{ 'بابل أحرقت وجودها بالخوف'[2]، لعل هذه الجملة القصيرة/ الكبيرة\ تُمثِّل ثيمة رواية طويلة قياساً لما يجري في هذا الزمان؛ من نشر روايات قصيرة نسبيا؛ فهذه الرواية/ (لبابة السر) التي نحن بصددها\ نحو من 464 صفحة من الحجم المتوسِّط؛ مما كلَّف كاتبها عنتا، فقد شغلتْه طويلا/ كما يبدو\ وأهمَّتْه كثيرا، حتى كتبها بالطريقة التي قد يبدو جانب منها في هذا الموضوع المتواضع المتنبِّه إلى المهيمن الأكبر على الرواية، ألا وهو الخوف، وماذا يُهيمن على (العراق) العزيز، ومجمل الأقطار العربية/ عبر المائة سنة الماضية، والخمسين سنة القادمة\ غير الخوف؟! إنه المستقبل الغامض؛ المتجذِّر في تاريخ بائس؛ يحلمون بالرجوع إليه:- 'أمواج تحرك أعماق هاديس وتجعله ينهمر بنداءات متوجعة، متوسلا أنليل[3]، بأن يسهم بإعادة الفتى رفيق الصخور والحروف إلى عالمه المتوسل انتظاره، يمورُ سن[4] برذاذ الضوء وبحزن تمطر مدامعه ظلمة سرمدية، سن أيها الإله الطيب قبل لنا فتانا الذي أذهبه البوح إن أنت رأيته'[5]، فمَن (هاديس) هذا الذي يتوسل الراوي العليم؛ على لسانه إلى (أنليل)، أن يُعيد الفتى الرفيق للصخور والحروف إلى عالمه المتوسل انتظاره؟! (هاديس) هو إله العالم السفليِّ/ الذي لعله يُحبُّ المرقومات، والحكّائين\ مع ملاحظة أن (نابو)؛ هو شيخ الكُتّاب/ أو إلههم\ في (بابل)، وقد تجنَّبه المؤلِّف الفاضل، لكن إذا تأمَّلْتَ اسمه؛ وجدْتَ شيئا غريبا، فلو حذفْتَ السين من اسم (هاديس)، لَصار (هادي)، فهل الهادي/ عند المؤلِّف\ إله العالم السفليّ، أو خازن النيران؟!. مَن يدري؟! أما الإله الطيب (سن)/ إله القمر\ فمطلوب إليه أن يُقبِّل الفتى نفسه؛ الراوي للحكايات المعتادة ليلاً؛ المعروف في بابل؛ والذي تعرفه حتى الجدات. إنه/ إذاً\ كاتب/ راقم\ ليس متعاملا مع الصخور والحروف/ المقاطع\ فقط، لكنه رفيق لها، فهل تستطيع هذه الصخور/ بما عليها من حروف\ أن تُعبِّر عن كل ما يجيش في قلب الفتى الكاتب؟! لا شك في أن الصخور/ الرُقُم\ والحروف/ المقاطع\ ليست سهلة التحضير، كما هو حال الرسالة/ الحكْي\ الذي ينتقل من قلب الحاكي/ المرسِل\ إلى قلب المتلقّي/ المرسَل إليه\ بغضِّ النظر عمّا إذا كان الحاكي متعلِّما؛ قادراً على قراءة الرُقُم المسمارية، أم لم يكُن\ فالحكْيُ أنسب، بل أسهل/ كذلك \ على الحاكي، والمحكيِّ له، لكن الرقامة/ الكتابة\؛ أخلد. ولعل هذا الفتى الكاتب الحاكي/ الذي يطلبه (هاديس)، ويُرجى من (سن) أن يُقبِّله\ إنما هو روائيُنا (شوقي كريم)/ صاحب رواية (لبابة السر)، التي بين أيدينا\ فهل هذا معقول؟! لعله معقول، وهو ما ستكشف عنه الرواية المكوَّنة من رُقُم لا يصفها (شوقي) (ب(الطينية))، لكنه يكتفي بكلمة (الرُقُم). أما أنت/ ولأنك متلقٍّ حاذق\ فستكتشف/ في مجرى نهر الرواية\ أنها رُقُم طينية غير موصوفة؛ تُقدَّم كما لو كُنْتَ بإزاء رواية لمنقِّب عن الآثار؛ يروي لك أخبار تنقيباته، وترتيب نتائجها، أكثر من أن يُحاول ترتيبها بحسب وقائعها، فلعل الترتيب من مهامِّ غيره، فقد لا يكتشف الآثاريُّ رُقُم الموضوع الواحد؛ مرتَّبةً رقيماً بعد رقيم، ألا تراه يُعنون ما يُشبه الفصلَين الأول والثاني برَقَمّي رَقيمَيهما، بينما يُعنون ما يُشبه الفصل الثالث من الرواية بعبارة:- 'الرقيم الرابع 3'[6]؟! لقد كان الرقيم الرابع؛ ثالثا في ترتيب الاكتشاف، وبهذا، وبأمثاله/ مثل الرقيم الأخير 'الرقيم الحادي عشر- 17-[7]\ سيشعر المتلقّي باضطراب في الرواية؛ يحتاج فكرُه إلى تصويبه، فكم هُم الذين سيصلون إلى الترتيب الوقائعيِّ الصحيح للرواية؛ عبر تصويب ترتيب الرُقُم؟! بل مَن الذين سيعملون على إعادة ترتيب الرُقُم، وقراءتها بطريقة جديدة؛ أكثر دقة؟! أشعر أن (شوقي)/ إلى جانب عمل الآثاريين\ استلهم أسلوب ترتيب القرآن الكريم، وطريقة تدوينه/ كما هو بين الأيدي\ فهناك مصاحف قرآنية كريمة؛ تضع السورة القرآنية الكريمة، حيث ترتَّبت مصحفياً/ لا بحسب أماكن النزول، أو أزمانه\ لكنها تُحدد مكية السورة الكريمة، أو مدنيتها، بل تذكر الآيات القرآنية المكية، والأخرى المدنية؛ داخل السورة الواحدة/ إن كان في السورة تداخل بين الآيات المكية، والأخرى المدنية\ ومثاله:- سورة (الماعون)[8]، فمَن من المفسِّرين الكثيرين للقرآن الكريم؛ أعاد قراءة القرآن الكريم؛ على أساس أزمان النزول، وأماكنه، لا على الترتيب الحالي؟ لو أمكنتْ هذه القراءة، المعادة الترتيب، فلربما تتغيَّر مفاهيم كثيرة؛ مستقرّة في الوقت الحاضر؛ مثل هذا/ بلا تشبيه\ يقال، لو أُعيد ترتيب (لبابة السر)/ كما قدَّمها المؤلف\ لا بهذا الترتيب، فسيخلق قراءً لا حصر لهم، وتأويلات للرواية وأحداثها، لا تنتهي، لذلك، فسيصعب على أيٍّ منا نحن المتلقّون العاديون أن نزعم أنا على أيِّ مستوى من تصوُّر الحقّ، لكنها قراءتنا للرواية، وقد لا يكون للكاتب إلا قيادتنا إلى هذا الطريق القرائي الوعر؛ قاصدا أن نختلف حتما. هو/ الروائي\ لا يُقدِّم نفسه مجرَّد حاكٍ/ راوٍ عليم\ كما لا يخلق راوياً عليما ينوب عنه، ولا اكتشف مخطوطة يُحققها، مناقشاً كما فعل سواه من المحللين النفسانيين[9]، أو الروائيين[10]. إنه جعل نفسه مدوِّنا مسماريّا؛ يتعلِّم الكتابة المسمارية، ويُدوِّن الأحداث، عن طريقها، فهو يُقدِّم نفسه ناقلا، أو مترجما لما تمَّ تدوينه من هذه الرقُم غير المنظمة إلا على أساس من اكتشافها، لا على أساس ترتيب وقائعها بعد تدوين مؤلِّفها الحقيقيّ، البابليّ/ الذي يتقمَّص روحه\ لها، وكيف تترتَّب، وقد مرَّ (العراق) المسكين، بما مرَّ به، وجرى لشعبه ما جرى؟! 'وبهدوء جليل يترجل[11] من مركبته العظيمة، ينفض غبار رحلته اليومية ويؤشر إلي، تطير روحي مثل حمامة،وتغمض نفسي خوارج أبصارها، فجأة أجلس إليه سيدا بزي إله، لكنه بسيط ببساطة رعاة بابل وزراع حقولها ويقول- لم جئت يا شوقيا؟'[12] فمَن (شوقيا) هذا؛ الموجَّه إليه