بسبب سوء الأحوال الجوية.. تعطيل العمل والامتحانات بجامعة جنوب الوادي    محمد جبران رئيسًا ل«المجلس المركزي» لنقابات العمال العرب    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 27 إبريل 2024    بالصور.. رفع المخلفات والقمامة بعدد من شوارع العمرانية    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    جماعة الحوثي تعلن إسقاط مسيرة أمريكية في أجواء محافظة صعدة    شهداء وجرحى جراء قصف طائرات الاحتلال منزل في مخيم النصيرات وسط غزة    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    قطر تصدر تنبيها عاجلا للقطريين الراغبين في دخول مصر    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    كلاكيت ثالث مرة.. الأهلي والترجي في نهائي دوري أبطال أفريقيا    بهدية الأهلي.. الترجي وصن داونز يصعدان لكأس العالم للأندية 2025    موعد مباراة الأهلي والترجي التونسي في نهائي دوري أبطال أفريقيا    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    علي فرج يهزم مصطفى عسل ويتوج بلقب بطولة الجونة الدولية للإسكواش    نهائي دوري أبطال أفريقيا.. تعرف على موعد مباراة الأهلى والترجي    رد حاسم من وائل جمعة على مقارنة كولر بجوزية    الأهلي يهزم مازيمبي ويتأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    السيطرة على حريق في جرن قمح بقنا    %90 من الإنترنت بالعالم.. مفاجأة عن «الدارك ويب» المتهم في قضية طفل شبرا الخيمة (فيديو)    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    خاص.. أول تعليق من مها الصغير بشأن انفصالها عن أحمد السقا    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    علي الطيب: مسلسل مليحة أحدث حالة من القلق في إسرائيل    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة "باتريوت" متاحة الآن لتسليمها إلى أوكرانيا    أوكرانيا: تسجيل 79 اشتباكا قتاليا على الخطوط الأمامية للجبهة مع الجيش الروسي    محافظ القاهرة: حملة لرفع الإشغالات وإعادة الانضباط بشبرا    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    "مخاطر الهجرة غير الشرعية ودور الجامعة في الحد منها" ندوة آداب الوادي الجديد    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    ناهد السباعي تحتفل بعيد ميلاد والدتها الراحلة    سميرة أحمد: رشحوني قبل سهير البابلي لمدرسة المشاغبين    أخبار الفن| تامر حسني يعتذر ل بدرية طلبة.. انهيار ميار الببلاوي    بلاغ يصل للشرطة الأمريكية بوجود كائن فضائي بأحد المنازل    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    ذوي الهمم والعمالة غير المنتظمة وحماية الأطفال، وزارة العمل تفتح الملفات الصعبة    أسعار النفط ترتفع عند التسوية وتنهي سلسلة خسائر استمرت أسبوعين    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    برلماني: استرداد سيناء ملحمة وطنية تتناقلها الأجيال    محافظ القاهرة: تطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال بكل حزم    الزراعة: إصلاح الفدان الواحد يكلف الدولة 300 ألف جنيه    فصل طالبة مريضة بالسرطان| أول تعليق من جامعة حلوان.. القصة الكاملة    العمل في أسبوع.. حملات لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية.. والإعداد لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    الكشف الطبي بالمجان على 1058 مواطنا في دمياط    أحمد فايق يقدم نصائح لطلاب الثانوية العامة عبر «مصر تستطيع»: «نجتهد دون قلق»    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبيل عجوه يواصل كتابة سلسلة مقالاته عن أفلا يتدبرون؟ ..التى أحصنت فرجها ( مريم )
نشر في الزمان المصري يوم 02 - 07 - 2020

انتهيت من سرد قصة أولى الأمهات الخالدات وهى أم البشر حواء عليها السلام. ورأينا كيف كانت طبيعة خلقها؟ وأتها خلقت من نفس آدم ومن ضلعة. ورأينا طلاقة القدرة وأن الله على كل شىء قدير. واذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. خلق آدم دون أب ولا أم. ثم خلق له من نفسه زوجه حواء. فاحترت فى الشخصية التالية حيرةً شديدةً الى أن هدانى اللهُ الى الشخصية التالية. قلتُ فى نفسى أستكمل مع عظمة الشخصية. عظمة قدرة الله الخالق فتكون الشخصية هى الأخرى خارقةً للعادةِ. أتكلم عن مريم الصديقة التى أحصنت فرجها فَنَفخُ فيها من روح الله لتحمل بنبى صلى الله عليه وسلم هو روح الله وكلمته بلا أب. فيالها من طلاقة قدرة لله جل وعلا. فأبحرت فى بطون الكتب والتفاسير والمراجع, علنى أصل الى بغيتى وطرح المعلومة بشىء فيه جده وبساطة حتى لا يتوه القارىء معى. كما تهت بين الأراء والأبحاث. منقياً الصحيح والأقرب الى النقل والبعد عن علم الكلام والفلسفة فلنبدأ وبالله التوفيق.
أن أفعال الله تعالى صادرةً بارادة عنه وباختيار منه فقدم الله سبحانه وتعالى بعض خلقه عمن سواهم كما فى ايثاره البعض على الأخر. ومن مشيئته. مشيئة هى من قبيل الاجتباء كأن يخص بعض خلقه بفيض من نعمه دون سعى أو اجتهاد من المنعم عليه كاجتبائه سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله ومن يقاربهم فى المنزلة كالشهداء والأولياء ومنهم من يجتبيهم اجتباء لا تشوبه شائبة بوجه من الوجوه وهذا هو الإصطفاء ومن الذين اجتباهم الله واصطفاهم من خلقة ال عمران اصطفى عمران بن ياشهم بن أمون بن منشا بن حزقيا بن أحزيق بن يوثم بن عزاريا بن أمصيا بن ياوش بن أحزيهو بن يارم بن يهفاشاط بن أسابر بن أبيا بن رحبعم بن سليمان بن داود بن إيشا وزوجه حنا بنت فاقوذ. واشتهرا فى بنى اسرائيل بالصلاح والتقوى والذكر وحسن السمعة وكانت حنا عاقراً لا تلد. وكانت قد بلغت من الكبر حداً ليس فيه رجاءً من الولد. فذات يوم وهى جالسة بظل شجرة رأت طائراً يطعم فرخه. ففجر فيها ينبوع الأمومة. واشتاقت الى الولد فدعت ربها ان يهبها ولداً تقر به عينها وترفع به عار العقم فى قومها. استجاب الله لدعائها وحاضت بعد أن انقطع طمثها. فلما تطهرت من الحيض واقعها زوجها فحملت منه. ومات زوجها لما بدأت علامات الحمل عليها. نذرت لله نذراً. ان تجعل ما فى بطنها فى خدمة المعبد والهيكل المقدس عندهم. فقالت (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) ال عمران وكان فى اعتقادها انها حامل بذكر فلما وضعتها. ( فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ )
فلما وضعتها انثى حزنت حزناً شديداً لأنها أنثى. ومعروف ان الإناث فى شريعتهم لا يخدمن فى الهيكل او المعبد المقدس. فضاقت ذرعاً حتى أذعنت الى أمر الله وسكنت نفسها وهدأت سريرتها. يقول الله (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) ال عمران. وفى سياق مناجاتها اللطيفة سمتها مريم. تيمناً بمريم أخت موسى وهارون. وتقرباً الى الله أن يحفظها ويعصمها ويصدق ظنها فيها. وعملت امرأة عمران على أن يكون مقصودها كله طاعة لله ونيل رضاه. فقبل الله هبتها ونذرها بابنتها لخدمة بيته. وكان هذا النذر للذكور دون الإناث. ولكن كان هذا تكريماً من الله لمريم وانزالها المكانة العالية. وترقى فى قبول النذر. وتقبله لدرجة أن أقامها مقام المنقطع لله فى العبادة من الذكور. لذلك قال تعالى(فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا) بقت مريم فى حضانة والدتها ثلاثة أعوام تولاها ربها بالإعداد الطيب والتربية الحسنة والتهيئة والاستعداد لما نذرت من أجله. وهيأ لها من منازل الرفعة ومراتب السمو ما هى أهل له وخليقه به. وبذلك كانت مريم فى صغرها كالنبتةِ الطيبةِ. جميلةُ الشكلِ بهيةُ المنظر ذات حسنِ وملاحةِ وجمالِ. وبعد أن أكملت مريم عامها الثالث حملتها أمها الى المعبد وفاءً لنذرها وسلمتها لكهنته المعبد ومن فيه. ليتولوا أمرها والقيام على رعايتها وتنشأتها تنشئة لله. ولما كان ابوها عمران صاحب مكانة دينية واسعة. فكان من العباد وامام العابدين لله. اراد نفر من الكهنة أن يستأثر بكفالة مريم ووقع بينهم الخلاف. فاتفقوا فيما بينهم على أجراء قرعة. بان تكتب اسماءهم فى ورقة ويسحبها أحد الأطفال. فعمدوا الى تلك الفكرة وسرعان ما اختلفوا لتفشل هذه الفكرة. ورأوا اقتراح آخر. وكان زكريا زوج خالتها الياصبات هو الاخر يريد كفالتها على اساسين الأول أنه كان من كبار عباد المعبد وكان نبيهم. والثانى أنه زوجاً لخالتها والخالة بمثابة الأم. فهى الأقدر على رعايتها والحفاظ عليها لاسيما أنها أنثى. وقوبل هذا الطلب بالرفض واقترحوا أن يرمى كل واحد قلمة الذى يكتب به فى نهر الأردن والقلم الذى يسير عكس اتجاه الماء هو الذى يكفل مريم. فعمدوا الى ذلك فكل الأقلام سارت مع الماء الا قلم زكريا. سار عكس الماء فحدث اعتراض منهم فأعادوا الكرة ثانية. وكانت مشيئة الله وارادته هى الغالبة وللمرة الثانية كان قلم زكريا يشير أنه هو من وقع عليه الاختيار فى كفالتها وتعهدها داخل المعبد. كما قال الله تعالى (ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)ال عمران وأتخذ زكريا غرفة فى المعبد لمريم يتعدها هو وخالتها فقط ولا يدخل عليها أحد سواهما لتتعبد فيها مريم. ومنها تخرج لأداء ما عليها من واجبات تجاه المعبد حتى اذا كبرت مريم وحاضت كان زكريا يخرجها الى بيت خالتها لتستكمل حيضها هناك ثم تتطهر و تعود ثانية الى المعبد. وفى تلك الأشهر التى أعقبت البلوغ وسن التكليف أرسل الله سبحانه وتعالى رسله الكرام لإخبار مريم باجتبائة لها واختيارها. تمهيداً واعداداً لميلاد عيسى ونبوته فقال تعالى (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ. يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (42_ 43) ال عمران الملفت للنظر هنا ان الله سيحانه كرر الاصطفاء على مسامع مريم مرتين فى الآية. الأمر الذى يفهم منه أن الاصطفاء الأول حين تقبلها من أمها وأنبتها نباتاً حسناً ورعاها وحفظها وحماها وطهرها. والاصطفاء الثانى حين تم اختياره لأن تكون أماً لنبى معجزة ودليل على قدرة الله سبحانه وتعالى اذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فسبحان الذى بيده ملكوت كل شيىء واليه ترجعون. فمن هنا فضلت مريم على نساء العالمين من لدن حواء الى أخر امرأة حتى قيام الساعة. فأمرها أن تكثر من الصلاة والعبادة والخشوع له سبحانه. وقد فضلها على سائر النساء بان أمرها أن تصلى وتركع مع الراكعين. وكان ذلك للرجال دون النساء فى المعبد. دليل على علو مكانتها وانه فى انتظارها مجد تليد الى يوم القيامة. انظر الى أثار رحمت الله. وجاء الموعد فقال الله تعالى موحياً اليها على لسان ملائكته (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)ال عمران. يبدأ حديث القرآن الكريم فيقص علينا أن مريم قد نأت بنفسها عن أهلها وعن الناس فى مكان لا يراها فيه أحد بعدما سمعت كلام الملائكة وكأن الله أراد تهيأتها لأمر هام غير معتاد، حيث قال تعالى {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا} (مريم:16)، وأخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه أرسل اليها روحه. المقصود( جبريل عليه السلام) على هيئة رجل فى تمام الرجولة: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا} (مريم:17)، وكان رد فعل الفتاة العذراء على هذا الموقف المفاجئ ، أن استعاذت بالله ممن فاجأها على غير ميعاد، فقالت له: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} (مريم:18)، وكان جواب المَلك لها مطمئناً لقلبها، ومهدئاً من روعها: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} (مريم:19)، فأجابته مريم عليها السلام جواباً فطرياً ناظراً إلى الأسباب، فقالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} (مريم:20)، غير أن المَلك أخبرها بأن خالق الأسباب والمسببات لا يعجزه شيء، وأن الأمر بيده قد يُجري الأمر من غير سبب، وأن الغرض من خرق الأسباب أن يبين للناس قدرته سبحانه على كل شيء، وأن يجعل للناس آية يعتبرون بها؛ ليعظموا هذا الخالق الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وليقدروه حق قدره،
وفي مشهد آخر يخبرنا القرآن الكريم أن مريم الفتاة الطاهرة العفيفة المقيدة بمألوف البشر في الحياة، قد تلقت البشارة كما يمكن أن تتلقاها فتاة، واتجهت إلى ربها تناجيه، وتتطلع إلى كشف هذا اللغز الذي يحير عقل الإنسان، فقالت: {رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر} (آل عمران:47)، وجاءها الجواب يردها إلى الحقيقة البسيطة، التي يغفل عنها البشر؛ لطول ألفتهم للأسباب والمسببات الظاهرة، ولعلمهم القليل، {قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} (آل عمران:47)، وحين يُرَدُّ الأمر إلى هذه الحقيقة الأولية يذهب العجب، وتزول الحيرة، ويطمئن القلب، وتهدأ النفس؛ وتعود مريم إلى نفسها تسألها في عجب: كيف عجبت من هذا الأمر الفطري الواضح القريب!!
وقد ذكر ابن كثير أنه لما ظهرت مخايل الحمل على مريم عليها السلام، وكان معها في المسجد رجل صالح من قراباتها، يخدم معها البيت المقدس، يقال له: يوسف النجار، فلما رأى ثقل بطنها وكبره، أنكر ذلك من أمرها، ثم صرفه ما يعلم من براءتها ونزاهتها ودينها وعبادتها، ثم تأمل ما هي فيه، فجعل أمرها يجوس في فكره، لا يستطيع صرفه عن نفسه، فحمل نفسه على أن عرض لها في القول، فقال: يا مريم! إني سائلك عن أمر، فلا تعجلي علي، قالت: وما هو؟ قال: هل يكون قط شجر من غير حَبٍّ؟ وهل يكون زرع من غير بذر؟ وهل يكون ولد من غير أب؟ فقالت: نعم -فهمت ما أشار إليه- أما قولك: هل يكون شجر من غير حب وزرع من غير بذر؟ فإن الله قد خلق الشجر والزرع أول ما خلقهما من غير حب، ولا بذر. وأما قولك: وهل خَلْقٌ يكون من غير أب؟ فإن الله قد خلق آدم من غير أب ولا أم. فصدقها، وسلم لها حالها .ثم يأتى قول ربنا شارحاً كيف استمر الوضع فقال مخاطباً إياها: {كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا} (مريم:21).فارادهُ الله سبحانه وتعالى وقعت على مريم وحملت فى بطنها جنيناً هو نبى معجزة. (عيسى عليه السلام كما سماه الله){فحملته فانتبذت به مكانا قصيا} (مريم:22). وقد ذكر ابن كثير أن غير واحد من علماء السلف ذكروا أن المَلَك -وهو جبريل عليه السلام- نفخ في جيب درعها، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج، فحملت بالولد بإذن الله تعالى. فلما حملت ضاقت ذرعاً به، ولم تدر ماذا تقول للناس، فإنها تعلم أن الناس لا يصدقونها فيما تخبرهم به، لكنها قد أفشت سرها لخالتها الياصبات. ومن حيث أن زكريا قد سأل الله الولد أثناء رعايته لمريم وكان يدخل عليها فيجد عندها الطيبات من الرزق والمعجزة فى هذه الطيبات أنه كان يجد فاكهة الصيف فى الشتاء والشتاء فى الصيف لدرجة أبهرته وبرؤية النبى علم انها معجزة من لدن رب السماء, فسألها يا مريم أنى لك هذا. قالت هو من عند الله أن الله يرزق من يشاء بغير حساب. ففهمت مريم زكريا أن كل شىء بأمر الله وبمشيئته وأن قدرة الله عظيمة. فتذكر حال نفسه فدعا ربه قائلاً رب لا تذرنى فرداً وأنت أحكم الحاكمين. وأقبل على ربه داعياً ومناجياً دعاء ومناجاة بقيت سراً لا يطلع عليه أحد حتى مريم التى كانت فى جواره. لا تشوبهما شائبة من رياء النفس وحظوظ الدنيا. راجيا بكتمانها القبول من الله سبحانه وتعالى. فقال الله فى قرآنه (قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ 0لْعَظْمُ مِنِّى وَ0شْتَعَلَ 0لرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنۢ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) واستجاب الله لزكريا ونادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن الله يبشرك بيحيى قال (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ)ال عمران (39)وهذه آيه أخرى فى الاعجاز والقدرة الالهية. لأن ما حدث خارق للعادة فكيف برجل كبير طاعن فى السن وامرأته عاقر. أن يرزق بالولد لولا اللطف والعناية والقدرة الالهية بدليل أن زكريا لم يصدق وسأل سؤال استخبار. يريد معرفة كيف سيكون له ولد فقال (قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَٰمٌ وَقَدْ بَلَغَنِىَ 0لْكِبَرُ وَ0مْرَأَتِى عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ 0للَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ ) وأجاب زكريا كالمستفهم لا كالمنكر والمتعجب تعجباً يشوبه الشكر والعرفان. والمعترف بأن هبة الله وعطيته خارقة للعادة. وبلطف الله وعنايته بدأ الحمل وطلب زكريا من الله آية يستدل منها على الحمل فقال ربى اجعل لى آية قال آيتك الا تكلم الناس ثلاث ليال الا رمزاً. وآية الله لزكريا الا يكلم الناس ولا يطيق الكلام معهم واذا دفعته الضرورة يكلمهم بالإشارة والرمز. وبدأ الحمل ووضعت الياصبات يحيي. وأشرت هنا الى دور زكريا فى معرض الحديث لسببين الأول وهو المهم انه كان المنوط به كفاله مريم فلابد من الإشارة اليه. والثانى لإيضاح طلاقة قدرة الله جل وعلا وقبول ايضا دعائه ومنحه الولد. لا للتطويل او الإسهاب ولكن لضرورة حاكمه فى الموضوع. ونعود ثانية الى مريم فاجأها المخاض وهى وحيدة فريدة تعانى حيرة العذراء ولا أحد معها ولا معين الا رب العالمين وهو كل شىء. فمن كان الله معه فمن عليه. فهى تمنت أن تكون نسى منسياً اى لبناً مسكوباً وماتت ولم يحصل لها ذلك. لكنها ارادة الله ومشيئته وتولاها برحمته ولطفه.
{فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} (مريم:23). وفي حدِّة الألم، والوحدة والصعوبة. ومعاناة الوضع وآلامه {فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} (مريم:24)، يا لقدرة الله! طفل وُلِدَ اللحظة يناديها من تحتها، يطمئن قلبها، ويصلها بربها. ثم ها هو ذا يرشدها إلى طعامها وشرابها! فيقول لها: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} (مريم:25)، فالله سبحانه لم ينسها، ولم يتركها، بل أجرى لها تحت قدميها جدول ماء عذب، ونخلة تستند إليها، وتأكل منها تمراً شهيًّا، فهذا طعام وذاك شراب. ليس هذا فحسب، بل ويدلها على حجتها وبرهانها! فيقول لها: {فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} (مريم:25)
ثم ينتقل حديث القرآن عن مريم عليها السلام إلى مشهد جديد، بعد أن وضعت حملها، وهدأت نفسها، إنه مشهد القوم الذين تنتسب إليهم، وهي الآن بينهم، تحمل طفلها، الذي هو فلذة كبدها. لكن ماذا سيقولون لها، وعهدهم بها أنها لم تعرف زوجاً فيما مضى، وأنها حسنة السمعة بينهم، شريفة النسب، {فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا * يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} (مريم:27-28)، بيد أن مريم لم تحرك حتى شفتاها، بل أشارت إلى وليدها، وكأن الله ألهمها أن هذا الوليد هو البراءة والدليل والبرهان الواضح لها على طهارتها و سوف ينطق بالحقيقة التي تُخرس الألسنة، وتلجمها عن الحديث فيما هو غير مألوف من حياتها، {فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} (مريم:29)، لم يعقل وسخروا منها وصور المشهد القرآن الطفل وهو ينطق بحقيقة ما حدث، وواقع أمره وما جاء به: {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا * وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا * والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} (مريم:30-33)، فهو أولاً وقبل كل شيء عبد لله، ولم يقل: أنا الله، ولا ابن الله، بل قال: {إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا}، إلى أن قال: {وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم} (مريم:36)، فقد أنطق الله الطفل؛ ليبين حقيقة العلاقة بين الخالق والمخلوق، والغاية من هذا الخلق الإنساني العجيب. وهكذا ارادة الله ومشيئته قد اعد مريم واجتباها واصطفاها لأنها ستكون معجزة خاصة وأماً بشكل مختلف لنبى من أولى العزم من الرسل هو خلق خاص دون أب وهذا دليل قدرة خلق من قبل أول البشر دون أب وأم وهذا أمر ليس بعجيب على قدرة الله تعالى وخلق ثانية خلق بأم دون أب هو عليه أهون . وأمرها الله تعالى باتخاذ الأسباب وذلك بهز جذع النخلة، لتساقط عليه الرطب، وهو قادر أن يقول للشيء كن فيكون.
ولله درُّ القائل:
ألم تر أن الله أوحى لمريم
وهزي إليك الجذع تساقط الرطب
ولو شاء الله أحنى الجذع من غير
هزها إليها ولكن كل شيء له سبب
فلو ترك الناس الأسباب بالجملة لهلكت الأرض ومن عليها كان ذلك المولود الجديد لمريم الطاهرة – عليها السلام- الذي خافت به من الريبة والفضيحة نصرًا مؤزرًا لها، رفع الله به مقامها وأعلى شأنها، وأصبحت من خير نساء العالمين، وأنزل الله سورة قرآنية باسمها – «سورة مريم»- تتلى إلى يوم القيامة… ولهذا فإن مقياس النصر لا يكون دائمًا من خلال الظواهر، ولا بالنتائج، وإنما قد يكون النصر من خلال ظواهر أحداث قد لا تسرّ عامة المسلمين، وإن كانت هذه الأحداث في لبها هي عين النصر، وإن كان في الآجل وليس في العاجل.
فليس النصر بما تشتهيه الأنفس؛ فإن الغيث النازل من السماء رحمة للناس، ولكن لا يشترط أن يبقى على سطح الأرض حتى يروه، فهو رحمة وإن اختفى في باطن الأرض، وإن نصرهم وظهورهم بقدر حبهم وبذل جهودهم ومساعيهم وطاقتهم وإخلاصهم في كل ذلك.. ورب تأخير الوصول إلى تحقيق المقصود خير من التعجل في الوصول إليه يتبعه انكسار ونكسة وتراجع.
وهكذا نفذت الصديقة الطاهرة العفيفة النقية أمر ربها وإن بدا في ظاهره بابًا لتتعرض للأذى من قومها، ويحاولوا التخلص منها… لكن الله تعالى كفاها شر الأعداء وجعل كيدهم في نحرهم وأفسد عليهم رأيهم.. فكان ذلك الأمر الباب الكبير لرفع مقامها في عليين وتخليد اسمها إلى يوم الدين، ورفع مقام وليدها وجعله من أولي العزم من الرسل ومن أمة سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم-، فرفعه الله إلى السماء الثانية ثم ينزله في آخر الزمان ليحكم بشريعة سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- من بعده. وهكذا عشنا مع واحدة من أعظم نساء العالمين الخالدات التى كان وجودها معجزة فيها نفسها ومنها أيضاً بان خلق منها نبى معجزة هو من أولى العزم من الرسل تستحق الدراسة وأن تكون هى الخالدة الثانية بعد أمها حواء عليها السلام لأنها من الأدلة القوية على قدرة الله الواحد الأحد فالى أن نلتقى فى حلقة قادمة حول واحدة أخرى من الخالدات لكم منى التحية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.