عاد الجدل مرة أخرى حول إشكالية "الإنتخابات أولا؟ أم الدستور؟"، وهو الجدل الذي استمر لفترات طويلة قبيل الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، والذي تم حسمه في استفتاء 19 مارس الشهير، بأن تجرى الإنتخابات البرلمانية أولا، ومن ثم الشروع في تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة دستور جديد.. والآن، فتحت تصريحات المجلس العسكري، الذي يدير شئون مصر خلال الفترة الإنتقالية الحالية، باب الجدل مرة أخرى، خاصة أنها ألمحت لرغبة الجيش في أن يتم وضع الدستور، ومن ثم إجراء الإنتخابات الرئاسية بعد ذلك، بما اعتبره البعض محاولة من المجلس العسكري للسطو على السلطة في مصر، وتأجيل الإنتخابات الرئاسية، كي يضمن وضعًا مميزًا خلال الفترة المقبلة بالساحة السياسية. رفضت كافة القوى السياسية تلميحات المجلس العسكري لتأجيل الانتخابات الرئاسية، وهي التصريحات التي تم تسريبها من داخل اجتماع العسكري مع القوى السياسية منذ أيام قليلة، مؤكدين على أن إلماح المجلس بتأجيل الانتخابات وصياغة الدستور أولا يعتبر "عودة للمربع صفر مرة أخرى". برر العسكري طلبه بصياغة الدستور أولا، بأن الرئيس الجديد سوف يكون غير مُحدد الصلاحيات في حالة ما إن تم انتخابه قبل الانتهاء من وضع دستور جديد لمصر، خاصة أن نظام الحكم لن يكون واضحًا، كما أن صلاحيات الرئيس لن تكون قد تحددت بعد، بما يعني أن إجراء الانتخابات أولا يعد مخالفة دستورية، لا تأتي في الصالح العام، ولذا اقترح البعض أن يتم تشكيل مجلس رئاسي مدني يدير مصر خلال المرحلة الحالية، على أن يعود الجيش لثكناته في يونيو المقبل، وفقًا للجدول الزمني المحدد، على أن يتم خلال فترة حكم المجلس الرئاسي صياغة الدستور، وبعدها اجراء الإنتخابات الرئاسية، كما اقترح البعض أيضًا أن يتم صياغة الدستور خلال "شهر واحد فقط" وطرحه للاستفتاء العام، ومن ثم إجراء الانتخابات في موعدها المُقرر، وهي المقترحات التي تم رفضها من قبل القوى السياسية، معتبرين أنها تحايلًا لضمان إرجاء الجدول الزمني، بما يخدم مصالح المجلس العسكري. رفض كافة مرشحي الرئاسة في مصر الحديث حول إرجاء إجراء الإنتخابات الرئاسية، حيث اعتبرها د.عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية السابق، مقترحات تؤدي لإحداث تأثيرات سلبية وخيمة على الشارع المصري، الذي لا مفر له سوى الاستقرار السياسي الآن، مؤكدًا أن أي تأجيل للجدول الزمني الذي طرحه المجلس الاعلى للقوات المسلحة، وتم الاتفاق عليه مؤخرًا، يضر بالاقتصاد القومي بصورة قوية. كما رفض خالد علي، المرشح الرئاسي، قرار المجلس العسكرى بوضع الدستور قبل انتخابات الرئاسة ويرى أن ما يحدث الان من محاولات من المجلس هو نوع من الالتفاف علي الشعب المصرى وثورته العظيمة، قائلا " " أنا لا أرى أية أسباب منطقية وراء كل هذه العجلة التى قد تؤدى لوضع دستور لن يصلح لشعب ضحى بخيرة شبابه من أجل إنجاح الثورة أملا فى الحياة بحرية وكرامة وعدالة إجتماعية. والشعب لن يثق فى خروج الدستور من تحت أيدى المجلس العسكرى، فخروج الدستور الآن تحت الحكم العسكري هو تلاعب صريح بمستقبل البلاد. إن تمسك المجلس بوضع الدستور قبل تسليم السلطة يؤكد شكوكنا حول رغبة المجلس في وضع مواد تحصنه ولا تعرضه للمسائلة والحساب وكذلك اعطاء امتيازات خاصه له للحد من سلطات وصلاحيات الرئيس القادم". ياتي ذلك في الوقت الذي تأججت فيه مظاهر الغضب في الشارع الثوري، ليتم الدعوة لتغيير مطالب مليونية "حماية الثورة" الجديد، 20 إبريل الجاري، كي تتناول التشهير بسوء إدارة المجلس العسكري للمرحلة الإنتقالية، وتعلن رفض تأجيل أو تغيير الجدول الزمني الذي تم الاتفاق عليه، فضلا عن الدعوة لتعديل المادة 28 من الإعلان الدستور، والتي تحصن قرارات اللجنة العليا للإنتخابات الرئاسية، بما قد يسهل فكرة "تزويير الانتخابات".