لم يعد الحب حبا، ولا الإعجاب إعجابا، ولا التقدير تقديرا؛ كل شىء اختُزل فى نقرة سريعة على شاشة هاتف. صار القلب الأحمر أو الإبهام المرفوع شهادة حياة، وصارت القلوب الصفراء اللامعة أغلى من كلمات التقدير الصادقة. فى زمن "اللايك"، أصبحنا نقيس قيمة الإنسان بعدد المتابعين، لا بما يحمله من خلق أو علم أو رسالة. صار النجاح مرهونا بقدرتك على إثارة الانتباه، لا بقدرتك على الإضافة أو العطاء. حتى الكلمة الطيبة، تلك التى كانت تبنى جسورا بين القلوب، غدت تُستبدل برمز صغير يُرسل بلا روح. يا لمرارة هذا العصر، حين تفرح النفوس ب"إشعار" على الشاشة أكثر مما تفرح بابتسامة حقيقية من صديق أو لمسة حنان من قريب. وحين يظن البعض أن الصداقة تُحفظ بمتابعة، وأن المودة تُقاس بخانة "مشترك منذ". لكن الأخطر من ذلك أن الأجيال الناشئة تكبر على وهمٍ جديد: أن الوجود مرهون بالظهور، وأن القيمة هى "كم لايك جبت؟". وهكذا يتحول الطموح من بناء الذات إلى بناء حساب، ومن خدمة الوطن إلى خدمة "الخوارزمية". إن "اللايك" ليس عيبا فى ذاته، لكنه يصبح لعنة حين يحلّ محلّ المشاعر الصادقة، وحين يتحول إلى مقياس وحيد لقيمة البشر. الأمة التى تصنع تاريخا لا تُقاس بعدد ما تحصد من نقرات، بل بما تزرع من فكر وما تخلّد من أثر. فى النهاية بقى أن أقول ؛ فلنحذر إذن أن نُباع ونُشترى فى سوق "الإشعارات"، وأن نُصبح مجرد أرقام فى دفاتر وهمية. فالقيمة الحقيقية تُكتب فى القلوب والعقول، لا على جدار افتراضى عابر. يا سادة ؛ زمن اللايك لن يدوم إن وعينا قيمتنا، وأدركنا أن الإنسان أكبر من نقرة، وأعمق من قلب بلا روح.