تتوه منى الكلمات هنا وهناك حين أبحث عما أرثى به أستاذى الجليل فلا أجد ما أقوله فى أحد أفضل أساتذتى رفيق الصبان الذى لم يكن مجرد شخص يمتهن التدريس بأكاديمية الفنون أوغيرها من منطلق " السبوبة او الاسترزاق " وإنما كان أستاذاً أكاديمياً وناقداً ومؤلفاً وعاشقاً لفن السينما إضافة لكونه صديقاً يستمع من منطلق الأبوة التى تربطه بتلاميذه فلم يكن يوماً يدرس لطلابه بمبدأ ملئ الأذهان لمجرد الإستعداد للإختبار بل كان يلقن لطلابه وأنا منهم كيفية تحليل النصوص والأعمال الدرامية وكأنه يستعير من المهنة التى تمناها أبواه له وهى الطب الجزء الخاص بالتشريح فما من أستاذ لفن الدراما قابلته أو تعلمت على يديه أثناء دراستى لفنون المسرح والسينما كما رفيق الصبان الذى علمنا كيف لنا أن نقرأ مابين السطور وماورائها لنكتشف أننا أمام عالم موازى للخط الدرامى الأساسى بالقصة . أضف إلى ذلك حسه الرومانسى العالى فى تحليل العمل الفنى فدائماً مايرجع الصبان كل مايحدث بالعمل إلى علاقات إنسانية لابد وأن تكون ودودة وحميمية وأفترض انه أكتسب هذه الحاسة كما ذكر لى ذات مرة من صلة القرابة التى تجمعه بالشاعرالأكثر رومانسية نزار قبانى فقد أكد لى أنه كان يجلس معه كثيراً ويتحدثان عن أمور كثيرة أهمها أننا لابد أن نحيا بكل الحب ولابد أن نفترض فيمن نتعامل معه الخير والحب وقد لمست ذلك بنفسى حيث أذكر بأحدى دورات مهرجان القاهرة السينمائى حيث كان عرض أحد الأفلام المصرية المشاركة وهو من بطولة إحدى نجمات الصف الأول بفترتى الثمانينات والتسعينات فقد وجدنى رحمه الله فى حالة استياء شديدة مع انتهاءالعرض وإمتعاض لماشاهدته وكنت أنتوى أن أكتب مقالاً قاسياً فى هذا الفيلم فوجدته برومانسيته وحنوه المعتادان يقول لى " إننا لايجب أن نذبح هذه النجمة بأواخر مشوارها الفنى بسبب فيلم فاشل بل علينا أن نتذكر أنها أسعدت الملايين حين كانت تستطيع بمئات من الأعمال الفنية ".... هكذا عرفت الراقى رفيق الصبان فهو أعترف بفشل الفيلم وكتب مقالاً فيمابعد بذلك المعنى لكن لم يهن هذه النجمة أو تاريخها الفنى بل كان حريص آلا يحرجها ، كذلك أذكر أننا كنا نتحدث ذات مرة عن أحد افلامه المأخوذة عن رواية عالمية ذكر لى حينها انه إختلف مع المخرج على نهاية الفيلم لأن مؤلف القصة الأصليه أنهى الأحداث بطريقة تتماشى مع أحداث القصة لكن ذلك المخرج قام بتغيير هذه النهاية لتتوافق مع الجمهور المصرى وذكرلى وقتها أن الصدفة قادت الفيلم للعرض بأحدى المهرجانات الدولية حيث شاهده المؤلف الذى أعترض كثيراً وكاد أن يتشاجر مع المخرج وأصر على تغيير هذه النهاية لأنها تهدم الفكرة الرئيسية فما كان من الصبان الإ أن يدافع عن موقف المخرج ويقنع المؤلف بأن طبيعة الجمهور العربى لاتتقبل النهاية التى كتبها مع وعده بعدم تقديم أعمال له مع هذا المخرج مرة أخرى . وعلى الرغم من أن الصبان لم يكن مصرى الجنسية إلا أنه كان عاشقاً لتراب هذا البلد الذى يرى أنه صنعه وجعل منه ناقداً وفناناً كبيراً بارزاً فلم أذكر يوماً أننى سمعته يقول أنه ليس مصرياً بل كانت لهجته الحائرة بين المصرية والشامية هى التى تكشفه وحين سألته فى بداية معرفتى به عن جنسيته بالتحديد أجاب " أنا مصرى مولود بسوريا " ذلك هو الفنان الذى أثرى تاريخ السينما المصرية بمئات من السيناريوهات والأعمال الفنية دون النظر للحدود الجغرافية فتاريخ رفيق الصبان حافل بأفلام تعد علامات بارزة فى تاريخ السينما ومنها فيلم "حبيبى دائما" للنجم نور الشريف، "والذى قدم له أيضا فيلم "ليلة ساخنة" وفيلم " الرغبة " بطولة نادية الجندى كما قدم مع المخرجة إيناس الدغيدى فيلمه "الباحثات عن الحرية"، ورحل رفيق الصبان قبل أن يرى النور آخر مشاريعه السينمائية حيث كان أنتهى من كتابة سيناريو فيلم "الصمت" والذى كانت ستخرجه الدغيدى أيضاً .