يحتفل اليوم محبو الرئيس الخامس و الثلاثون لأمريكا جون فيتزجرالد كيندي (جون إف . كيندي) بمرور تسعة و أربعون عامًا على مقتله بمدينة دالاس على يد (لي هارفي أوزوالد) أثناء مرور موكبه هناك يوم 22/11/1963 و سوف يقوم محبوه اليوم بالوقوف لحظات حدادًا عليه مع الإنتظار بمقدم هذا اليوم في العام القادم ليكتمل اليوبيل الذهبي لذكرى إغتياله حيث تعد مدينة دالاس بولاية تكساس العدة للإحتفال بتلك المناسبة. جون فيتزجرالد كيندي هو أصغر من تولى رئاسة أمريكا حتى الآن حيث تولى المسئولية و هو يناهز من العمر ثلاثة و أربعين عامًا حيث كان عضوًا بمجلس النواب ثم الشيوخ ممثلاً ولاية (ماساشوستس) من عام 1947 حتى عام 1960 إلى أن رشح نفسه لرئاسة أمريكا عن الحزب الديمقراطي أمام المرشح الجمهوري و نائب الرئيس دوايت أيزنهاور (ريتشارد نيكسون) حيث أحرز نصرًا عليه في الوصول للمكتب البيضاوي بفارق ضئيل عن طريق أول مناظرة تليفزيونية لانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1960 و التي حسمت المنافسة لصالحه ليكون أصغر من تولى البيت الأبيض إلى الآن. ولد جون كيندي يوم 29 مايو 1917 بمدينة بروكلين بولاية ماساشوستس لأسرة ذات جذور أيرلندية تتدين بالمسيحية الرومانية الكاثوليكية حيث يعد الرئيس الوحيد الذي تولى أمريكا من الطائفة الرومانية الكاثوليكية حتى الآن لأن كل من تولى رئاسة أمريكا من طائفة البروتستانت و كان له مشاركة بارزة في الحرب العالمية الثانية بالقوات البحرية الأمريكية و نجح في الحصول على عضوية مجلس النواب عام 1947 ثم عضوية مجلس الشيوخ بالكونجرس الأمريكي عن ولاية ماساشوستس تحت لواء الحزب الديمقراطي الذي برز فيه كسياسي و نائب لامع مما أهله لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1960 ليصل إلى البيت الأبيض و يقسم أمام الشعب الأمريكي في حفل التنصيب يوم 20 يناير 1961 ليبدأ كيندي في رسم ملامح جديدة لأمريكا و الذي أتضح من خلال مقولة شارل ديجول حينما زار أمريكا و تقابل مع كيندي(إن هذا الشاب يحمل في جعبته طموحات عديدة ستساهم في تأسيس أمريكا جديدة) و هذا ما وضح في سياساته المختلفة. في 14 أكتوبر من عام 1962 قامت طائرات (يو 2) للتجسس التابعة للسي أي أيه (المخابرات المركزية الأمريكية) بإلتقاط صور لصواريخ تم تركيبها في كوبا من خلال الاتحاد السوفيتي و هنا بدأت أجراس الخطر تهب للقرع معلنة عن إقتراب قدوم حربًا عالمية ثالثة تحمل عنوانًا نوويًا صريحًا حيث كادت تقوم بين طرفيها أمريكا و الاتحاد السوفيتي لولا حكمة رئيسها الصغير في إحتواء الأزمة بحكمة الكبار و دهاء السياسيين فقد جاء يوم 16 أكتوبر حاملاً أجراس إنذار لأمريكا حيث كانت الصواريخ الكوبية موجهة للولايات المتحدةالأمريكية مما أدى إلى أن أتخذ كيندي حلاً وسطًا يجمع بين عدم السكوت على الخطر الكوبي الموجه لبلاده و عدم التعجل في إتخاذ قرار حرب مع القوة السوفيتية مما يعجل بنهاية القوة الأمريكية فقام كيندي يوم 22 أكتوبر بإرسال القوات البحرية الأمريكيةلكوبا يعلنها على الهواء مباشرةً لإيقاف كوبا بإكمال بناء الصواريخ مما وضع الجانب السوفيتي الممثل في زعيمها (نيكيتا خرتشوف) بأن يرضخ للتفاوض الذي دعى له كيندي و فرض فيه رأيه برفع الصواريخ السوفيتية عن كوبا مقابل ألا يقوم بغزو كوبا. بعد هذا الإنجاز الذي أنجزه كيندي أكد هنا رأي ديجول فيه مما ساهم في إرتفاع شعبية كيندي لدى مواطنيه من 66% إلى 77%. بعد نجاح (يوري جاجارين) رائد الفضاء الروسي في رحلته الفضائية و دورانه حول مركز الأرض عام 1961 حيث سجل بها الأسبقية السوفيتية في الثورة الفضائية مما ألهب الحماس في تفاصيل الحرب الباردة بين القطبين الكبيرين بإقدام جون كيندي بإلقاء خطبة عصماء في وكالة ناسا قائلاً (لقد أخترنا أن نصعد للقمر) و قال في خطبة أخرى (يجب وضع الإنسان على القمر و إعادته بسلامة إلى الأرض) و مما زود إصرار كيندي على تلك الخطوة مقابلته بجيمس ويب رئيس وكالة ناسا الذي أكد له على نجاح مشروع (أبولو 11) للصعود إلى القمر و الذي وصل تكاليفه إلى 40 مليون دولار أمريكي و الذي دعم موقفه بأن يدعو بقوة الاتحاد السوفيتي في سبتمبر من عام 1963 إلى مشروع مشترك يحمل التوقيع الأمريكي و السوفيتي في الوصول للقمر لكن الاتحاد السوفيتي رفض هذا المشروع و ظلت المحاولات للوصول للقمر حيث تمت أول محاولة للوصول لسطح القمر و التي كُللت بالنجاح عام 1969 عن طريق فريق (أبولو 11) بقيادة رائد الفضاء الأمريكي (نيل أرمسترونج).
قام كيندي أيضًا عام 1963 بإلقاء خطاب عنوانه (حركة الحقوق المدنية الأمريكية) التي يدعو فيها لنبذ العنصرية و التي جعلت الأفروأمريكان يشبهونه بالرئيس الأمريكي السادس عشر (إبراهام لينكولن) الذي ألغى تجارة الرقيق و نبذ العنصرية و كان مصيره الإغتيال عام 1865. قام كيندي عام 1961 بالتحديد يوم 13 أغسطس ببناء جدار برلين الذي يفصل بين ألمانياالشرقية و الغربية و الذي يعتبر بمثابة إنذارًا للقوة الشرقية بأن أمريكا لها الكلمة العليا في تحديد مصائر العالم و هذا ما أكده كيندي في يونيه من عام 1963 بخطابه الشهير الذي ألقاه ببرلين (أنا فخور بأني برلينيًا) و هي دعوةً سابقةً لعصرها لمفهوم (العولمة) و أن برلين هي المقر المركزي للعولمة و بالفعل تأكد هذا عام 1989 بتحطيم سور برلين. في زيارة لمدينة دالاس بولاية تكساس يوم 22 نوفمبر 1963 حيث كان يمكث بالسيارة المكشوفة هو و زوجته (جاكلين) و كان يحيي الجمهور إذ برصاصات تقتل الرئيس كيندي و أصيب معه حاكم ولاية تكساس (جون كونالي) وسط دهشة الجمهور حيث قام التليفزيون الأمريكي بقطع إرساله معلنًا عن مقتل كيندي و الذي أذاع الخبر الإعلامي الكبير (ولتر كونكيت) و يعد الرئيس كيندي الرئيس الرابع الذي مات مقتولاً في تاريخ الرئاسة الأمريكية بعد (إبراهام لينكولن 1865 – جيمس جارفيلد 1881 – وليم ماكنيلي 1901) و الذي قام بقتله (لي هارفيلد أوزوالد) و هو ماركسي و أحد أفراد مشاة البحرية الأمريكية و عاش لفترة قصيرة بالاتحاد السوفيتي و زوجته روسية و قام أزوالد بقتل كيندي من أحد المباني الشاهقة بدالاس و تم القبض عليه بعد أن أطلق الرصاص على (جي دي تيبيت) ضابط الشرطة الذي أستوقفه لاستجوابه بسبب الاشتباه فيه بعد 45 دقيقة من عملية الإغتيال و بعد يومين من القبض عليه قام (جاك روبي) و هو يهودي يمتلك ملهى ليلي بقتل (أزوالد) ، ليترك لنا إستفهامات عديدة عن أسباب مقتل كيندي. هنا جاءت بعض الإستنتاجات عن أسباب مقتل كيندي و التي تعددت ما بين تصرف أزوالد الفردي و هناك من قال بأن لوكالة الإستخبارات الأمريكية دور في قتله و أراء تقول بأن (الكي جي بي) جهاز الإستخبارات السوفيتية لها يد في مقتله إلى جانب أراء تتجه نحو المؤامرة الإسرائيلية لقتله لأنه أصر على تفتيش (مفاعل ديمونة) الإسرائيلي و التأكد ما إذا كان يحتوي على قنابل ذرية أم لا؟! هنا بعد إقتراب خمسون عامًا من مقتل كيندي تتأكد شعبية هذا الرجل الذي أختار القمر عنوانًا للمجد الأمريكي الذي لازال بين الألسنة التي تتبادل الإعجاب بصعود أمريكا على سطح القمر بعد ست سنوات من وفاته و ما أكد شعبية كيندي بأن أجراس الكنائس دُقت من أجل الصلاة له كناية على شعبيته المستمرة في الإزدياد حتى الآن و القائمة الأخيرة التي وضعته في المركز السادس من بين أفضل عشرة رؤساء بأمريكا.