«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصانة القاضي في القانون
نشر في الزمان المصري يوم 07 - 01 - 2015


المقدمة :-
إن القضاة هم الأمناء على حماية الحقوق والحريات ، ونشر العدالة، وتطبيق وتطوير القوانين التي على أساسها يبنى المجتمع وتقوم العلاقة بين الناس . لذلك ينبغي أن تكون تصرفاتهم وسلوكهم ، داخل المحاكم وخارجها فوق الشبهات وعلى مستوى الأمانة المودعة لديهم . وهذا يقودنا إلى موضوع اختيار القضاة ووجوب أن لا يتم تعيين أي شخص في منصب القضاء إلا إذا توافرت فيه صفات الكفاءة والاستقامة والأمانة والاستقلالية والنزاهة والشرف. لأن ارتكاب قاضٍ واحد لأي تصرف مشبوه أو سلوك شائن من شأنه المساس بسمعة الهيئة القضائية كاملة. ان الحصانة القضائية تكون للعمل القضائي ومن يقوم به ، ولذا اتجهت كثير من الدول إلى استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنظيمية والتنفيذية لتتحقق نزاهة القضاء ، فلا يُفرض شيء على القضاء أو يحابي أحدٌ ممن ينتمون إلى السلك القضائي أيّ سُلطة أخرى. ومما يجدر التنبيه إليه أن الحصانة عموماً ؛ القضائية وغيرها لا تعني ألا يُطبّق النظام بحقّ من مُنح الحصانة ، بل يسري النظام عليه وعلى غيره ، وإنما المقصود أن لتطبيق النظام عليه إجراءات تضمن سلامة عمله الذي يقوم به.
ومن المعلوم أن القانون يرتب على القضاة التزامات وواجبات عامة شأنهم في ذلك شأن باقي موظفي الدولة باعتبار أن القاضي كالموظف يقوم بإسداء خدمة عامة ، كما إن المنصب القضائي الذي يشغلونه يفرض عليهم التزامات وواجبات خاصة تهدف إلى ضمان دقة العمل والنزاهة وشرف مهنة القضاء المقدسة والحيدة في القضاء ، فلا يجوز للقاضي أن يحيد في إحقاق الحق بسوء نية لصالح أحد الخصوم ، وعليه أن يبذل العناية والاهتمام الكافيين لتجنب الخطأ ، فإن تخلى عن أداء التزامه كقاضي أو امتنع عن إحقاق الحق بين المتقاضين يكون عرضة للمساءلة.
فما هي أحكام هذه المسؤولية ؟؟؟الطبيعة الخاصة لمسؤولية القضاة:
تعتبر المساءلة الجوهر الحقيقي لأي نظام قانوني ، فلا جدوى من القوانين ونصوصها إذا لم تتضمن وضع آلية محددة يتم على أساسها ملاحقة المخطئين ومساءلتهم إما بفرض العقاب أو باتخاذ إجراءات تأديبية. وفي دولة القانون فإن الجميع يخضعون لحكم القانون وإرادته ، بما فيهم أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية وسواها من مؤسسات الدولة . والسلطة القضائية ليست استثناء من ذلك ، بل هي أولى من غيرها بالخضوع لحكم القانون باعتبارها الأمينة على حسن تطبيقه وتنفيذه . إلا أنه ينبغي التنبيه إلى أن مساءلة القضاة تختلف كثيراً عن مساءلة أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية وذلك بسبب ما يجب أن يتمتع به هؤلاء القضاة من استقلال وحياد . وبالتالي فإن الآلية التي توضع لمساءلتهم عن الأخطاء التي يرتكبونها يجب ألا تؤدي بأي حال من الأحوال إلى المساس بهذا الاستقلال أو الحياد .
والملائمة بين مقتضيات المساءلة القانونية ومقتضيات استقلال القضاة يتطلب تضييق نطاق المسؤولية المدنية للقضاة عن الأخطاء التي يرتكبونها أثناء مزاولتهم للعمل القضائي . وهذا يقتضي أن يتمتع القضاة بالحصانة الشخصية ضد أي دعاوى مدنية بالتعويض النقدي عما قد يصدر عنهم أثناء ممارسة مهامهم القضائية من أفعال غير سليمة أو تقصير . والسبب في ذلك هو أن شعور القضاة وإدراكهم بانعدام الحصانة عن مسئوليتهم التقصيرية الناشئة عن الأخطاء التي ترتكب من قبلهم حال ممارستهم لمهامهم الوظيفة ستؤدي دون شك إلى إرباك القضاة والحيلولة دون إبداعهم واجتهادهم عند النظر في الدعاوى المرفوعة أمامهم . فالقاضي إذا ما كان عرضة للمساءلة والملاحقة القضائية عن أخطائه المهنية سيصاب بهاجس هذه الملاحقة والمساءلة وبالتالي سيلجأ دوما إلى إغفال سلطته التقديرية وتغييبها بشكل كلي لتحاشي الوقوع في الأخطاء أو العثرات التي قد تؤدي إلى مساءلته .
ومن جانب آخر فإن إقرار القانون بفكرة ومبدأ المساءلة والرجوع على القاضي بالتعويض عن الضرر الناتج عن الخطأ المهني الذي يرتكبه سيترتب على الأخذ به تجريد القضاة من هيبتهم والانتقاص من مكانتهم أمام الأفراد جراء استغلال المتضرر منهم لهذه المساءلة كوسيلة للإضرار بالقضاة والإساءة إليهم.
أنواع مسؤولية القضاة:
إن حصانة القضاة السابقة ليست مطلقة ، إذ يحق للدولة عبر الجهات المختصة والمحددة بموجب القوانين،مساءلة القضاة تأديباً عن أفعال الإهمال والتقصير التي قد تقع منهم حال ممارستهم لوظائفهم وهذا بطبيعة الحال أمر ضروري لكون الغياب المطلق للمساءلة سيؤدي دون شك إلى التسيب وانحراف البعض ومجانبته للعدالة والإنصاف.
ويتعرض القاضي ، كذلك ، أسوة بغيره من الأفراد لحق المساءلة والملاحقة الجنائية لدى اقترافه لأي عمل من الأعمال المجرمة بمقتضى قانون العقوبات والقوانين الأخرى.
إذاً هناك نوعين لمسؤولية القضاة : المسؤولية التأديبية والمسؤولية الجنائية.
- مساءلة القاضي تأديبياً
من ضمانات إعمال القاضي لقيم النزاهة وضمان حسن قيامه بواجباته القضائية على الوجه المحدد بمقتضى أحكام وقواعد منظومة التشريعات القضائية ، تأكيد التشريعات القضائية على اختلافها لمبدأ المساءلة التأديبية للقضاة حال انتهاكهم وإخلالهم بواجباتهم الوظيفية ولسلوك وآداب مهنة القضاء.
وتعني المساءلة التأديبية تلك المسؤولية الناشئة عن إهمال وإخلال القاضي بمراعاة واحترام مقتضيات واجباته الوظيفية ، سواء تمثل ذلك الإخلال بامتناع القاضي عن القيام بأفعال وتصرفات نص القانون صراحة على وجوب قيام القاضي بها .
أو جراء إقدام القاضي عن القيام بأفعال وتصرفات يحظر القانون على القاضي وجوب القيام بها ، كنشر المعلومات أو المداولات أو إفشاء الأسرار أو ممارسة العمل السياسي أو القيام بأعمال التجارة أو الانقطاع عن عمله بغير عذر وغيرها من المسائل التي نص القانون صراحة على حظر القيام بها.
وإذا كان القانون قد حدد على وجه الحصر الجرائم بمكوناتها (مخالفات، جنح، جنايات) ، بحيث لا يمكن مساءلة الشخص أو ملاحقته إلا عن فعل أو أفعال مجرمة صراحة بمقتضى القانون إعمالا للقاعدة الجنائية " لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص " فالوضع يكاد أن يكون مختلف بشأن الجرائم التأديبية ، إذ أن هذه الجرائم قد تركت دون حصر لكون كل ما من شأنه المس بسلوك الموظف وواجباته الوظيفية أو بالأوامر الصادرة إليه قد يؤدي إلى إمكانية مساءلته تأديبا.
ولعل ما يمكن قوله بهذا الصدد أنه يجب العمل من قبل الجهات المختصة على تنظيم لوائح خاصة تحدد ماهية الأدبيات والمسلكيات الواجب على القاضي احترامها والتزام العمل بها لدى تقلده لمنصب القضاء ، لأن عدم تحديد طبيعة وأنواع التصرفات والأعمال التي قد تثير المساءلة التأديبية قد يفتح المجال واسعا أمام تعسف الهيئات القضائية العليا أو الجهات القضائية أو الرقابية المناط بها المراقبة على الأداء الوظيفي للقضاة في استعمال هذا الحق . ومن جانب آخر إن عدم حصر هذه الأفعال قد يضع القاضي تحت تأثير هاجس المساءلة والملاحقة التأديبية ، مما قد ينعكس بالسلب على سلوك القاضي وأدائه المهني بسبب الخشية من المساءلة والملاحقة.
لان أداء رسالة القضاء في إعلاء كلمة القانون و إقرار العدل لا يتأتى إلا باستقلال القضاء وتقرير ضمانات حقيقية لهذا الاستقلال. ويتطلب فوق ذلك توافر صفات وفضائل في القاضي إلا أن استقلال القاضي لا يعني عدم المساءلة إذا ما أخل بواجبات وظيفته ومقتضياتها وتقاليدها.:
أولا: استقلال القاضي وضماناته : الحصانة القضائية …
تتمثل ضمانات استقلال القضاء أساسا في طريقة اختيارهم, وفي الحصانة القضائية , وفي نظامهم المالي والإداري. ونجتزئ هنا بالإشارة إلى أهم هذه الضمانات وهي ضمانة عدم القابلية للعزل أي الحصانة القضائية.
- فلا يجوز عزل القاضي عن عمله سواء بالفصل أو النقل إلى وظيفة غير قضائية . وهذه ضمانات أساسية , فبغير تأمين القاضي على البقاء في وظيفته لا يمكن أن يقيم العدل دون خوف أو ميل. ولذا ينبغي تأمين القاضي من خطر التنكيل به ومن وضع مستقبله تحت رحمة الحكومة أو البرلمان , ومن الدعاوى الكيدية التي يرفعها المتضررون من قضائه.
- هذا إلى جانب النظام المالي والإداري الذي ينبغي أن يحفظ للقضاة استقلالهم ويمكنهم من مقاومة الضغوط التي تمارس عليهم , ضغوط السلطة أو ضغوط الحاجة وحتى لا يقعوا أسرى لمصالحهم الشخصية.
ثانيا : صفات وفضائل:
1- جلال الرسالة: العدل اسم من أسماء الله والقضاء قبس من نوره , وتحقيق العدل كان مهمة الرسل والأنبياء … بعثهم الله بالكتاب والميزان. ولهذا , ولأن بها تصان الدماء والأعراض والأموال , فإن ولاية القضاء من أعلى الولايات قدرا, وأعظمها شأنا , وأعزها مكانا , وأشرفها ذكرا.
2- الفضائل والصفات :
وإذا كان الحكم بين الناس مهمة عظيمة بالجلال الذي تتسم به , فإنها مهمة مهيبة للفضائل التي تتطلبها. وفى مقدمتها – إلى جانب العلم – العفة والنزاهة , والقوة فى الحق , والصبر والحلم وقد أفاض الفقه الإسلامي في بيان صفات القاضي , ومنهم من أفرد لهم مؤلفات مستقلة تعرف بآداب القضاء . فذكروا العلم والعفة والورع , والنزاهة عن الطمع ,الصبر والحلم والأناة ( فلا تضيق به الأمور ولا يتبرم بمراجعة الخصوم) , والقوة فى ذات الله والتخوف من سخطه , الخ. يتوقى ما يشينه في دينه ومروءته وعقله أو يحط من منصبه وهمته , وقورا محترزا في كلامه من الفضول وما لا حاجة به كأنما يعد حروفه على نفسه عدا ( فإن كلامه محفوظ وحاله في ذلك ملحوظ).
وقد تكلم فقهاء الإسلام في شروط تولي القضاء فجعلوا في مقدمتها العدالة الجامعة بشروطها ويشترط جمهور الفقهاء فيمن يتولى القضاء عدم الفسق لأن الفاسق غير مؤتمن على أمر الدين فلا يؤتمن على أمر الدنيا فإذا تحقق الفسق انتفت العدالة وانتفت في الشخص أهليته للقضاء فلا ينفذ للقاضي حكم وسندهم قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين "
3- الحصانة الذاتية والعصمة النفسية : الوسام لا يصنع قاضيا :
وهو ما عبرت عنه المذكرة الإيضاحية لأحد قوانين استقلال القضاء من أن خير الضمانات هي تلك التي يستمدها من قراره نفسه , وخير حصن يلجأ إليه هو ضميره , فالوسام لا يصنع قاضيا إن لم يكن له بين جنبيه نفس القاضي , وعزة القاضي , وكرامة القاضي . هذه الحصانة الذاتية وهذه العصمة النفسية هي دعامات الاستقلال الحقيقي للقضاء , لا تخلقها النصوص ولا تقررها القوانين , وإنما تكفل القوانين فقط الضمانات التي تؤكد هذه المعاني وتعززها وتسد كل ثغرة ينفذ منها السوء إلى استقلال القضاء.
4- واجبات القاضي والإخلال بها:
1- إن طبيعة رسالة القضاء تفرض على القاضي التسامي عند نظر المنازعة بين المتخاصمين والتجرد من شوائب الهوى والغرض , أو حتى من الرأي المسبق, وتفرض عليه تجنب الانفعال أو الغضب في مجلس القضاء , وألا تصدر تصرفاته أو أحكامه عن ردود أفعال عفوية أو مرتجلة.
وأن يبتعد عن السياسة فمحظور عليه الاشتغال بالعمل السياسي اشتغالا من شأنه أن يجعل له رأيا ظاهرا في الخلافات الحزبية (فلا يكتب مثلا في الصحف تأييدا ل …) , مما يمكن أن تلقى بظلاله على حيدته واستقلاله كقاض , ناهيك عن اهتزاز هيبة القضاء وقدسيته.
2- وهو ليس مطالبا فقط بإعطاء كل ذي حق حقه ورد العدوان عنه وإنما هو مطالب فى نفس الوقت بأن يزود عن حقوق المجتمع ومبادئه وأخلاقه وقيمه وهى أخلاق وقيم استقرت في الوجدان وفي الضمير العام وفرضتها رسالات السماء ومواثيق ودساتير.
ليس له حين إذ أن يتنكر لقيم مجتمعه ومبادئه, فهو ضمير أمته ورمز إرادتها وصدى وجدانها . فلم تجعل ولاية القضاء ولن تكون لتستباح بها حريات وتنتهك بها أعراض الناس أو ترهن جزاء لهم في أمر باتباع المعروف أو نهي عن المنكر.
وفي الجملة فإن القاضي مطالب بالالتزام بواجبات وظيفته واحترام مقتضياتها في عمله وفي علاقاته و حياته الخاصة صيانة لهيبة القضاء وسمعته ورفعة منزلته أو يكون مسئولا عن الإخلال بهذه الواجبات.
ثالثا: مسئولية القاضي:
تهدف حصانة القاضي إلى منع التنكيل به وحمايته من الضغوط والمؤثرات والإجراءات التعسفية التي تتخذها الحكومة ضده , ولكن الحصانة لا تعني بقاء القاضي في وظيفته مدى الحياة أو عدم مساءلته مهما اخطأ أو أساء بل على العكس تدق موازين الحساب وتشتد بالنسبة للقضاة ويكون معيار المساءلة على أساس الالتزام بأرقى قواعد السلوك والفضائل . ذلك لان لوظيفة القضاء جلالها وسمو رسالتها, وهو ما يقتضى أن يكونوا فوق مستوى الشبهات والريب وأن يتحلوا بأرفع الفضائل وأسماها, فهم يحاسبوا على مالا يحاسب عليه غيرهم من الموظفين العموميين.
ولذا أجاز القانون إحالة القاضي إلى التقاعد أو نقله إلى وظيفة غير قضائية إذا فقد أسباب الصلاحية وأجاز مساءلته تأديبيا أمام مجلس تأديب قضائي لما يرتكبه من أخطاء. كما يسأل القاضي مدنيا عن طريق دعوى المخاصمة كأن يقع منه في عمله غش أو تدليس أو خطأ مهني جسيم وإذا ما قضت المحكمة بصحة المخاصمة حكمت على القاضي أو عضو النيابة المخاصم بالتعويضات والمصاريف فضلا عن بطلان الحكم الذي أصدره أو تصرفه الذي وقع فيه الخطأ.
الخاتمة
ونظراً لخطورة موضوع المسؤولية التأديبية للقضاة ، والآثار السلبية التي يمكن أن تنتج عنه على صعيد استقلال القضاء وحياده. وذلك من خلال استغلال هذه المسؤولية – من قبل بعض الجهات – للتأثير على القضاة والحيلولة بينهم وبين أداء مهامهم بنزاهة وحياد. لذلك فإنه يتعين أن تحاط إجراءات مساءلة القضاة بضمانات حقيقية وفعالة تهدف إلى حماية القضاة من أي تأثيرات أو ضغوط، والحيلولة دون التعسف في استخدام هذه المساءلة أو استغلالها على وجه لا يتفق مع استقلال القاضي أو شعوره بالحصانة لدى ممارسته لوظيفته القضائية.تمتع القضاة بالحصانة التالية :-
1. لا يجوز عزل القضاة من مناصبهم إلا بعد عقوبة تم توقيعها في دعوى محاسبة بموجب أحكام قانون السلطة القضائية.
2. لا يجوز القبض على القاضي أو حبسه احتياطاً في غير حالة التلبس إلا بعد الحصول على إذن من مجلس القضاء الأعلى ليأذن باستمرار حبسه أو يأمر بإخلاء سبيله بضمان أو بغير ضمان.
3. لا يجوز رفع الدعوى الجزائية على القضاة إلا بإذن من مجلس القضاء الأعلى بناء على طلب النائب العام ويعين مجلس القضاء الأعلى المحكمة التي تتولى محاكمة القاضي.
4. مع عدم الإخلال بما للقضاء من استقلال فيما يصدر عنه من أحكام أو قرارات يكون لوزير العدل حق الإشراف الإداري والمالي والتنظيمي على جميع المحاكم والقضاة، ولرئيس كل محكمة حق الإشراف على القضاة التابعين له وللنائب العام حق الإشراف على أعضاء النيابة العامة على ضوء القوانين والقرارات التي تنظم ذلك.
5. لرئيس المحكمة حق تنبيه القضاة على ما يقع منهم مخالفاً لواجباتهم أو مقتضيات وظيفتهم بعد سماع أقوالهم ويكون التنبيه شفهياً أو خطيا وفي الحالة الأخيرة ترسل صورة لوزير العدل، وللقاضي أن يعترض على التنبيه الصادر إليه كتابة من رئيس المحكمة إلى مجلس القضاء الأعلى خلال أسبوعين من تاريخ تبليغه إياه، ولمجلس القضاء الأعلى أن يجري تحقيقاً عن الواقعة التي كانت محلاً للتنبيه أو يندب لذلك أحد أعضائه أو أحد قضاة المحكمة العليا في إجراء التحقيق بعد سماع أقوال القاضي ،وللمجلس أن يؤكد التنبيه أو يعتبره كأن لم يكن ويبلغ قراره لوزير العدل ،ولوزير العدل حق تنبيه رؤساء محاكم استئناف الألوية والمحاكم الابتدائية بعد سماع أقوالهم على أن يكون لهم (إذا كان التنبيه كتابةً) حق الاعتراض أمام مجلس القضاء الأعلى وفي جميع الأحوال .وإذا تكررت المخالفة واستمرت بعد صيرورة التنبيه نهائياً رفعت الدعوى التأديبية.
6. لوزير العدل تنبيه القضاة خطيا إلى كل ما يقع منهم من مخالفات لواجباتهم حول مقتضيات وظيفتهم وذلك بعد رد القاضي خطياً على ما هو منسوب إليه وثبوت مخالفته رغم ذلك لتلك الواجبات، وللقاضي أن يتظلم من التنبيه خلال أسبوع من تاريخ إبلاغه به إلى مجلس القضاء الأعلى، وللمجلس أن يسمع أقوال القاضي ويجري بنفسه أو بواسطة من ينتدبه لذلك من أعضائه ما يراه لازماً من أوجه التحقيق ، ثم يصدر قراره برفض التظلم أو بقبوله وإلغاء التنبيه واعتباره كأن لم يكن، ويبلغ قراره إلى وزير العدل.
حصانة القضاء من المبادئ المستقرة في التشريع الإسلامي، التي تمثل استقرار العدالة، لأنها أحد أهم المبادئ القانونية التي تنطوي على صيانة الحقوق وحماية الحريات.
فحصانة القضاء لم تقرر لمصلحة القاضي فقط كما يتبادر إلى الذهن، بل قررت للمصلحة العامة المتمثلة في حماية المتقاضين واستقرار عملية التقاضي باستقرار القاضي في عمله، وصيانة كرامة العمل القضائي. وإذا كان القضاء أحد أهم أجهزة العدالة، فإنّ تقرير الحصانة له يعتبر من أولويات السياسة الشرعية النابعة أساساً من العقيدة، والشاملة في قواعدها للراعي والرعية. ذلك أنّ الحقوق الفردية والحريات العامة، إذا كان منشؤها التشريع الإلهي نفسه اعتقاداً، وكانت ممارستها أو التصرف فيها على النحو الذي رسمه التشريع امتثالاً، لزم أن يكون كل حق أو حرية مظهراً لهذه العقيدة.
وتأسيساً على هذا، لما تقرر في الشرع أن «التصرف على الرعية منوط بالمصلحة»، لزم أن ما يصدره الراعي من تشريعات اجتهادية ونظم، مشروطة بشرط القدرة على الوفاء بحاجة الأمة، وأن تكون مطابقة لمقتضيات الشرع في الأحوال والظروف المتغيرة. فتقرر من كل هذا، أن عزل القاضي أو الطعن عليه في أحكامه، ينبغي أن يكون بدافع المصلحة، لا أثراً لمطلق الغريزة والهوى.
رصت الدساتير المصرية المتعاقبة ابتداء من دستور1923 ومرورا بدستور1971وانتهاء بدستور 2012 المعدل في 2014 علي تأكيد استقلال القضاء وجعله سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية وعدم قابلية القضاة للعزل, كم أكدت امتناع أية سلطة عن التدخل في القضايا أو في شئون العدالة, ولا سلطان علي القاضي في قضائه لغير القانون, وتلي ذلك تأكيد هذه المبادئ التي تضمنتها النصوص الدستورية بإصدار قوانين من السلطة التشريعية تسير علي ذات الات
وباشر نادي القضاة أعماله دون تدخل من أحد وطالب مجلس إدارة النادي الحالي بأن يتضمن تعديل قانون السلطة القضائية الوارد بالقانون رقم 142 لسنة 2006 نصوصا تتعلق بنادي القضاة وتنظيم شئونه وموارده إلا أن المشرع رفض هذا المطلب تأسيسا علي أن قانون السلطة القضائية ينظم شئون رجال القضاء وفقا لما جاء بالمادة 165 من الدستور والتي نصت علي أن السلطة القضائية تتولاها المحاكم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها بينما نادي القضاة يمكن تنظيمه بموجب قانون خاص يمكن للمشرع إصداره فيما بعد .
ونري أن هذا الرأي له وجاهته من الناحية القانونية وبالتالي لا داع لتضمين قانون السلطة القضائية نصوصا تتعلق بنادي القضاة .
ونخلص فيما تقدم إلي أن قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 142 لسنة 2006 بالمقارنة بغيره من القوانين السابقة قد حقق استقلالا فعليا للسلطة القضائية من نواحي عديدة كما اتضح فيما سبق ذكره , ولذلك سوف يعتبر كل من القانونين رقم 35 لسنة 1984 والقانون 142 لسنة 2006. من العلامات البارزة علي طريق استقلال السلطة القضائية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.