يطل علينا مشهد التعيينات الأخيرة في مجلس الشيوخ وكأنه لوحة مكتظة بالأسماء أكثر مما هي محملة بالمعاني. وجوه مألوفة من شاشات الإعلام، ورؤساء أحزاب لم تثمر أحزابهم سوى بيانات موسمية، ورجال أعمال تتقاطع مصالحهم الخاصة مع المجال العام حتى تختلط الحدود بين المنفعة والمسؤولية. والسؤال الذي يتسلل إلى أذهان المواطنين قبل أن يطرح علنا: على أي أساس جاءت هذه الاختيارات؟ أهو تكريم أم مكافأة؟ أم أن الكراسي صارت ملاذا لمن أنهكهم الضوء فآثروا ظلال السلطة؟! من حيث المبدأ، يفترض أن يكون مجلس الشيوخ بيت الخبرة والحكمة، منصة.. ترفد الدولة بالرأي الرصين والمشورة العاقلة، وأن يضم من بين أعضائه نخبة من أهل الفكر والعلم والتجربة، ممن راكموا عبر السنين معرفة يمكن أن تضيء طريق التشريع والقرار. لكن حين تتحول العضوية إلى باب للمجاملة أو وسيلة لتوزيع الرضا السياسي، فإن الفكرة النبيلة تفقد معناها، ويتحول المجلس من ساحة للعقول إلى قاعة للمجاملات. #يا_سادة..ما جدوى أن يعين مائة عضو دفعة واحدة في زمن تتقلص فيه الموارد وتئن فيه الموازنة العامة تحت ضغط الإنفاق؟ أهو ترف سياسي في لحظة لا تحتمل الترف؟ أليس من الأجدر أن يُوجه ما ينفق على امتيازات هؤلاء إلى دعم التعليم أو الصحة أو معاش المواطن الذي يصارع الغلاء؟ ثم ما الداعي أصلا لاستمرار مجلس لم تُثبت التجربة بعد أنه أضاف شيئا نوعيا إلى الحياة التشريعية؟ إن وجود مجلسين للبرلمان قد يكون مبررا في الدول التي بلغت ذروة النضج الديمقراطي، حيث تتوازن السلطات وتتكامل المؤسسات، أما في دولة ما زالت تبحث عن حلول لأزماتها الاقتصادية والمعيشية، فإن الأولويات تفرض نفسها بوضوح: قوت المواطن أولى من مقعد مريح في قاعة فخمة. لقد كان المواطن البسيط ينتظر أن يرى في التعيينات وجوهًا من الميدان؛ باحثا لامعا، طبيبا مجتهدا، معلما صبورا، شابا أثبت كفاءته في خدمة المجتمع. لكنه وجد بدلا من ذلك؛ أسماء تعيد إنتاج المشهد نفسه، وكأننا ندور في دائرة مغلقة لا مكان فيها للتجديد ولا صوت فيها للمستحقين. إن السؤال لم يعد فقط "من الذي تم اختياره؟"، بل "لماذا نختار بهذه الطريقة أصلا؟". فحين يغيب المنطق ويستبدل بالكواليس، وحين يصبح المنصب غاية لا وسيلة، تفقد المؤسسات قيمتها الرمزية، ويتراجع الإيمان العام بفكرة العدالة السياسية. #فى_النهاية_بقى_أن_اقول؛ مجلس الشيوخ، في صورته الراهنة، يبدو أقرب إلى عبء إضافي على دولة تتلمس طريقها وسط أزمات متشابكة. فإن لم يراجع دوره ومعناه، وإن لم يبن على أساس الكفاءة لا الولاء، فسيبقى مجرد رقم في قائمة النفقات، وشاهدا صامتا على زمن تكافأ فيه الوجوه لا الإنجازات..!!