بقلم حسن الشايب يُحكَى أن أحد الوزراء في ماضي الزمان ادُّعِى عليه عند السلطان كذبا،ً فغضب منه السلطان وتوعد، فتفرق من حوله أصدقاؤه. وفي نفس اليوم تبينت الحقيقة لدى السلطان وعادت المياه إلى مجاريها فعاد إليه أصدقاؤه، فأنشد يقول: تحالف الناس والزمان ... فحيث كان الزمان كانوا. عاداني الدهر نصف يوم ... فانكشف الناس لي وبانوا. يا أيها المعرضون عني ... عودوا فقد عاد لي الزمان. هذه الواقعة تجسد بشكل مبسط حالة النفاق الذي تعيشه الناس في كل زمان ومكان، خاصة إذا ارتبط هذا المكان بنفوذ أو سلطة، فالرجل في بيته ينافق زوجته ويمطرها بكلمات الحب والعشق، ثم يخونها مع أقرب صديقاتها.. والزوجة توهم زوجها بأنه (روميو) عصرها، و(قيس) زمانها وأن الحياة ستتوقف من بعده وتصير جحيماً لا يطاق. وإذا ما وافاه الأجل، أكملت عدتها بالكاد لتتزوج رجلاً آخراً، تمطره بنفس النعوت والألقاب الجميلة. حتى فيما بين الأصدقاء، تجد الواحد قريباً منك ومشاركاً لك في كل سراء، وعندما تواجهك مشكلة حقيقية تتطلب عونه ومساعدته، تجده (فص ملح وذاب)، بل ويتهرب منك إذا ما قابلته صدفة في مكان عام وكأنه لا يعرفك ولم يرك طيلة حياته .. وسبحان الله مغير الأحوال. وزميلك الجديد في العمل، تستقبله وتقف إلى جانبه وتقدم له كل عون ونصيحة حتى يثبت نجاحه ويرضى عنه رئيسه، وبعد أن يقف على أقدام صلبة- بفضل مساعدتك- يفكر أول ما يفكر في إزاحتك عن الساحة ليستفرد هو بالوظيفة، وبتملق ونفاق رئيسه أيضاً، ناسياً أو متناسياً أن دوام الحال من المحال، وأن من يحفر حفرة لأخيه يقع فيها، لأن الله حرم إيذاء خلق الله وقطع أرزاقهم. حتى في مجال الصحافة، يسخر الكاتب صحيفته وقلمه لنفاق أصحاب السلطة والنفوذ من قبيل المجاملة والتملق والوصولية، حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة العامة، فتراه يحول القرار المتهور الذي يتوقف عليه مصير وطن وشعب إلى قرار حكيم لا يصدر إلا عن قائد معجزة وصاحب رؤية ثاقبة وسابق لعصره . كما يقلب الممارسات الديكتاتورية التي تحرم الناس أبسط حقوقهم إلى إجراءات احترازية ضرورية هدفها حماية أمن الوطن والمواطن. ولا غرو كذلك من تعليق مصير الأمة كلها بهذا القائد الملهم الذي لو ترك الحكم - لا قدر الله- بعد نحو ثلاثين عاماً فقط- ستصير البلاد في فوضى وسيحل الخراب وسيموت الناس من الجوع . إذن لا بأس من تجديد العهد والمبايعة له مدى الحياة، وبالتالي الدعاء له بطول العمر، ولتموتوا بغيظكم أيها الغوغاء والحاقدون! وإذا ما نظرنا إلى عالمنا العربي ومدى ممارسته للنفاق، وجدت هذه الصفة مستشرية ومتأصلة في كل مكان وقطاع، بل الأدهى من ذلك أن النفاق غدا في كثير من الأحيان أحد أهم مسوغات التعيين والترقي لأي وظيفة عامة وإن كان بصورة غير رسمية، وهذا للأسف هو من أسباب مصيبتنا وتخلفنا إلى جانب أسباب أخرى كثيرة معروفة للجميع. وانظر إلى كثير من مجتمعاتنا العربية لتكتشف أن كثيراً من المنافقين والمتسلقين وأنصاف الموهوبين هم أصحاب الحظوة والنفوذ، فيما يتوارى المخلصون وذووا الخبرات والكفاءات خلف الستار بعد أن أصيبوا بمرض مزمن اسمه اليأس والإحباط بسبب استمرار تهميشهم، وفقدوا الأمل في أي دور لهم يمكنه المساهمة في نهضة الأمة وتقدمها. ولم لا ، وقد طغت على حياتنا وفضائياتنا برامج وأخبار الراقصات والعاريات، وانشغلنا بإقامة المسابقات والاحتفالات لتقديم أنصاف الموهوبين والموهوبات في مجال الغناء والتمثيل وخلافه، فيما لا يهتم برنامج واحد بالبحث عن المبدعين والموهوبين والمبتكرين في المجالات الأخرى التي تقوم عليها نهضة الأمم كالعلم والطب والأدب وغيرها.. ولا حول ولا قوة إلا بالله. [email protected]