسونية طه حسين و صهيونية العقاد و ليبرالية لطفي السيد و إباحية إحسان عبد القدوس و وضع كل من لا يسير على هوى هؤلاء الفقهاء في كيان الأسلحة الموجهة للإسلام لخدمة مصالح الصهيونية و الماسونية. لكي لا يتفشى سرطان الظلام في الفكر المصري فلابد من المثقفين و التنويريين و المفكريين الحقيقيين كيوسف القعيد و جمال الغيطاني و حسام عقل و غيرهم من حملة الأمانة الفكرية و الثقافية أن يتصدوا لهؤلاء الظلاميون الناشرون لخيوط العنكبوت المقيدة لتلابيب الإبداع و الفكر في أن يطلق جماحه بكل ما هو جديد و مفيد لأن لو لم يتحرك المفكرون الحقيقيون لمواجهة دعاة الظلام سنجد تحطيم التماثيل يمتد لحرق كتب المفكرين و التنويريين الذين لولاهم ما كنا في نعمة الفكر و البحث و متعة القراءة و الإستفادة بما يدور حولنا من مستجدات. لكي نرد على هؤلاء الرويبضة نستشهد بمقولة عميد الأدب العربي د/طه حسين حينما دشن سلسلة (اقرأ) و التي إقتبسها من سورة (العلق) كأول سورة أنزلت على رسولنا الكريم بكلمة (اقرأ) و هي تحمل الكثير و الكثير من المعاني: لقد إخترت اسم (اقرأ) لتلك السلسلة كدعوة للجميع بأن يسيروا على أمر الوحي بأن نقرأ لأن أمتنا بنيت على القراءة و المعرفة و التفكير و التدبر و التمعن و التأمل و التخيل لكي نبتكر الجديد و هي سمة ديننا الحنيف الذي يحمل في لوائه سمة عظيمة و هي المعرفة من الإيمان. نعم المعرفة من الإيمان و نحن أمة (اقرأ) التي لا تقرأ بسبب من ضللنا عن جوهر ديننا الحنيف بالتركيز على الملبس و الظاهر فقط دون تجويد الجوهر و المضمون الإنساني عنوان ديننا دين المضمون الحسن و هنا أناشد كل غيور على دينه و ثقافة أمته ألا ينجرف وراء تلك الخزعبلات التي هي في الأصل بداية النهاية للأمة بأكملها.