سألتها: هل الرقص أصبح أسلوب حياة لشعب متدين بطبعه؟ فلاحقتني مجيبة: (بل الرقص أصبح أسلوب حياة لشعب مكبوت بطبعه.. أصل إحنا طلعنا شعب مكبوت سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.. إلخ).. فكان هذا باختصار تعليق صديقتي على كم الفيديو كليب التي أنتجتها صفحات السوشيال ميديا للسيدات والفتيات اللاتي تبرعن بوصلات رقص متتالية على أغنية "بشرة خير" عبورًا بأغنية "تسلم الأيادي" أمام اللجان الانتخابية أثناء فترة التصويت وما بعدها من احتفالات بفوز المرشح الذي كنّ يرقصن من أجل فوزه . ظاهرة مصنوعة يعلق ياسر محمود، باحث اجتماعي ورئيس موقع رسالة المرأة سابقًا على ظاهرة الرقص الجماعي للفتيات والسيدات أمام اللجان، والتي تكررت قبل ذلك أثناء التصويت على الدستور قائلاً: أولاً ينبغي ألا نعمم ونسحب هذا المظهر الراقص أمام اللجان الانتخابية على كل فتيات ونساء مصر؛ لأن من قمن بهذا السلوك قلة، كما أن الكثير من الفتيات والنساء يرفضن هذه الظاهرة قبل الرجال. ويتابع حديثه : ثانيًا أرى أن هذه الظاهرة، ظاهرة مصنوعة وليست تلقائية، بقصد إظهار حالة من الفرح والسعادة لخدمة مصالح وتوجهات سياسية معينة، بداية من صنع بعض الأغاني بكلمات وألحان لا تدع مجالاً لمن يسمعها إلا أن يهتز بدنه مع نغماتها. ومرورًا بتكرار هذه الأغاني على أسماع الناس ليلاً نهارًا في وسائل الإعلام المختلفة، وانتهاءً بتوفير الوسائط السمعية وأحيانًا البصرية لتشغيلها أمام اللجان الانتخابية، بل وتوفير المرأة الراقصة النموذج لتشجيع وتحفيز الأخريات ليقمن بهذا السلوك دون أن يشعرن بالحرج أو بالخجل. ويختتم الباحث الاجتماعي ياسر محمود حديثه: بل إن صناعة هذا المشهد الراقص لم يقتصر على السيدات فقط أمام اللجان الانتخابية، بل إن إحدى الأغنيات التي تدعو المصريين إلى التصويت للانتخابات صورت مصر كلها على أنها "كباريه" كبير يرقص فيه الجميع من صغار وكبار ورجال ونساء وشيوخ. ضد المرأة.. ضد الفن.. ضد الرقص ولكن د.سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي ورئيس قسم الطب النفسي بجامعة عين شمس، له رأي آخر في ذلك المشهد، حيث يقول ل"مصر العربية": الرقص علامة للفرح واختيار الرئيس.. وأيضًا علامة للكبت (لأنك لو شفتى الست البسيطة وهى بترقص وكأنها ما صدقت حاجة تيجى تفرح بيها عن نفسها وتخرج الكبت اللى جواها الكبت الاقتصادى وكبت ظروف الحياة الصعبة.. هاتلاقى الموضوع بسيط)، فالرقص الذى كان أمام اللجان ما هو إلا علامة للفرحة، (زى البنات اللى بيرقصوا فى أفراح صاحبتهم. عشان فرحانين بيها ما حدش بيقول حاجة وقتها ولا بيقول ده قلة أدب عشان عارفين إن ده فرح). أسباب سياسية ويتابع صادق حديثه متعجبًا من الذين أثاروا الموضوع ونشروا الفيديوهات بتلك الطريقة: (هى الناس دى مش عاجبها حاجة أصلاً طب ما الصوفيون بيرقصوا على أغانى خاصة بيهم.. والناس برضه ضدهم ومش عاجبهم ده.. اللى بيثير الموضوع ده ومكبره بيثيروه لأسباب سياسية بحتة. يعنى لو الرقص والغُنا ده كان لمرشح معين على مزاجهم ما كانش حد قال حاجة أو اتضايق، بالعكس كانوا هايفرحوا.. فهُمّا ضد التواصل ضد الفن ضد الرقص، والأهم إنهم ضد المرأة.. لأن فيه ثقافة عندهم ضد المرأة). تقليد أعمى وكبت سياسي وعن رأي الشيخ محمد الدومى إمام وخطيب بالأوقاف يقول: هذا الرقص وقبول الناس لهم سببه من وجهة نظري هو الكبت السياسي الموجود عند الناس، لكن هذا غير مقبول شرعًا وخلقًا، لأنه ينبغي أن نفرق بين حبنا لمرشح وتجاوزنا في التعبير عن حبنا وفرحتنا. كما أن له أثرًا سيئًا على التقدير من الدول الأخرى لنا، فكأن كل المصريين بهذه الصورة السيئة.. ومن أسباب ذلك التقليد الأعمى المنتشر في مجتمعنا بكل أطيافه فقد رقصت امرأة عند الاستفتاء على الدستور – فقلدتها بنات كثيرات.. وعن الناس التي تقبلت هذا الموقف ولم تنتقده، قال: (لأنه جاء على هواهم). حب استعراض ويختتم التعليقات د.عمرو أبو خليل الطبيب النفسي والمستشار الاجتماعي، قائلاً: موضوع البنات والسيدات اللاتي يرقصن أمام اللجان وما بعد اللجان لا يستحق التعليق، لأن هناك نوعًا من التسليط الإعلامي عليه لإلهاء الناس عن الظواهر الحقيقية التي تستحق الرصد والتحليل.. فنحن نعطي الأمر أكبر من حجمه أحيانًا.. ففي النهاية كم عدد من رقصن أمام اللجان؟ وكم منهن من صغيرات السن المثيرات؟ من أجل أن يستحققن كل هذا الاهتمام من صناعة فيديوهات وتشيير كليبات خصصت لهن.. العدد ضئيل ويعبر عن حالة مرضية. لتلك الفتيات، فقد يكون رقصهن جزءًا من حب الاستعراض، وقد تكون تعبيرًا عن جزء من مرض الهوس، ولكن الأمر لا يحتاج عناء التحليل أو البحث.. مقارنة بنساء مصر اللاتي يرفضن هذا السلوك.. فلا يجب أن نترك تحليل أمور مهمة كثيرة حدثت بالفعل ونهتم (بهز الوسط).