أكدت رانيا المشاط ، وكيل محافظ البنك المركزي ، لقطاع السياسة النقدية ، أن حالة عدم التيقن التي تحيط بالأوضاع السياسية والتي سادت البلاد خلال الفترة ما بين يناير 2011 ويونيو 2012 تعد العائق الأكبر أمام المستثمرين والعامل الرئيسي لتراجع حجم الاستثمارات وليس الأسباب اقتصادية . وأوضحت ، وكيل محافظ البنك المركزي في حوار خاص ل "أموال الغد" ، أن عملية التحول السياسي تمثل بداية حقيقية لعودة الثقة لدي المستثمرين ومن ثم عودة الاستثمارات ، ومع اجتياز هذه المرحلة يعتبر اعتماد وتنفيذ برنامج اقتصادي وطني يهدف إلى استقرار الاقتصاد الكلى من خلال رسم سياسات مالية وهيكلية فى الأجلين القصير والمتوسط أمر حتمي من شأنه دعم آفاق الاقتصاد المصري بما يوفر فرص عمل بشكل مستدام سواء اقترضت مصر من الخارج أم لا وأكدت المشاط ان الاقتراض من صندوق النقد الدولي يعزز الثقة الدولية فى قدرة الاقتصاد المصري على التعافي لتميز صندوق النقد الدولي بالمصداقية لدى المؤسسات الاقتصادية العالمية ، فضلاً عن التجارب السابقة للدول التي اعتمدت على تمويل الصندوق والذي مثل نقطة انطلاق مهمة فى تاريخها الاقتصادي موضحة أن تنويع مصادر التمويل على المستويين المحلى والدولى أمر جيد . وأشارت الى كل من تركيا والبرازيل كنماذج لاقتصاديات كبيرة لجأت إلى تمويل صندوق النقد الدولي فى فترات سابقة ، موضحة أن الوصول لاتفاق تمويل مع صندوق النقد الدولي يدعم الثقة في البرنامج الاقتصادي الوطني ، وتترجم هذه الثقة إلي تراجع في تكاليف التمويل سواء كانت محلية أم خارجية ، بالإضافة الى أن ذلك يساهم في مراجعة مؤسسات التصنيف الائتماني لمصر بما يخفف منالضغوط عن مصادر التمويل مستقبلاً. وأضافت أن العروض الاستثمارية التي تقدمت بها كيانات مالية ضخمة إضافة إلى بعض الدول لزيادة استثماراتها في مصر خلال الآونة الأخيرة تمثل عاملا قويا على عودة الثقة لدى المستثمرين وتدفعهم لضخ استثمارات جديدة ،موضحة أن المستثمر يمتلك رؤية استباقية لوضع السوق المصرية ويعلم جيدا أن الاقتصاد المصري سيتعافى سريعا لامتلاكه الأدوات التي تمكنه من ذلك خاصة أن الحكومة تتبنى سياسات إصلاح اقتصادية تسهم في التعافي سريعا . وأكدت المشاط أن خلق وتوفير فرص عمل للشباب خلال الفترة المقبلة هو التحدي الأكبر أمام الحكومة والذي يتطلب تشجيع الاستثمارات بكافة أنواعها الخاصة والحكومية والأجنبية إلي جانب تهيئة المناخ الجيد لها من التشريعات وتذليل العقبات والمعوقات التي تواجه المستثمرين لضخ استثمارات جديدة توفر فرص عمل داخل السوق . وأوضحت أن تنوع الاقتصاد المصري حال دون تأثره بشكل كبير خلال الفترة التي أعقبت الثورة وحتى الآن خاصة وأنه لا يعتمد على قطاع بعينة بل يتنوع ما بين القطاعات الزراعية والصناعية والتشييد والبناء والبترول والسياحة وهذه القطاعات المختلفة تمثل الأدوات التي ينبغي الاعتماد عليها في تحقيق تنمية حقيقية للاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة ،موضحة أنه منذ يناير 2011 والنمو يسجل معدلات أقل من طاقته مما يشير إلى إمكانية كبيرة لرفع الناتج المحلي الإجمالي لتمتع جميع القطاعات الاقتصادية بالقدرة علي النمو دون إحداث تضخم مما يعني زيادة معدلات النمو حتى يصل إلى الحد الأقصى غير التضخمي potential output . أشارت إلى أن التضخم يمكن أن ينتج عن أسباب متعلقة بعوامل العرض والطلب ، فمع انخفاض معدلات نمو الناتج المحلى لم تكن ارتفاعات الأسعار المختلفة بسبب زيادة الطلب ولكن تعرضت سلع مختلفة لاختناقات فى التوزيع فى الأسواق المحلية أو صدمات عرض آدت بموجبها إلى ارتفاع معدلات التضخم فى بعض الشهور ، فعلى سبيل المثال مشاكل توزيع أسطوانات البوتاجاز وأزمة الحمى القلاعية حدّت من انخفاض معدلات التضخم التي تراجعت بشكل ملحوظ فى الآونة الأخيرة مع تراجع معدلات نمو الناتج المحلى على الرغم من التعافي النسبي الذي شهده ،ولكنه ظل أقل من معدل النمو الأقصى غير التضخمي ولذلك كان من الممكن أن يتراجع التضخم بمعدلات أكبر لو لا صدمات العرض ومشاكل التوزيع المتكررة. وأوضحت ، وكيل محافظ البنك المركزي ، أن معركة التضخم لا تخص البنك المركزي وحده وإنما هي مسئولية المنظومة الاقتصادية متكاملة متمثلة في السياسة النقدية والمالية فضلاً عن السياسة التجارية. وأكدت أن المردود الإيجابي لسياسة استهداف التضخم سينعكس بالسيطرة على التوقعات الخاصة بالقطاع الخاص والعائلي ، مما يدعم اتخاذ القرار ويزيد من الاستثمارات التي تساهم في تحقيق معدلات نمو ، موضحة أن استهداف معدلات التضخم ساهم في تقليل الفجوة بين الدول الناشئة المُفعلة له والدول المتقدمة التي تتبع تلك السياسة. وقالت إن لجنة السياسات النقدية تحاول دائمة الوقوف على أهم المتغيرات المؤثرة على التضخم ومراعاتها عند إدارة السياسة النقدية ، مشيرة الي إن متوسط التضخم خلال الفترة من 2008 وحتي 2011 سجل 12.5% بينما سجل لدى الشركاء 2% ، موضحة أن البنك المركزي يشكل لجنة متخصصة تضم ممثلين عن وزارات المالية ، الزراعة ، التجارة والصناعة ، التموين والتجارة الداخلية ، للعمل على استهداف التضخم. وأكدت أن البنك المركزي يعمل على إحداث توازن وفقاً للمتغيرات الاقتصادية المختلفة التي قد تطرأ ، وبالتالي يتم التركيز على التوازن بين المخاطر المحيطة بالتضخم والمخاطر المحيطة بنمو الناتج المحلي،و يعد البنك المركزي رمانة الميزان التي تعمل على تحقيق هذا التوازن. وأوضحت أن البنك المركزي دائماً ما يستهدف الخروج بأدوات تتناسب مع الأوضاع الراهنة لبث الثقة بسوق النقد سواء للمتعامل المحلي أو الأجنبي من خلال الحفاظ على سوق منتظم وفعال ليحافظ المركزي على الثقة التي أوجدها لدى المتعاملين منذ خطة الإصلاح المصرفي التي بدأها منذ عام 2004 ومن بين هذه الآليات تفعيل اتفاقات "الريبو" إعادة الشراء لمدة 7 أيام خلال مارس 2011 ، إلى جانب تفعيل "الريبو" لمدة 28 يوما خلال يوليو الماضي. وأرجعت المشاط قرار البنك المركزي بتخفيض الاحتياطي الالزامي إلى 10% بدلا من 14% لتوفير سيولة دائمة ودعم الأوضاع الائتمانية ، موضحة أن الاحتياطي الإلزامي لم يتغير منذ 13 عاما وتعد الفترة الحالية جيدة لاتخاذ مثل هذا القرار بما يتناسب مع المتغيرات التي تطرأ علي الاقتصاد المحلي والعالمي .