بعنوان الثورة وثقافة الاستقالة أن استقالة عميد ووكلاء كلية هندسة القاهرة من مناصبهم احتجاجًا على انتهاك حرمة الجامعة،والاعتداء على طلابها نبهتنا إلى أن للنخبة المصرية وجها آخر مشرفا يستحق منا كل تقدير واحترام،بعد أن سجل هؤلاء المحترمون أسماءهم في قائمة الشرفاء الذين دافعوا عن استقلال الجامعة وكرامتها،وهى القائمة التي يتصدرها الدكتور أحمد لطفي السيد الذي استقال من رئاسة جامعة القاهرة،مرتين في ثلاثينيات القرن الماضي،ويبقى السؤال لماذا لا نتعلم ثقافة الاستقالة؟ ففي أغلب المشاكل والكوارث التي واجهتها مصر،لم نجد مسئولا أو وزيراً أعلن مسؤوليته عن هذه الكوارث،بل يقيل النظام عدداً من الصغار ك«كبش فداء»، في حين أن الكبار محميون من النظام،ولم يبق أمام الشعب المطحون إلا الموت،إما غريقاً نتيجة عبارات متهالكة،أو حرقاً في قطارات،أو شهيداً تحت أنقاض الجبال، وإذا نجى من كل ذلك بفضل دعاء الوالدين،سيجد أكياس الدم غير المطابقة للمواصفات في انتظاره. فهل يرجع ذلك إلى أن كل المسئولين في مصر يدورون في فلك السيد الأب رئيس الجمهورية وينتظرون إشارته ولا يجرؤ احد أن يخالفه الرأي،وإلا"لبس البجامة وقعد في البيت" أم نحن لم نصل بعد إلى ثقافة تقديم الاستقالة والتي تعد من الأمور الحضارية والديمقراطية المتقدمة،فضلاً علي أن المسئول المصري إذا قدم استقالته فلن يجد بديلاً عن الأضواء التي كانت محيطة به أثناء منصبه،وسيخسر العديد من العلاقات والمصالح التي كونها خلال تواجده في المنصب؟. تعرف الاستقالة في الدول الديمقراطية العريقة على إنها ثقافة تحمل المسؤولية،وهي ثقافة ليست فقط غائبة وغير معروفة ومفهومة في مجتمعاتنا،بل تقابل بالاستهزاء باعتبارها هزيمة وانسحاب لا تليق بالفرسان،وإذا لم يكن الوزير_عندنا_فارسا،فمن سيكون غيره،وتصور من جهة أخرى على إنها طعنة للرئيس أو رئيس وزراءه،لأنها قد تتخذ ذريعة على سوء إدارته،لان اختار من أعضاء حزبه أو طائفته وترك الوطن بطوله وعرضه،وتقف (نظرية المؤامرة) بالمرصاد لتحليل دوافع الاستقالة كما حدث مع الوزير فاروق حسني _ وفي صيف العام 2005 _الذي لم يقبل الرئيس مبارك استقالته أول الأمر،وكيف يقبلها من وزير مكين بدليل انه يتبوء هذا المنصب منذ 20 سنة فقط،والجدير بالذكر أن استقالة فاروق حسني هي ثاني استقالة يتقدم بها وزير منذ ثورة يوليو 1952بعد استقالة وزير النقل إبراهيم الدميري بعد كارثة احتراق قطار الصعيد عام 2002. فالاستقالة والإسراع بتقديمها تعني أولا الاعتراف بالخطأ المهني،وهذا يعني أن الوزير أو المسئول يعترف بضعف متابعته للمسولين الأدنى،وعدم نجاحه باختيار من هو الأصلح للمركز الوظيفي،وهي تهدف إلى إعلاء شأن قيمة المسؤولية الأدبية والالتزام الأخلاقي للموقع الوظيفي, الاستقالة وتحمل المسؤولية هما عمل شجاع، وسيؤدي شيوع ثقافة الاستقالة إلى انتشار وتقبل مفهوم تحمل المسؤولية والمحاسبة والمراقبة،ولا يجب تقديمها دائما بسبب حريق أو قطار جامح،أو حتى الحصول على صفر في اقتراع المونديال،بل يجب أن تحدث لأسباب أخرى تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان،اعتراض على مستوى الأداء الحكومي وتفشي الفساد الإداري والمالي، وربما تكون مرتبطة بالثبات والإصرار على موقف كاستقالة الرئيس الفرنسي الراحل ديجول الشهيرة العام 1969،عندما ربط مصيره السياسي بنتيجة استفتاء شعبي طالب خلاله بتعديل عضوية مجلس الشيوخ،وأعطاء صلاحيات موسعة لمجالس الأقاليم،وعندما لم تات نتيجة الاستفتاء كما أراد،استقال وانسحب بهدوء من الحياة السياسية بعد تأريخ وطني حافل بالمفاخر. مثل هذه الأمثلة توضح معدن من الرجال يعتقدون أن ذاتهم أعظم من كراسي الحكم،وان لا وجود لأية أنواع من اللواصق والمثبتات بينهم وبين الكراسي التي يجلسون عليها،وان استقالاتهم تعني لهم أشياء ولمن حولهم اكبر واعز من بقائهم في المنصب. فهل من الممكن أن تشهد دولنا العربية بداية صحوة لفهم معنى ومغزى تلك الثقافة، فرئيس الوزراء الياباني "يوكيو هاتوياما" قدم رسميا استقالته من منصبة لفشله في الوفاء بتعهد قطعة للناخبين خلال حملته الانتخابية بنقل قاعدة أمريكية من جزيرة اوكيناوا،لك الله يا مصر!! وائل مصباح عبد المحسن فيلسوف الثورة المصرية