الاتصالات المكثفة التي أجراها وزير الخارجية محمد كامل عمرو مع نظرائه بدول العالم وتوجيه الخارجية لكل بعثاتها الدبلوماسية توضح رفض ما تردده السلطات في الدول التي تعمل بها من عبارة "الانقلاب العسكري" لتوصيف ما حدث في مصر مؤخرا من نزول الجيش على رغبة الشعب بعزل الرئيس السابق محمد مرسي كمقدمة لانتخابات رئاسية مبكرة تمثل خطوة قوية على الطريق الصحيح. ففي تركيا لم تتوقف حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان عن وصف ما وقع في مصر ب "الانقلاب العسكري" بالإضافة إلى أن وسائل الإعلام التركية، وخاصة إسلامية التوجهات منها، لا تنشر أي خبر عن مصر في الوقت الراهن دون أن تقرنه بنفس العبارة. وأمس الجمعة فقط كانت هناك ثلاث تظاهرات امام السفارة المصرية بأنقرة احتجاجا على ما اسموه ب "الانقلاب" ورددوا هتافات ورفعوا لافتات تطالب مرسي ب "الصمود والمقاومة" ووزير الدفاع المصري الفريق اول عبد الفتاح السيسي ب "الرحيل". ويبدو أن ما حدث في مصر يلقي بعض الملح في الجراح التركية حيث مرت تركيا على مدار تاريخها المعاصر بعدة انقلابات عسكرية دبرها الجيش التركي على الحكومات المنتخبة – وخاصة الاسلامية – وابرزها انقلاب الجنرال جمال جورسل عام 1960 على حكومة رئيس الوزراء عدنان مندريس ذات التوجهات الاسلامية وتم اعدامه بعد اتهامه بمحاولة الخروج على المبادئ العلمانية للجمهورية التركية وكذا انقلاب عام 1971 ثم انقلاب عام 1980 بقيادة الجنرال كنعان افرين. ولكن هل التعاطف مع احزاب بعينها فقط لكونها اسلامية يمنع تركيا من ان تنظر الى الامور بمنظور اخر او على الاقل تتفهم وجهة نظر الشعب المصري الذي نزل الى الشوارع في اكبر حشد بشري في تاريخ الانسانية كما ذكرت محطة سي.إن.إن. الامريكية. إن المقارنة لن تكون عادلة بين الاحزاب الاسلامية التركية ونظيرتها في مصر فالاولى تعمل بما تمليه عليها اتجاهاتها لخدمة الشعب التركي والعمل للامة التركية وتقدمها وقد حقق حزب العدالة والتنمية بالفعل تقدما في مجالات عدة واهمها الاقتصاد ورفاهية المواطن التركي وهو الامر الذي فشلت فيه الاحزاب الكمالية والقومية وهذا واقع لا يجب ان يماري فيه احد. أما الإخوان المسلمون في مصر فقد فشلوا فشلا ذريعا خلال العام الذي تولوا فيه مسئولية البلاد بعد ثورة 25 يناير 2011 حيث ساهم المواطنون المصريون العاديون ممن لا ينتمون الى تنظيمات اسلامية الى حد كبير في انجاح محمد مرسي ووضعه على كرسي الحكم بعد الكثير من التعهدات التي فشل في ان يفي بها جميعا بل واحتفت به جموع الشعب المصري في ميدان التحرير وايدوا جميع خطواته التي اتخذها في البداية وابرزها عزل وزير الدفاع السابق المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس اركانه الفريق سامي عنان. وفي الأشهر الأخيرة زادت معاناة المواطنين المصريين بصورة كبيرة للحصول على الحد الادنى من الخدمات الاساسية مثل الكهرباء والمياه والبنزين والسولار علاوة على الفشل في تحقيق توافق سياسي مع باقي الاحزاب في البلاد بما يخفف من حالة الاستقطاب التي وصلت اليها مصر تحت حكم الاخوان المسلمين الذين اقصوا كل القوى السياسية والثورية واستأثروا بالحكم بالاضافة الى عدم الجدية في التعامل مع مشكلة الانفاق على الحدود بين سيناء وقطاع غزة والتي تشكل تهديدا للامن القومي المصري وايضا الفشل في الكشف عن قتلة 16 جنديا مصريا على الحدود بسيناء. المسافة شاسعة بين الإسلاميين في تركيا والاسلاميين في مصر وعلى المسئولين في تركيا ان يضعوا هذه الحسابات في اعتبارهم قبل انتقاد ما قام به الشعب المصري من ثورة ثانية في 30 يونيو ووصفه خطئا ب "الانقلاب". إن أهم شروط الانقلاب العسكري ان يقوم الجيش بالاستيلاء على السلطة واذاعة ما يعرف بالبيان رقم واحد عبر وسائل الاعلام الرسمية وهو ما لم يحدث في الحالة المصرية.. بل اكد الجيش قولا” انه لا يطمع في سلطة وان تحركه جاء بناء على رغبة الشعب في احداث التغيير المنشود للوطن ..ثم عاد ليؤكده مرة اخرى فعلا عندما ادى رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور اليمين الدستورية كرئيس مؤقت للبلاد حتى اجراء انتخابات رئاسية مبكرة وهو مطلب الشعب الرئيسي. وقد أدركت الولاياتالمتحدةالامريكية واوروبا ان ما يحدث في مصر ليس انقلابا عسكريا حيث ذكرت لجنة الشئون الخارجية بالكونجرس الامريكي امس الجمعة” ان ما تجاهل الاخوان المسلمون فهمه هو.. ان الديمقراطية تعنى اكثر من مجرد اجراء انتخابات، فالديمقراطية الحقيقية تتطلب حلولا وسطى ترضى الجميع واحترام حقوق الانسان والاقليات وان يكون هناك التزام بسيادة القانون”، واضافت ان "مرسى وعشيرته المقربة لم تلتزم بهذه الاساسيات وفضلوا عوضاً عنها زيادة نفوذهم والحكم بالفرمانات وكنتيجة لهذا عانى الشعب المصرى واقتصاده بشدة". ويبدو من البيان الأمريكي أن واشنطن قد سلمت بالواقع الموجود على الأرض الآن؛ حيث قالت "إن على الجيش المصري أن يثبت أن الحكومة الانتقالية الجديدة ستشكل بطريقة شفافة تعمل على عودة البلاد إلى الحكم الديمقراطي".. مضيفا "يشجعنا أن قطاعا عريضا من المصريين سوف يتجمع لإعادة كتابة الدستور.. ونشجع الجيش في توخي أقصى درجات الحذر في التحرك إلى الأمام ودعم المؤسسات الديمقراطية السليمة". ومن جانبه، أكد الاتحاد الأوروبي على لسان وزيرة خارجيته كاثرين آشتون أن التغييرات التى مرت بالشارع المصرى وعزل الرئيس محمد مرسى "لا يعد انقلابا عسكرياً كما يردد البعض"، مؤكدة أن الجيش المصرى حقق مطالب جموع الشعب وضمن تحقيق الديمقراطية والشرعية الحقيقية المستمدة من طوائف الشعب المصرى المختلفة".