بعد أقل من يومين على مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد، وبالتزامن مع تشييع الضحايا المسيحيين، تعرضت الأحياء الشيعية في العاصمة العراقية لحوالى 20 هجوماً، أوقعت عشرات القتلى، وأغرقت المدينة في الفوضى والدماء، وعززت الشكوك في قدرة الأجهزة العسكرية على ضبط الأمن. وفيما أعلنت وزارة الداخلية مقتل 30 شخصاً، على الاقل وإصابة 75 في 11 اعتداء منسقاً بسيارات مفخخة وصواريخ كاتيوشا، قالت مصادر أمنية أخرى ان الحصيلة الاولية 100 قتيل و200 جريح. وأعلن وزير الدفاع عبد القادر العبيدي اعتقال عدد من منفذي الهجوم على الكنيسة وأن «المهاجمين عرب وليس بينهم عراقيون». وربط قادة سياسيون بين تفجر الوضع الأمني والفراغ السياسي، وسط أنباء عن تعثر المفاوضات لتشكيل الحكومة، وتضارب في المواقف من مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، خصوصاً لدى الأطراف الكردية. وقالت المصادر امس ان قيادة العمليات في بغداد فرضت حظراً شاملاً للتجول الى اشعار آخر. وساد ارتباك كبير، وسارعت قوى الامن الى اغلاق الشوارع في اعقاب تفجيرين متزامنين في احياء الكاظمية والشعلة، ومدينة الصدر والأمين شرقاً، لكن التفجيرات لم تتوقف وضربت احياء السيدية والبياع وابو دشير وحي العامل والشعب والحسينية. سياسياً، أكد رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني ان منصب رئيس الجمهورية من حق الأكراد لأنهم «القومية الثانية في العراق، وليس كجهة سياسية». جاء تصريح بارزاني، في وقت سرت معلومات عن ضغوط اميركية تمارسها واشنطن على الاكراد للتنازل عن رئاسة الجمهورية لمصلحة «الكتلة العراقية». وما زال موقف الاطراف الكردية من مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز متضارباً، وفيما رحبت بها «كتلة التغيير» المعارضة، أوضح أحد القياديين ان الرئيس جلال طالباني لم يتخذ موقفاً منها لأنها «لم توجه إليه وحده ولم تأتِ بطرق ديبلوماسية». وقال بارزاني خلال استقباله القنصلين البريطانيين، السابق جيرمي مكادي والحالي كريس باوس: «عندما نطلب رئاسة الجمهورية نطلبها كوننا قومية ثانية في العراق وليس كجهة سياسية». وعن الضغوط التي يتعرض لها الأكراد، قال القيادي في «التحالف الكردستاني»، من حزب طالباني، فرياد راوندوزي ان «أطرافاً تضغط كي نتنازل عن رئاسة الجمهورية، بينها واشنطن، لكننا اكدنا غير مرة رفضنا لذلك. وقد جددت القمة السياسية التي جمعت كلاً من الرئيس جلال طالباني ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني موقفها الرافض التنازل عن الرئاسة وعن تولي طالباني هذا المنصب». وعلمت «الحياة» ان الاجتماعات الجارية بين القوى السياسية الفائزة في الإنتخابات احيت قضية تشكيل «مجلس السياسيات الاستراتيجية»، واعتباره جهازاً تنفيذياً الى جانب الحكومة، فيما تراوح المساعي الجارية لتحديد موعد انعقاد جلسة البرلمان، تنفيذاً لقرار المحكمة الاتحادية. وقال مصدر، طلب عدم الاشارة الى اسمه، ان «الاجتماعات التي يعقدها ممثلو القوى السياسية منذ يومين وتستمر حتى نهاية الاسبوع الجاري بواقع جلستين صباحية ومسائية، تناقش احياء مجلس السياسات الاستراتيجية، وتحويله الى جهاز تنفيذي فعال ليدخل ضمن صفقة المناصب الى جانب الرئاسات الثلاثة». من جهة أخرى، استمر التضارب في مواقف الكتل السياسية من المبادرة السعودية لتسوية الأزمة الحكومية. وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أعلن في مؤتمر صحافي مساء اول من امس ان «القادة السياسيين اتفقوا على ضرورة ان تحل ازمة تأليف الحكومة داخل العراق، لذلك اعتذرنا عن (تلبية) المبادرة السعودية، ليس لأنها صدرت من السعودية ولكننا سنعتذر عن اي دعوة من الخارج، لأن الحل في الداخل». وتوقع امكان التوصل الى توافق لتأليف الوزارة الجديدة خلال أربعة أو خمسة أيام. وقال القيادي في «التحالف الكردستاني» عادل برواري ل «الحياة» ان «هناك تطابقاً في الرؤى بين التحالف الوطني والأكراد حول ضرورة تشكيل الحكومة داخل العراق، على رغم تثمين مبادرة العاهل السعودي وحرصه على حل ازمة تشكيل الحكومة». وعن عدم صدور موقف واضح من طالباني، قال إن ذلك يعود إلى ان «الدعوة ليست موجهة الى طالباني وحده، بل إليه وإلى الاحزاب المشاركة في الانتخابات التشريعية، ولأنها لم تصل عبر وزارة الخارجية كما هو معمول به في البروتوكولات الديبلوماسية بين الدول». لكن كتلة «التغيير» الكردية رحبت بشدة بالمبادرة. وأكد الناطق باسمها محمد صديق رحيم ل «الحياة» ان الكتلة «ترحب بمبادرة العاهل السعودي وتنظر إليها بايجابية كبيرة كأحد مخارج أزمة تشكيل الحكومة». ونفى رحيم وصول الكتل السياسية الى تفاهمات نهائية او قربهم من تشكيل الحكومة، مستبعداً ان «يحصل اي اتفاق قبل عيد الاضحى».