ارتفع صوت الإمام بالمسجد, صلاه الجنازة, أربع تكبيرات, بلا ركوع , التكبيرة الأولي قراءه الفاتحة , بعد الثانية قراءه الجزء الأخير من التشهد ,ثم الدعاء للمرحوم وأخيرا الدعاء لامه المسلمين .الله اكبر .اصطف الجميع خلف الإمام وخارج المسجد وقفت تحتضن صغارها الثلاث وهم ملتفين بها, باكيه تلتهب عيناها من تراب السفر خلفها شارع دايرالناحية الطويل, يؤدي إلي بيت عبدا لجبار عم الأولاد عند مدخل القرية حيث تتراص البيوت القديمة بحجارتها اللبنية و القليل ممن أعطاهم السفر حظا وارتفعت بيوتهم عن جسر الشارع, بالمداخل الاسمنتيه ,يرتفع ميكرفون الجامع الله اكبر فتدعي معهم له بالرحمة , في الطريق الطويل للمقابر ارتفع الغبار والصمت يحاصر المشيعين حاملين المشهد يعلو صوت بعضهم .وحدوه لا اله إلا الله , تكاد تقع من اتساع خطوتها كي تمنع جلباب آختها الأسود من أن يعوق مسيرتها واتساعه يلتفت الصغار لها تمسح دموعها, وتتماسك ,تضم يد الصغرى وتجذبها للمسير ,طال المسيرالي المقابر, يقطع السكون صوت جهير .أثابكم الله .تتسابق الجموع لحمل الخشبة, ثقيلة ويتبادل السائرون عليها حسب الطول يقول الراغب منهم لحامل النعش .أجرني فيعطيه الحمل من كتف لكتف,تتساقط دموع الأهل في صدق عفوي يذكرون ذنوبهم ,كأنهم يودعون سيئاتهم وآلامهم الشخصية وهو شعور ينتاب المشيعون عاده في الطريق للمقابر, يتلاشى فور عودتهم بين ذويهم , وقفوا متراصين في انتظار الدفن والدعاء للفقيد استظلوا بالشجر وسور المقابر في الانتظار الصمت يكسوه المهابة والخشوع بوجه الجميع . في حوش العائلة الذي تم فتحه صباحا وتم رشه بالماء , تصافحت الأيدي شكرا لله سعيكم .غفر الله ذنبكم ,هدا المكان إلا من بكاءها وبناتها الثلاث .كانت الصغرى تلهو وتنسي لحظات ثم يعاودها البكاء كلما نظرت لوجه أمها , ...في المساء جلست تدس ملابسه في حقيبة كبيرة تسبقها أناتها ,يمر أمامها شريط ذكرياتها معه ترفع جلبابه في الهواء ثم تثنيه وتضبه في الحقائب إلي أن سمعت صوت رنين معدني علي بلاط الغرفة .مفتاح صغير ,تذكرته انه مفتاح الدرج الخاص بزوجها وبه أسراره, قامت مسرعه تقبض علي رحله سفره الطويلة للخارج وأشياء لاتعلم عنها إلا بعض الأساور التي رأتها ولم ترتديها إلا مره واحده ,تقدمت نحوه, مدت المفتاح , لم يخبرها عن مابه أبدا , سرا لا يعلمه إلا هو وعبدا لجبار .بدأت تزيح الأوراق والعلب الفارغة لم تجد ذهب ولا نقدية . أدراج غليظة الخشب, لا تحوي إلا القليل... أين أموالك؟, لي أن أتحرر الآن من عذاب الجهل والغياب.كانت البنت الكبرى تلاصقها في البحث وتهمس لامها هنتحرر من عبدا لجبار أكيد, أبي يضع أموالنا ومالنا هنا .تتساقط دموع الأم والكبرى يعلوها الاندهاش والصفري تلهو بلعبتها .بعض دراهم عراقية وثلاث ورقات فئة دولار وورقه مطوية بعناية .كُتب فيها.. أوراق الملكية ,الذهب ,عقود الأرض ,البيت وعشرة آلاف جنيه عند عبدا لجبار