ملخص البحث المنشور باللغة الانكليزية في المجلة المحكمة لأكاديمية العلوم التربوية الأمريكية / واشنطن المستخلص: جاء في هذه الورقة النقدية مقارنة موجزة عن موت المؤلف بين مدرستنا النقدية الجديدة التحليل والارتقاء مدرسة النقد التجديدية، وبين مدرستين نقديتين هما البنيوية والتفكيكية. تعرَّضنا بها بشكل موجز لمعرفة أنه من الخطأ والوهم موت المؤلف على أساس أنه كتب النص ومضى وبقي النص هو من يتكلم عن نفسه، لأن الكاتب هو انسان مبدع مستمر بالإبداع طالما توفرت ظروف ذلك، ولا يمكن القول بموت المؤلف في ظل المسيرة الانسانية اعتماداً على مقولة غير صحيحة انطلقت في ظل ظروف وتداعيات خاصة، ثم جاءت بعدها تداعيات لاحقة بعد الحرب العالمية الثانية من دعوات للإلحاد والتفكك البنيوي للمجتمع على اعتبار عدم وجود مركزية تامة لأنَّ التاريخ يعيد نفسه بالتتابع، وأنَّ النص يحمل ما لا نهاية من المعاني التي تبني وتهدم في ذات الوقت. نظرة عامة: ظهور الدعوات الحداثوية عبر التشكيك بالثوابت كما في المنهج التفكيكي والبنيوية نتيجة التداعيات اللاحقة بعد الحرب العالمية الثانية وصل لمجال الأدب بعد السياسة حين قالت التفكيكية بأنَّ النص يحمل الكثير من المعاني التي لا نهاية لها، تتولد منه معانٍ متجددة دون الاعتماد على أية مرجعية سابقة تاريخية أو اجتماعية، وغيرها حتى أنها نادت بموت المؤلف استناداً لما قاله نيتشه بمقولته الشهيرة بأن "الله مات، ونحن الذين قتلناه" والذي ترفضه الغالبية العامة من البشر، وهنا يعني أن موت المؤلف (الموت الأبدي كتعطيل للرأي) هو جزء من عملية التحليل ليبقى النص ولا شيء غير النص وفق متبنيات رائدها الفيلسوف الفرنسي جاك داريدا. بمعنى قراءة النص وفق رؤية تبني ثم تهدم، لتعود بالبناء والهدم من جديد الى ما لا نهاية، مثلها مثل الرؤية الفلسفية الماركسية التي تقول أن الأشياء تولد من فكرة، وهذه الفكرة تولد من رحمها فكرة جديدة لتولد منها فكرة لاحقة الى ما لا نهاية. أطلق داريدا ومن معه على ذلك تسمية القراءة السيئة (حركة بنائية ضد بنائية)، أي أنَّ كل قراءة جديدة تهدم التي قبلها وتنشئ جديداً لاحقاً لان دلالات النص حسب التفكيكية لا تنتهي أبداً. كل ذلك ارتكازاً على المقولات الفلسفية لِ (نيتشه) المتوفي عام 1900 والذي يعد عرّاب التفكيكية اضافة لِ (هيدغر)، عبر الدعوات الإلحادية، لذا يُعدّ نقد المركزية لديهم استناداً لموت الإله، وأنَّ التاريخ يعيد نفسه عبر محاور الحضور والغياب، وما يترتب على ذلك من آثار هي أهم الأسس في موت المؤلف وبقاء النص حياً. مشكلتنا نحن العرب تبقى بتعلقنا بالمفاهيم والمصطلحات الغربية تعلقَّ الوليد بوالدته، الذي أوجد شبه يأس بقناعات أنْ لا نقد عربي أصلاً إنما مجرد نقل ما موجود لدى الغرب وترجمته بلا تحليل ودراية، لذا نرى المفكر عبد الوهاب المسيري في كتابه" قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الانثى، الطبعة الثانية، نهضة مصر للطباعة والنشر، 2010، الصفحة" كيف يعلل تلك الحالة ويعلق عليها: "لذا ثمَّتَ غياب ملحوظ للبعد النقدي في الدراسات العربية والاسلامية للمفاهيم والمصطلحات الغربية. إذ أننا نكتفي دائماً بنقل أفكارهم من وجهة نظرهم دون أن نطرح أي أسئلة تنبع من رؤيتنا وتجربتنا التاريخية والإنسانية، ودون أن نتوجه الى القضايا الكلية والنهائية الكامنة في النصوص التي ننقلها ونشرحها، فنحن لا نسأل على سبيل المثال عما إذا كان الإنسان- كما يتمثل في النص الذي ننقله- كائناً مادياً بسيطاً أم كائناً يتجاوز المادة؟ ومن أين يستمد هذا الانسان معياريته: من قوانين الحركة، أم من شيء أكثر تركيباً؟ هل هناك هدف أو غاية في حياة الإنسان، أم أنَّ حياته نهب الصدفة والحرية العمياء؟ وأخيراً هل الإنسان هو مركز الكون القادر على تجاوز عالم المادة، أم أنه كائن لا أهمية له، يذعن لظروفه المادية وللحتميات الطبيعية؟ وإخفاقنا في تعريف البعد الكلي والنهائي هو السبب الكامن وراء ما نلاحظ من خلط بين المفاهيم، إذ يتم تصنيفها والربط أو الفصل بينها على أسس سطحية من التشابه والاختلاف."1 التحليل: بينما نرى في نظرية التحليل والارتقاء أنَّ ما تقوله البنائية كمنهج نقدي حداثوي في أن النص هو الجوهر فقط الذي يجب النظر اليه، وما تراه التفكيكية كمنهج أخير لاحق في أنَّ النص هو تعدد معاني لا نهاية لها بموت المؤلف وولادة معنى جديد متكرر بعيداً عن مركزية الوجود والموجد؛ هو في الحقيقة قتل متعمد لصانع الإبداع، والاستهانة بجهوده وطريقة تحليله للأشياء، سواء كانت نصاً أم عملاً آخر، بمعنى لا وجود لمبدع باعث مُنتِج، بل محض الصدفة من جاءت بالإنتاج ووضعته في الطريق كي يدلو كل واحد بدلوه معطياً المعنى الذي يرغب به، وبعدد البشر اللانهائي تكون لدينا نتائج متنوعة مختلفة تبني وتهدهم حسب زعم داريدا، وهذه هي عين السفسطة النقدية الفارغة، التي سار عليها الكثيرون مع الأسف من العرب الذين أسموا أنفسهم نقاداً، لا يحلو لهم غير تسطير المصطلحات المتناثرة المقتبسة من بيئة تختلف جذرياً عن بيئتهم، اعتزازاً واحتراماً لشخص لا يعرفهم، ولا يعرفونه عن قرب وربما يمقتهم في قرارة نفسه! ولا غرابة إذا قلنا أن التفكيكية بالأصل تعسى لتفكيك الانسان، وليس ما يصنعه الانسان، تحويلياً من كائن بشري ضمن الإنسانية، الى كائن فرد منعزل ذائب في الطبيعية، وتغيير المنهج الإبداعي، الى منهج استثمار مادي تغلب عليه اللذة حسب مفاهيم الفلسفة الرأسمالية، أي أنَّ عمق الجوهر هنا هو: "تغييب الإنساني وتفكيكه وتقويضه، وتذويبه إما في عالم مركزه الطبيعة، أو في عالم لا مركز له."2 كما يضيف المسيري في الصفحة السابعة من كتابه. هذا هو جوهر المدرسة التفكيكية، ومنه انطلق مبدأ موت المؤلف لأنه بالأصل ذاب وانتهى، ولا قيمة له اعتبارية أو وجودية، حتى لم يعُد كونه العضو الفاعل الأول في الانبعاث الفكري. إنَّ تقويض قيمة الانسان هي تقويض قيمة المبدع بكل صوره، يُنظرُ اليها نظرة متناقضة حين تتزاوج قيمتان يراهما نيتشه أنهما معاً متحدتان؛ الإنسان السوبرمان، والإنسان الأدنى. بمعنى انسان القوة الشرسة المسيطر على الطبيعة ومادياتها، والإنسان الضعيف المتلاشي حسب مفهوم الذوبان والعدم. توالُد هذا الصراع المتناقض انسحب على الأدب بعد الحياة العامة، وأنتج نظرية تائهة في حقيقتها، لكن لها اتباعاً ومريدين من مختلف الأنواع؛ أطلقوا كتأسيس قويم مصطلح موت المؤلف لأن الله مات ونحن الذين قتلناه، حاشاه تعالى عن هذه الصفات. فلسفة المخادعة: في كتاب نظام التفاهة ل (آلآن دونو) استاذ الفلسفة والعلوم السياسية في جامعة كيبك الكندية تنقل المترجمة عن الكاتب أورليش بيك من كتابه مجتمع المخاطر هذه العبارة " المقصود من الحديث باستخدام لغة كهذه إلاّ المزايدة اللغوية لكسب الرهان بإيقاظ اهتمام الرأي العام إذ لا هي تعدو بالنهاية أن تكون محض لغو، بل قد تفوق ذلك أيضاً وتصل الى حد التكلف، التحمل، الادعاء، التخمين، والاستنتاج من مقدمات غير ثابتة"3. بمعنى اثارة فوضى من أجل استمالةٍ ربما عاطفية، أو أيديولوجية بلغة مختلفة عما متعارف عليه كواقع نقدي جديد للحياة من ضمنه الأدب، وما يؤكد ذلك حسب رأينا كخلاصة نهائية ترويه مترجمة الكتاب عن المفكر الجزائري مالك بن نبي: " لَكَم رأينا أناساً يتصدرون الحياة العامة، فيتناولون الاشياء لمجرد التفاصح والتشدق بها، لا لدفعها ناشطة في مجال العمل. فكلامهم في هذا إلاّ ضرباً من الكلام، مجرد من أية طاقة اجتماعية، أو قوة اخلاقية، على الرغم من أنَّ هذه القوة هي الفيصل الوحيد بين المواقف الفعالة، الأخلاقية والمادية."4 هذه الآراء لا نختلف معها ضمن منهجنا النقدي في نظرية التحليل والارتقاء مدرسة النقد التجديدية، وهي تعاكس بالضد من أن المؤلف يموت بعد كتابة نصه استناداً لمقدمة خاطئة أسماها أورليش بيك: "مقدمات غير ثابتة". تلك المقدمة التي اُسست عليها النظرية التفكيكية وهي تنادي بموت الإله. عرّف (آلآن دونو) في كتابه نظام التفاهة تلك اللغة باللغة الخشبية من خلال مقارنة واستحضار لغة ابتدعها الكاتب البريطاني جورج أورويل في روايته المعروفة بإسم "1984" لتكون لغة مليئة بالاستعارات والكلمات الطَّنانة التي لا معنى لها. ويضيف أنَّ لأورويل مقالاً شهيراً بعنوان "السياسة واللغة الانكليزية" كتبه عام 1946 أورد فيه أنَّ عادات الكتابة الخشبية مُستَفحَلَة، أكثر ما يكون في أوساط السياسيين"5. القيمة الانسانية للمؤلف اتصالياً: تنظر نظرية التحليل والارتقاء الى أنَّ المؤلف هو موظف عام يعمل لدى الانسانية بما ينتجه من انبعاث ابداعي مستمر طالما يشتغل بوظيفته، لحين احالته على التقاعد، أو لأسباب قاهرة تخرجه عن تلك الوظيفة كالمرض العضال أو الموت المفاجئ، لكنه يبقى ذا أثر فعال بما ترك وراءه من أعمال لا يمكن نسيانه، وبذا فهو حيّ لن يموت عبر المسيرة الزمنية. مادامت المسيرة الانسانية لن تتوقف بما يُنتج يومياً، والكاتب المبدع فيها صاحب رسالة أو مجموعة رسائل اتصالية كأهم عنصر في عملية الاتصال الجماهيري المرتكِزة على أهم عناصر الاتصال الأربعة: المرسل، الرسالة، الوسيلة، والمستقبِل فهو اذن ضمن عملية تواصل الاجيال بنقل الثقافة من جيل الى آخر لا يمكن عدَّه ميتاً بالإبقاء على رسالته فقط دونه أبداً، على العكس تماماً مما تراه المدرسة التفكيكية التي تركت الجوهر الحقيقي لمجمل نوعية الابداع ودلالات أنساقها الفكرية وحتى الانسانية، لتنظر اليه نظرة دونية مادية فقط، سطحية غافلة عن تلك الماهيَّة المحركة، وبذا تتناقض التفكيكية من جديد مع ما يدعو اليه نيتشه بعدم النظر السطحي لقشور النص وترك الجوهر. والى ذلك نجد أنَّ المؤرخ والكاتب الانكليزي ويلز (H. Wells) يبين أنَّ: "تطور التاريخ الإنساني هو ظاهرة اجتماعية واحدة تدفع بالإنسان الى الاتصال بأخيه الانسان، في مكان آخر أو مجتمع آخر، وهو بذلك ينظر الى قصة التطور التاريخي البشري على أنها قصة تطور عملية الاتصال حيث يقسمها الى خمس مراحل وهي: الكلام، الكتابة، واختراع الطباعة، والمرحلة العالمية، واخيراً الاذاعة والاتصال الالكتروني. وفي هذه المرحلة الأخيرة لتطور الاتصال أصبح للوسائل الإلكترونية دوراً مهماً في حياة المجمع، واستطاع نقل أفكاره ومشاعره عبر الحواجز الجغرافية المحدودة باستخدام أجهزة المذياع، ثم التلفزيون وأخيراً شبكة الإنترنت."6 النتيجة: لأنَّ كل نظريات علم الاتصال ترى أن العملية الاتصالية إنْ لم يُنظر لها عبر المرسِل، الرسالة، والوسيلة لتُنقَل الى مستقبِلٍ متلقٍ متفاعل بالرفض أو القبول فإن تلك الرسالة الإعلامية تعد فاشلة، في حين نرى التفكيكية تنظر للرسالة (النص) فقط دون بقية العوامل المؤثرة ومنها المرسل (المؤلف) الذي هو الباعث الحقيقي، ولولاه لما كانت هناك رسالة تؤدي دورها المطلوب؛ حتى إنَ التعريف الدقيق والصحيح للاتصال ينطلق من معنى المشاركة لأنها وظيفته المُحددة في تبادل الأفكار، الحقائق، المعلومات، والمواقف من شخص أو جماعة لأخرى، أو من جماعة لجماعات ثانية. اضافة الى أنَّ الاتصال حسب تعريف مايكل ويسترون (M. Weestroun) يعني: " نقل المعاني وتبادلها بأسلوب يفهمه أطراف الاتصال ويتصرفون وفقه بشكل سليم". بينما يرى بشير العلاق أنَّ الاتصال هو: "أحد ركائز التوجيه، حيث ينطوي عل تدفق المعلومات، التعليمات، التوجيهات، الأوامر، والقرارات من فرد أو مجموعة الى أفراد أو مجاميع، بغرض الإبلاغ، التأثير، أو إحداث التغيير باتجاه بلوغ أهداف محددة مسبقاً"7 استناداً الى واحدة من ركائز عملية الاتصال وهي التغذية المرتدة يمكن للمرسل (المؤلف) أن يعرف مدى تأثير رسالته وهل حققت هدفها أم لا عن طريق رجع الصدى ومدى القبول. هنا يمكن للمرسل كباعث مُنتج تعديل رسالته أذا صاحبها الغموض حين لا تُفهم عن طريق التعديل الفوري في الاتصال المباشر، أو عن طريق التعديل اللاحق برسالة جديدة اذا كان الاتصال بصورة غير مباشرة كنشر كتاب فيه بعض الحقائق الغامضة التي لم يفهما المتلقي الذي يفسح له المجال بنشر كتاب لاحق في تفصيلات جديدة أكثر صراحة. هذه الخطوة من الخطوات المهمة الجديدة في علم الاتصال لاسيما في عصر المعلوماتية الذي يتيح وصول الرسالة بسرعة، ومعرفة توافقيتها مع المُرسَل اليه. فكيف يموت المؤلف حين ذاك حسب التفكيكية وغيرها؟ ……………….. الهوامش: 1- عبد الوهاب المسيري، قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الانثى، ط2، نهضة مصر للطباعة والنشر، 2010، ص3 2- المصدر السابق، ص7 3- نظام التفاهة، آلان دونو، ترجمة د. مشاعل عبد العزيز الهاجري، دار سؤال للنشر، بيروت، 2020، ص29 4- المصدر السابقص29 5- مصدر سبق ذكره ص30 6- بشير العلاق، نظريات الاتصال مدخل متكامل، دار اليازوري للنشر، ص57