بجرأة معهودة، توقع القس إكرام لمعي، المفكر القبطي الشهير، إمكانية قيام الكنيسة بالصدام مع الإخوان المسلمين، مؤكدًا أن "الشباب" سوف يرفضون هذا الصدام، خاصة أنهم عقب الثورة تعلموا أن يكونوا "مصريين" في المقام الأول، ومسيحيين بعد ذلك.. مؤكدًا في حواره مع "أموال الغد" أن هناك إتفاق على مدنية الدولة في مصر، وأن أي محاولة من قبل المسلمين أو حتى الكنيسة لعمل دولة دينية، فإنها ستفاجئ بفشل ذريع، خاصة أن الميدان سيقف ضد تلك الدولة بقوة. تحدث لمعي عن فكرة "الديكتاتورية السياسية" مؤكدًا أن القمع الديني أخطر من القمع المدني، خاصة أن الخارج عن الدولة المدنية يطلق عليه لقب "معارض" أما الخارج عن نظام الدولة الدينية، فهو (كافر)، مشيرًا إلى أن المؤسسات الدينية قائمة على "القمع"، والسلطان الإلهي، والتراتبية، المعتمدة على نظام الهرم، فمرشد الإخوان يقبلوا يده، وكلامه نافذ على الجميع، والبابا شنودة أيضًا نفس الأمر.. وإجمالا فإن ما شهدته المؤسسات الدينية خلال الفترة الأخيرة "تاريخي"، وكان أبعد ما يكون عن خيالهم، فالشباب خرجوا عليهم ورفضوا أوامرهم. أكد لمعي أن الأقباط لا يسعون لوضع مميز لهم بالدستور الجديد، مؤكدًا في الوقت نفسه أن هناك جملة من القوانين التي يجب أن يقوم البرلمان الجديد بالنظر إليها، تخص الأقباط في مصر، مثل قانون بناء دور العبادة، وقانون الأحوال الشخصية. في البداية، كيف ترى المطالب الحالية بضرورة قيام المجلس العسكري بتسليم السلطة؟ رغم إنعقاد مجلس الشعب، الذي يؤدي بدوره للاستقرار السياسي، إلا أن شباب الثورة مصممين على استكمال مطالب 25 يناير.. وفي رأيي فإني لا أؤيد تسليم السلطة للبرلمان خلال الفترة الحالية، لأننا سوف نقع حتمًا في النتيجة التي نعاني منها الآن، وهي أن السلطة التنفيذية والتشريعية في يد المجلس العسكري، ومن هنا فإن نفس السلطة ستنتقل للبرلمان صاحب الأغلبية الاسلامية.. ولذا لابد من الإنتظار حسب الجدول الزمني المتفق عليه، والذي أعلنه المجلس العسكري، خاصة أن فترة بقاء المجلس وفقا لهذا الجدول لا تتعدى ال 4 أشهر فقط، وهي فترة قصيرة يجب الصبر حتى المروق من الوضع المتأزم الذي تعيشه مصر. هل تعني أن البرلمان غير مؤهل أو لا يمتلك الشرعية الآن؟ لا أعنى ذلك تمامًا، فلأول مرة يكون لدينا إنتخابات حرة، ومجلس صاحب توافق شعبي، إلا أن شرعية البرلمان ليست ناتجة فقط من أصوات الناخبينن، لكنها ناتجة من شرعية الميدان أيضًا، التي تعمل جنبًا إلى جنب وشرعية المجلس.. وبشكل عام فإني أرى أن البرلمان الجديد يعبر عن غالبية الشعب المصري، لأن غالبية الشعب المصري متدين، أو يقدر الدين، بتعبير أدق، على الرغم من كون الدين لا يظهر على تصرفاته الحياتية العادية.. لدينا 40% أمية و40% متعلمين لكن غير مثقفين، وجاء البرلمان كي يعبر تعبيرًا صادقًا عن هؤلاء. هل المحك الرئيسي الآن في المجتمع المصري هي قضية تنمية وعي الجماهير؟ نعم، فالمثقفين قوة لا يستهان بها، والشباب المثقف قوى لا يستهان بها أيضًا، وهم الذين أشعلوا الثورة بشكل عام، والديمقراطية تقوم وتستمر على أساس وعي الجماهير، لكن بمصر وعي الجماهير غائب أو "مُغيب"، بما أنتج هذا البرلمان.. وعي الجماهير غائب منذ السبعينات، وتحديدًا منذ أن احتضن الرئيس المؤمن أنور السادات في فترة من الفترات التيارات الإسلامية، ليسافر عدد من المدرسين للمملكة العربية السعودية، ويعودوا بالأفكار الوهابية التي دمروا بها أفكار الشباب.. ولذا لابد أن يحدث خلال السنوات الخمس المقبلة نوع من "التوعية"، ولابد أن يقوم الليبرالين والعمانيين بالإهتمام بالعلم، كي يستطيعوا المنافسة خلال المرحلة المقبلة، في ظل وجود مجتمع مثقف. كما أن شباب التحرير يقع على عاتقهم مسئولية كيبرة في هذا الصدد، ففي الوقت الذي ينادون فيه بضرورة وجود إصلاحات سياسية، لابد أن يهتفوا بضرورة إصلاح منظومتي الاعلام والتعليم، خاصة أن الاعلام يلعب دورًا مهمًا في تشكيل وعي الجماهير. هل تتوقع أن يتحول مكتب الارشاد لديكتاتور جديد؟ كنا نظن أن مكتب الإرشاد منفصل عن حزب الحرية والعدالة، لكن الحقيقة إن المكتب يسيطر على الحزب، وتصريحات محمد بديع، المرشد العام، تؤكد ذلك، بما يضر بمصلحة المجتمع، لأن هذا الأمر يعني أن مكتب الارشاد يحكم مصر، إلا أن الضمان هو "الميدان".. ولو حاول مكتب الارشاد تكرار تجربة "الخميني في إيران" أو ولاية الأئمة الذين ليس لديهم دور أو منصب سياسي، لكن لديهم كلمة على الساحة السياسية وقدرة على اتخاذ القرار، فإنه سوف يصطدم ب "الشباب" الذين يرفضون ذلك بقوة. وأين المجلس العسكري على الخريطة الآن، من وجهة نظرك؟ المجلس العسكري قدم تنازلات كان الشباب قد طلبوها منذ عام، لكنهم واصلوا ثورتهم واستمروا فيها، كنوع من "الطموح" ومواصلة مكتسبات الثورة.. وبشكل عام فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة استشعر ب "قوة" شباب التحرير، وأن أحداث ماسبيرو محمد محمود وغيرها أوضحت أن الشباب لا يهابوا الموت، ولديهم ما يقدموه أكثر مما قدموه، ولذا لجأ لاستخدام نبرة هادئة معهم. أنت تراهن على الشباب.. فما الدور المتوقع أن يلعبه "شباب الإخوان" بالتوازي مع شباب الميدان؟ أنا أراهن أيضًا على شباب الإخوان، فهناك مشكلات كثيرة بينهم وبين الكبار بمكتب الإرشاد، وهي المشاكل التي لا يلتفت إليها أحد الآن من القادة، وستمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لهم خلال الفترة المقبلة، بدأت ملامحها تظهر وتطفو على السطح بعد انشقاق عدد من هؤلاء الشباب عن اجلماعة وخروجهم على مكتب الإرشاد وآرائه وأوامره، ليشكلوا أحزاب مستقلة. وما الوضع بالنسبة لشباب الكنيسة؟ شباب الكنيسة أيضًا تمرد على المؤسسة الدينية، وضرب بقرارات الكنيسة عرض الحائط، وكان أول خروج لهم وأقواه عندما رفضوا قرار الكنيسة بعدم التظاهر على خلفية أحداث الماريناب، فخرجوا في مظاهرات احتجاجية عرفت باسم "أحداث ماسبيرو".. وبشكل عام فإن أمل مصر أن يخرج شباب الكنيسة وشباب الاخوان عن المؤسسة الدينية. هل ترى أن المؤسسة الدينية تمثل خطورة على الشباب أو على الساحة السياسية؟ المؤسسات الدينية قائمة على "القمع"، والسلطان الإلهي، والتراتبية، المعتمدة على نظام الهرم، فمرشد الإخوان يقبلوا يده، وكلامه نافذ على الجميع، والبابا شنودة أيضًا نفس الأمر.. وإجمالا فإن ما شهدته المؤسسات الدينية خلال الفترة الأخيرة "تاريخي"، وكان أبعد ما يكون عن خيالهم، فالشباب خرجوا عليهم ورفضوا أوامرهم. وما طبيعة الحوار الدائر بين الكنيسة وشبابها بعد تلك الانقسامات؟ بدأ الشباب يتمرد ويعطي أسلوب جديد في التعامل مع الكنيسة ومع مصر، وبدأت أولوياته المطلقة أنه مصري قبل أن يكون مسيحي، وبدأت الكنيسة تتفهم ذلك، سواء طوعًا أو غصبًا، ولذا يحاول الكبار مساعدتهم، خاصة أنهم مهتمون بأن يظل الشباب في أحضان الكنيسة، وبدأوا يقدموا بعض التنازلات لهم. نعود للحديث عن البرلمان، هل يستشعر الأقباط الخطر من وجود أغبية إسلامية أسفل القبة؟ هناك من يعتقد ذلك بالفعل، إلا أن الصورة أصبحت الآن واضحة للجميع، خاصة أن هناك تأكيد على الوحدة الوطنية، وعدم وجود تفرقة بين عنصري الأمة. هل تتوقع وجود صدام جديد بين الطرفين؟ العصور تغيرت، والعالم تحضر، وأصبح مفتوحا على بعضه البعض، ولدينا وسائل إتصالات كثيرة ومتطورة، ولا يمكن أن تتكر مآساة العصور الوسطى والعنف الديني مرة أخرى أبدًا. لكن المؤسسة الدينية المسيحية من الممكن أن تسهم في الصدام الديني، إلا أن الشباب سوف يرفضون ذلك، وهو ما نراهن عليه الآن، فالاجيال الجديدة هي التي تدفع بوحدة مصر وإتحادها. على الرغم من وجود تأكيد على مدنية الدولة، ألا يخشى الأقباط في مصر من فكرة تحولها لدولة دينية؟ الحكم الديني نادر في العالم ، وعندما تنظر للخريط العالمة نجد أن الحكم الديمقراطي اكتسح، وأصبح هناك وعي.. و ما سوف يمنع وجود فرصة للاستبداد الديني أو الحكم الديني هو "وعي الشعب". انتهى عصر الأجيال "المدروشة" بالمسيحين أو المسلمين، و لو حاول المسلمون أو حاولت الكنيسة أيضًا تحويل مصر لسلطة دينية سوف يفشلون فشلا ذريعًا. لكن، هل هذا يعني أن تلاشي وجود دولة دينية من شأنه وجود حكم قائم على أساس ديمقراطي؟ لا، فهناك إحتمال أن يتكرر سيناريو القمع الذي شهدته مصر على مدار السنوات الأخيرة منذ عهد محمد علي حتى عهد النظام السابق، لكن لو فكر أي حاكم جديد أنه يفعل ذلك، فهذه ستكون خطيئة عمره، لأنه سيصطدم بالميدان.. خاصة أن القوات المسلحة نفسها أرادت استخدام قوتها أمام الشعب فانهزمت ! .. إلا أنني أعني أن الديكتاتورية الدينية أصعب من الديكتاتورية "الدينية"، فالعلماني المعارض يطلق عليه لقب "معارض"، لكن في الحكم الديني المعارض، يطلق عليه لقب (كافر) ويستحل دمه. هل تؤيد الدعوات الخاصة ب "الخروج الآمن للمجلس العسكري"؟ نعم، خاصة أن كافة الأمور والأوضاع الآن على الساحة السياسية "مرتبكة" ومختلطة، وغير واضحة، وعليها العديد من علامات الاستفهام.. لذا أفضل ألا نُضّيع وقتنا في تلك المحاكمات، ونستغل الوقت في بناء الوطن. لكن البعض يرى أن الخروج الآمن تفريطًا في دماء الشهداء.. ما تعليقك؟ لو تم إدانة القوات المسلحة لابد أن يتم معاقبة المخطئين منهم على الفور.. وبصفة عامة لابد أن تكون أية محاكمات خلال الفترة الحاية "محاكمات ثورية". هل يسعى الأقباط لحجز وضع مميز لهم في الدستور الجديد؟ لا، هناك اتفاق على ما جاء بدستور 1917، بشرط تغيير باب "الحُكم" الذي يعطي صلاحيات للرئيس.. وبشكل عام فإن الدستور لابد أن يشارك في وضعه مجموعة من كافة الأطراف، ولا يتم تركه للاخوان المسلمين، فلابد ألا يكون هناك أغلبية، و أن يكون هناك تمثيل قبطي ومن المرآة وغيرها من الفئات المهمشة دائمًا. وما التعديلات التشريعية التي ينتظرها الأقباط؟ من أبرز القوانين التي ينتظر الأقباط مناقشة تعديلها بالبرلمان الجديد هي قانون بناء الكنائس، وهو أولوية مطلقة، فضلا عن قانون الاحوال الشخصية. أخيرًا، كيف ترى دور رجال الأعمال المسيحين خلال الفترة المقبلة؟ لابد ان يتحدثوا بصوت المصريين وليس المسيحيين، كما أنه لابد أن يضخوا أموالهم بمصر، وليس بالخارج، بالاضافة إلى أن المسيحين بالخارج أيضًا لابد أن يُسهموا في تنمية مصر عبر مشروعات تحد من البطالة والقضاء على الفقر ، والاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة وإعطاء القروض، خاصة أن هناك مجموعة كبيرة من الأقباط رجال أعمال أقوياء على الساحة مثل نجيب ساويرس وثروت باسيلي.