استعادت القطاعات المصرفية بدول الربيع العربي عافيتها سريعا وامتصت الصدمة الأولى لها والنتائج الحقيقة لتأثير الثورات على البنوك المصرية والتونسية والليبية لن يظهر تأثيرها الا في نتائج أعمال 2012 . كما يرى الصورة عدنان يوسف رئيس اتحاد المصارف العربية والرئيس التنفيذي لمجموعة البركة . أوضح أن البنوك الخليجية ستقود نمو المصارف العربية بمعدلات تتراوح بين 10 الى 15 % خاصة انها تمثل نحو 60 % من القطاع المصرفي بالمنطقة ويصل حجم أرباحها المجمعة سنويا الى 15 مليار دولار . استبعد إمكانية حدوث موجة تعثر عنيفة بالبنوك العاملة بمصر ، مؤكدا على ان اقتراض مصر الخارجي عن طريق الصناديق السيادية او صندوق النقد الدولي ليس بخطأ . اكد على تبنى مجموعة البركة سياسة توسعية للسوق المصري مدعومة بالثقة فى إمكانية استعادة معدلات النمو بمجرد الاستقرار السياسي والأمني. قراءة للواقع المصري ناقشنها مع رجل البنوك الأكثر إيمانا بالمكانة الهامة التي تنتظرها المؤسسات المالية العربية نستعرضها في الحوار التالي : بداية : كيف ترى تأثير ثوارات الربيع العربي على قطاعاتها المصرفية خلال الفترة الحالية؟ استطاعت البنوك بدول الربيع العربي استيعاب الصدمة التي تعرضت لها جراء الاحداث التي أعقبت الثورات، والناتجة عن حالة الانفلات الامني والمطالب الفئوية، التي نتج عنها إنخفاضا بايرادات الشركات، وتوقف بعضها لفترة، مما جعلها غير قادرة على الوفاء بالتزماتها، ولجأت المصارف هناك لإرجاء سداد أقساط الافراد والشركات لفترات تراوحت بين 3 : 6 أشهر حتى تستعيد الشركات قوتها مجددا. تعد مصر من أكثر البلدان التى استطاعت استيعاب الصدمة، بالاضافة لتونس، التي عادت الامور لمجاريها فيها مرة أخرى، وأصبحت العمليات التجارية فيها جيدة، إلا أن قطاع السياحة تأثر بشكل كبير، وأثر سلبًا على البنوك العاملة بها، خاصة أن معظم البنوك متوسعة في تمويل القطاع السياحي هناك. وبالنسبة للوضع في ليبيا، فإن القطاع المصرفي ظل مجمدا طيلة فترة الثورة، وإن كانت الامور بدأت للعودة لطبيعتها مرة أخرى، لكنها تحتاج لفترة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر، حتى تصل لمرحلة مقبولة من تقديم الخدمات الرئيسية، سواء للشركات أو الافراد. وبصفة عام، فإن النتائج الحقيقية لتأثير الثورات العربية على قطاعاتها المصرفية لن تظهر إلا خلال العام المقبل، خاصة في ظل تأثر اقتصاديات دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة بمشكلة ارتفاع حجم المديونيات، وزيادة معدلات البطالة، مما انعكس على استثماراتها في البلدان العربية. لكن البعض يتوقع موجة تعثر عنيفة لمصارف بلدان الربيع العربي، لتاثر العديد من القطاعات بها مثل السياحة والعقارات خاصة فى مصر.. لا اتوقع تعثر عنيف في مصارف تلك البلدان، خاصة مصر، والتى تتميز بتنوع اقتصادها، فمع تراجع وتأثر قطاع السياحة، نجد أن هناك العديد من القطاعات التي تستطيع دعمها خلال الفترة المقبلة، أبرزها التصدير، خاصة أن مصر بدأت تتوسع فيه منذ ثلاث سنوات، وعليها التمسك به، مما يساعدها على تحمل أعباء المرحلة وتخطيها بأمان.. فمصر تمتلك العديد من الفرص التصديرية، خاصة لليبيا، التى أتوقع أن تعتمد بشكل كبير خلال 2012 على الصادرات المصرية وبضائعها، لسهولة نقلها، وقلة تكلفتها، لكن ذلك يتوقف على رجال الاعمال المصريين، ورغبتهم في زيادة أعمالهم هناك، بالاضافة لاحتياجها لأيد عاملة مصرية، بما يسهم في خفض معدلات البطالة.. كما أن مصر أيضًا كانت على مقربة من أن تصبح نمرًا اقتصاديا بالشرق الاوسط، لتنافس تركيا في ذلك، إلا أن التغييرات التي حدثت أرجعتها للوراء قليلا، لكنها تستطيع العودة سريعا، خاصة أن كافة الصادرات والواردات لافريقيا الوسطى يجب أن تكون عن طريق مصر. كيف ترى اتجاه الحكومة المصرية للتفكير في طرح سندات محلية تصل مدتها إلى 15 عاما بعد ارتفاع الدين الداخلي؟ تستطيع البنوك العاملة بالسوق المصرية تغطية تلك السندات، وعلى كل حال فهو اتجاه محمود، إلا أن توسع البنوك في توظيف أموالها بأدوات الدين الحكومية (أذون خزانة وسندات) سيكون على حساب إقراض القطاع الخاص، الذي يمثل الجزء الاكبر من اقتصاديات الدول.. وبصفة عاملة يجب أن تكون هناك موازنة بين الامرين، لأن القطاع الخاص فرس الرهان خلال الفترة المقبلة، ويستطيع جر قاطرة النمو. لست متخوفا من ارتفاع الدين الخارجي لمصر، فالدولة تستطيع التحكم فيه، خاصة إذا كانت هناك تدفقات نقدية من الخارج، ويساعد مصر فى ذلك مواردها الاجنبية مثل قناة السويس والصادرات والسياحة بعد تعافيها، إلى جانب تحويلات المصرين العاملين بالخارج.. وبشكل عام فإن عودة مناخ الاستقرار السياسى وثقة المستثمرين معه سيعمل على جذب استثمارات جديدة، خاصة أن تخارج الاستثمارات الاجنبية من مصر خلال الفترة الماضية ليس فقط بسبب الاوضاع السياسية فيها، لكن بسبب سوء الاوضاع الاقتصادية بأوروبا والولايات المتحدة، وتأثير ذلك على استثماراتهم بتلك الدول، مما يدفعهم لاسترداد أموالهم من البلدان التى يستثمرون بها لتعويض خسائرهم في بلدهم الام. ما رأيك في إتجاه مصر للاقتراض الخارجي؟ لا أعتقد أن الاقتراض الخارجي عن طريق الصناديق السيادية أو صندوق النقد الدولي خطأ، لان الدول الاوروبية نفسها تقترض من الخارج، فى حالة احتياجها لذلك، فهو الطريق الأمثل لسداد مديونياتها والوفاء بالتزماتها، خاصة أن تلك البلدان المتأثرة اقتصاديا فى حالة طرحها لسندات بالاسواق العالمية لن يُقبل القطاع الخاص على الاستثمار بها لارتفاع مخاطرها، بالاضافة لارتفاع نسبة الفائدة عليها. ألا ترى أن تراجع الاحتياطي النقدي لمصر منذ اندلاع الثورة وحتى الان لاكثر من 12 مليار دولار أمرًا مقلقًا؟ لا يوجد مشكلة فى ذلك، خاصة أن الدول تتخذ احتياطيات مرتفعة جدا، والاحتياطي يتم وضعه لمواجهة الواردات السلعية، لتغطيتها لفترة تتراوح بين 3 إلى 4 شهور، وما يزيد عن ذلك هو حماية لها، والاحتياطى النقدي لمصر الان يكفيها نحو 6 أشهر واردات سلعية. البعض ينادي الآن بتحرير أسعار صرف الجنيه مقابل العملات دون تدخل من البنك المركزي لحماية العملة المحلية.. كيف ترى ذلك؟ يمكن اتخاذ هذا الاجراء عندما تكون معدلات النمو مرتفعة، وثقة المستثمرين في البلد قوية.. لكن فتح الباب أمام هذا الاتجاه خلال الفترة الحالية مؤشر سلبي، ومن الافضل أن يظل البنك المركزي مسيطرًا على أسعار صرف الجنية مقابل العملات لفترة معينة، ويجب أن تكون النظرية الاقتصادية هى المسيطرة وليست النظرة السياسية. هل تتوقع أن تحقق المصارف العربية معدلات نمو جيدة خلال العام الجاري؟ اعتقد أن المصارف العربية ستحقق نموا بأرباحها، بقيادة البنوك الخليجية، التي سيرتفع معدل النمو فيها بنسبة بين 10% : 15%، خاصة أنها تمثل نحو 60% من القطاع المصرفى العربي، ويصل حجم أرباحها المجمعة إلى 15 مليار دولار. بعض البنوك العربية أعلنت قدرتها على شراء مديونيات الشركات المقترضة من بنوك أجنبية حتى لو لم يكن لها فروع فى بلدانها.. كيف ترى هذا الاتجاه؟ ليس هناك مانع في أن تقوم البنوك التجارية بهذا الاجراء، وليست الاسلامية لانها تحرم شراء الديون، لكن يجب أن يتم ذلك بعد دراسات جدوى جيدة، وتحليل تام للمخاطر المتوقعة.. وبشكل عام فإن هذا الاجراء ليس بجديد، وقامت به البنوك الاوروبية في ثمانينات القرن الماضي عندما قامت بشراء مديونيات بعض دول أمريكا اللاتينية، وحققت من جراء ذلك أرباحا ضخمة. فى حالة عرض عليك كرئيس بنك تجاري ديون مصر وتونس لشرائها.. أيهما ستقوم بالشراء؟ سأقوم بشراء ديون تونس، لأن متوسط الدين لديها 8 سنوات، وتمتلك سياسة جيدة في إدارة ديونها، بينما متوسط الدين في مصر لا يتعدى 4 سنوات. برأيك، أيهما أخطر : الازمة المالية العالمية التي وقعت عام 2008 أم الموجة الثانية منها التي تجتاح دول أوربا ؟ تمر أوربا بمرحلة خطيرة جدًا في تاريخها، ولأول مرة نجد أن الازمات المالية تنبع من الدول الغنية، في حين أنها دائما كانت تنبع من الدول الفقيرة.. التعامل مع الازمة المالية فى 2008 لم يحل المشكلة بشكل جذري، وتم التعامل معها من خلال جرعات قوية لتسكينها بعض الوقت.. البنوك الاوروبية تتعامل الآن بنفس المنطق مع الازمة ولجأت لضخ بعض السيولة في البنوك. هل تتوقع إنهيار بعض المؤسسات المالية الاوروبية من جراء الازمة الحالية على خليفة إفلاس بعض البنوك الامريكية في 2008 ؟ إذا انهارت المؤسسات انهارت الاقتصاديات، لأنها القلب النابض لها، والدليل على ذلك عندما انهار بنك ليمان برازر، رابع أكبر بنك بأمريكا كانت تبعات إنهياره قوية جدا، ليس فقط على اقتصادها، لكن على الدول الاخرى. وما الحل الامثل لتلك الأزمة؟ يجب أولا على الحكومات شراء جزء من مديونيات تلك المؤسسات، وإسقاط جزء من مديونيات الدول المتعثرة، لان انهيار تلك الدول يؤثر سلبا على البنوك المنفتحة عليها.. والدليل أن دعم ألمانيا لليونان خلال أزمتها كان بسبب أنها منفتحة عليها بشكل كبير وبانهيار اليونان سيصبح لدى المانيا قروض غير جيدة، وبالتالى يجب أن يقابلها مخصصات ستؤثر عليها بشكل كبير . هل ترى أن الصيرفة الاسلامية ستصبح بديلا للصيرفة التجارية خلال الفترة المقبلة في ظل التغيرات السياسية بدول الربيع العربي؟ أثبتت تجربة الصيرفة الاسلامية بكافة البلدان التي تعمل بها جدارة تامة، خاصة أنها خرجت من الازمة المالية العالمية بدون خسائر تذكر، لكنها ليست بديلة عن الصيرفة التجارية، فهي تجربة يمكن الاستعانة بأفكارها ومعايرها، خاصة فيما يتعلق بعملية شراء الديون "المشتقات" التي لا تتعامل عليها، والتى كانت سببا فى انهيار بعض البنوك خلال الازمة المالية في 2008. نعود للمنطقة العربية مرة أخرى، هل ترى أن الاقتصاد الكلي بمصر تأثر بشكل كبير وانعكس ذلك على حجم توظيفات البنوك؟ الاقتصاد الكلى لمصر لم يتأثر، كما أننا في بنك البركة مصر لم نتوقف عن منح التمويل لعملائنا، والبحث عن عملاء جدد، واستطعنا زيادة حجم تمويلاتنا منذ اندلاع الثورة وحتى الان بنحو 600 مليون جنيه، كما استطعنا زيادة حجم الودائع من خلال طرح أوعية إدخارية مبتكرة.. وفي الوقت الذي لم تكن بعض الشركات تتعامل معنا لعدم فهمهم طبيعة التمويل الموافق لاحكام الشريعة، اتخذنا خطوات استباقية نحوهم لتقديم التسهيلات الائتمانية والتمويل اللازم لهم، خاصة أن البنوك الاجنبية العاملة بالسوق متخوفة من التوسع في التمويل خلال الفترة الراهنة. هل يحدث تغييرًا بشكل الجهاز المصرفي في حالة تولي الاسلاميين الحكم بمصر؟ لن يحدث تغيير، لأن كل النظامين يسيران فى إتجاه واحد، خاصة أن البنك المركزي المصري لجأ خلال الفترة الماضية للاهتمام بشكل جيد بالبنوك الاسلامية، كما بدأ في تطبيق جزء من المعايير الخاصة على ملائة رأس المال. كيف ترى وضع القطاعات المصرفية المصرية و الليبية والتونسية خلال الفترة المقبلة ؟ يمتلك القطاع المصرفي المصري العديد من فرص النمو الجيدة في حالة استقرار الاوضاع السياسية، وبالتالي الاوضاع الامنية، التي تنعكس على الامور الاقتصادية.. أما ليبيا فيجب أن تفتح المجال للقطاع الخاص للعودة إليها، خاصة أنه قبل التأميم كانت معظم البنوك اجنبية، وأعتقد أن ليبيا في مرحلة حساسة للغاية، والمواطن يحتاج فيها للمنتجات الخدمية سواء تقليدية أو إسلامية.. كما ان السوق الليبىة واعدة ومتعطشة للاستثمار الخارجي خاصة بقطاع البنية التحتية، وستكون بذلك من أهم الاسواق الواعدة بالمنطقة... وعن تونس، فقطعت شوطا كبيرا خلال الفترة الماضية من خلال تحسين المنتجات وفتح المجال أمام اللبنوك الاسلامية، والتى بدأت عام 1985 من خلال بنك البركة، ولديها الرغبة والقدرة فى ان تصبح السوق المالية الاسلامية لشمال المغرب العربي، ولذا أتوقع أن تقود المرحلة الانتقالية الحالية لمعدلات نمو جيدة، لان معظم استثماراتها من الخارج، ويستفيدون بشكل كبير من الايد العاملة الجيدة والرخيصة التي يمتلكونها، وهى نفس المقومات التى وضعت تركيا على طريق النمو. هل تتوقع تراجع التصنيف الائتماني العالمي لدول المنطقة العربية؟ لا اعتقد ذلك، للعديد من الاسباب، أبرزها أن وتيرة النمو سريعة جدا بالمنطقة، كما أن الاستثمار العربي متعطش للتوسع. وهل تتوقع عمليات اندماجات أو استحواذات بين البنوك العربية خلال الفترة المقبلة؟ اشجع الاندماجات بين البنوك العربية في البلد الواحد خلال الفترة المقبلة، لحاجة العديد من البنوك لزيادة رؤوس اموالها للتوافق مع المعايير الدولية (بازل 3)، فبدلا من ضخ رؤوس أموال جديدة، ستكون الاندماجات هى الحل الامثل، بما يخلق بنوك قوية تستطيع مواجهة الازمات. وهل يدرس بنك البركة الاستحواذ على مؤسسات مالية خلال الفترة الحالية ؟ بالفعل قامت مجموعة البركة بالاستحواذ على 60% من الأسهم المصدرة لشركة مجموعة التوفيق المالية المتخصصة في إنشاء وإدارة الصناديق الاستثمارية والمحافظ، وخدمات الحفظ، وتقديم المشورة والبحوث في الأوراق المالية، والترتيب في السعودية، عن طريق وحدته المصرفية بالبحرين، و إجراءات الاستحواذ عليها الآن قيد التنفيذ.. وبصفة عامة تتجسد استراتيجية المجموعة في دخول الأسواق الإقليمية الرئيسية، خاصة المملكة العربية السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد عربي، يمتلك أساسيات قوية وبيئة مالية واستثمارية مستقرة، بما يوفر فرص أعمال واستثمار جيدة. وماذا عن سياسة بنك البركة فى مصر خلال الفترة المقبلة ؟ سياستنا فى مصر توسعية، وكما ذكرت سلفا إننا قدمنا تمويلات بقيمة 600 مليون جنيه منذ بداية العام بالاضافة لافتتاح 4 فروع جديدة، ولم نتوقف ليوم واحد عن العمل بمصر، لانها سوق واعدة، بغض النظر عن المشاكل الحالية. أخيرًا، هل ترى أن التغيرات الجديدة بالمنطقة العربية ستفرض انعكاسات على سياسة اتحاد المصارف خلال الفترة المقبلة؟ نحن مستمرون بجميع المصارف العربية ككيان قوي، ونشجع التعاون بين المصارف العربية، ولدينا مسئولية كبيرة خلال الفترة الحالية لتقديم المصارف العربية للجانب الاوروبى والاسيوى التقديم الجيد والمبني على أسس اقتصادية، وليست سياسية.