الثورة والتنحى!! يبدو أن مفردات الحوار السياسي قد تغيرت بشكل كبير ولم تعد تنتمي بأي حال إلي أخلاق القرية كما تخيلها الرئيس السادات ولا حتي إلي أخلاق القرية كما هي في الواقع،وإنما تنتمي بالتأكيد إلي زمن قرية احمد نظيف الذكية! ورغم كل المخاطر التي تحيط بالشخصية المصرية والتي أفرزها الفيس بوك،السيد تويتر،أو الكنج اليوتيوب تبقى ثقافة المواجهة بالخطأ والتقييم والمراجعة علي أساس القوانين والنواميس التي لا تحابي أحد حتى لو كان مؤمناً أهم ثقافة يجب أن تسود حتى يبقى أمل ولو بسيط فى مواكبة العصر،وعلى هذا المنهج كانت معالجة القرآن الكريم وكانت المنهجية التي تمثلت في المواجهة بالخطأ تلك المواجهة التي كان لها الأثر والأثر العميق في مناهج التربية والتكوين في الفكرة الإسلامية لا لأجيال الصحابة فحسب بل لأجيال الأمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها. ففي المجتمعات المتحضرة يتعلم الأطفال في المنزل وقبل دخول المراحل الأولى من التعليم تلك الثقافة،سواء بالتعليم المباشر بأن يقول الحقيقة أو عن طريق القدوة من الوالدين،إنهم لا يبررون ولا يقبلون تبرير الأخطاء من أبنائهم ويعفون عن الخطأ الأول بحزم منددين بالعقاب إن تكرر،وقد تزور عائلة غربية فلا ترى أحد الأبناء وعندما تسأل عنه يقولون لك معاقب ببقائه في غرفته لوقت محدد ممنوع فيه من مشاهدة برامجه المفضلة،أو ما إلى ذلك. ألسنا كمجتمع إسلامي أولى من أي مجتمع آخر بتعلم هذه الثقافة؟!! نحن أولى بألا نبرر أخطاءنا انطلاقاً من تعاليم ديننا،أولى أن نكون أول من يعترف بالخطأ،ويجب أن يعرف أطفالنا أننا بشر والبشر يخطئون وأنه لا عيب في ذلك،وأن نعلمهم أن الخطأ له فوائد كبيرة،لأنه يعلمنا الصواب،ونعلمهم أن احترام الذات واحترام الآخرين لنا يزداد عندما يدركون أن لدينا قيماً سامية،أهمها الاعتراف بالخطأ في كل تعاملاتنا،والأهم من ذلك ألا يجدوا تناقضاً بين ما نقول لهم ونربيهم عليه وبين ما نفعله،أعلم أن الأمر ليس سهلاً، خصوصاً في عصرنا الحاضر الذي يجد فيه الطفل ما يتعلمه في المنزل مناقض تماما لما في الشارع،وما يتعلمه في المدرسة يجد ما يلغيه في وسائل الاتصال الحديثة والإعلام الموجه. ومن أعجب ما قرأت ويجسد لنا العقلية التبريرية في قراءة أحداثنا التاريخية ما كتب عن مأساة إلقاء مكتبة بغداد في دجلة"من رحمة الله بالأمة أن تلك المكتبة قد هلكت لأن هذه الكتب كان فيها عدد من الأحاديث الضعيفة التي لو خرجت إلي الأمة لأحدثت فتنة ولكن بضياع وإتلاف هذه المخطوطات وقي الله الأمة شرها". وكأن الأمة لم تعرف الأحاديث الضعيفة بعد هلاك ومحنة مكتبة بغداد وكأن الله لم يقيد لنا علماء افنوا عمرهم في تنقية السنة الشريفة من الأحاديث الضعيفة. هل يعقل أننا نلقن منذ نعومة أظفارنا أن أسباب هزيمة الجيوش العربية عام 1948كانت الأسلحة الفاسدة،بينما الحقيقة هي أن عناصر المعركة بين عصابات صهيون والجيوش العربية كانت علي النسق التالي عدد الجيوش العربية 20 ألف وعدد الجيش الإسرائيلي 100 ألف،الجيوش العربية لم تمارس أي عملية قتالية من قبل وكل ما لها من خبرات قتالية كانت الاستعراضات العسكرية في المناسبات الوطنية والدينية،الجيش الإسرائيلي معظمهم كان يقاتل في صفوف الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية،الجيش العربي لم يتعرف من قبل علي ميدان المعركة ولم يتدرب عليها من قبل ولا يملك أي معلومات عن ميدان المعركة حتى أن الجيش كان يرتدي ملابس صيفية وميدان القتال كان بارداً،فقُدمت الصورة إلي الضمير العربي بأننا لم نقاتل والأسلحة فاسدة وبذلك التبرير فقدنا القدرة علي المراجعة والتصويب وظل هناك فرق كبير بين التدريب والتسليح والإعداد والتجهيز حتى تم تكرار السيناريو في عام 56 و عام67،وهل يتصور عاقل إننا حتى يومنا هذا لم تصدر لنا دراسات معتمدة تقدم لنا أسباب هزيمة العام 1967؟ وناتى للحدث الذي مازال عالق في الأذهان حتى اليوم وهو تنحى عبد الناصر بعد أن موته إكلينيكيا بالهزيمة حين وقف يئن كأسد جريح:"أيها الإخوة،لقد تعودنا معاً في أوقات النصر وفى أوقات المحنة،في الساعات الحلوة وفى الساعات المرة،أن نجلس معاً،وأن نتحدث بقلوب مفتوحة،وأن نتصارح بالحقائق،مؤمنين بأنه من هذا الطريق وحده نستطيع دائماً أن نجد اتجاهنا السليم،مهما كانت الظروف عصيبة،ولا نستطيع أن نخفى على أنفسنا أننا واجهنا نكسة خطيرة،لكنى واثق بأننا جميعاً نستطيع أن نجتاز موقفنا الصعب،أمامنا الآن عدة مهام عاجلة،المهمة الأولى أن نزيل آثار هذا العدوان علينا،وأن نقف مع الأمة العربية موقف الصلابة والصمود،وبرغم النكسة فإن الأمة العربية بكل طاقاتها وإمكانياتها قادرة على أن تصر على إزالة آثار العدوان. والمهمة الثانية أن ندرك درس النكسة ونصل إلى نقطة مهمة في هذه المكاشفة بسؤال أنفسنا: هل معنى ذلك أننا لا نتحمل مسؤولية في تبعات هذه النكسة؟ وأقول لكم إنني على استعداد لتحمل المسؤولية كلها،ولقد اتخذت قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدوني عليه،لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أي منصب رسمي وأي دور سياسي، وأن أعود إلى صفوف الجماهير،أؤدي واجبي معها كأي مواطن آخر،ولقد كلفت زميلي وصديقي وأخي زكريا محيى الدين،بأن يتولى منصب رئيس الجمهورية!! إلا أن الجماهير خرجت تطالب محقق أحلامها بالبقاء والاستعداد للحرب،ورضخ عبد الناصر لرغبة الجماهير،ولكن لماذا اختفى زكريا محيى الدين للأبد بعد ذلك؟!! ولمن يطلب من الدكتور محمد مرسى أن يقلد ناصر فيتنحى عن منصبه كرئيس لأكبر دولة عربية عليه أن يختار البديل كما فعلها عبد الناصر،فهل هناك بديل واحد يستطيع أن يحظى بدعم كل الاتجاهات والتيارات؟وما هي مواصفاته؟ لماذا لم يسال المحللين أو المتابعين عن سبب اختيار جمال عبد الناصر لزكريا محيى الدين؟لماذا قدمه ناصر بالزميل والصديق والأخ؟ومن المعروف للجميع أن زكريا كان شخصية حادة وغير محبوب جماهيرياً،وكان من المتوقع أن يرفضه الجميع،فهل كانت مسرحية محكمة التنفيذ؟!! كمحاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الزعيم عام 1954 أثناء إلقائه إحدى خطبه الجماهيرية بميدان المنشية بالإسكندرية حيث أطلقت عليه ثمان رصاصات لم تصبه أيا منها لكنها أصابت الوزير السوداني ميرغني حمزة الذي كان يقف على يمينه وسكرتير هيئة التحرير بالإسكندرية أحمد بدر الذي كان يقف على يساره!!!! أين الحقيقة يا هيكل؟!! تكلم قبل أن تلقى ربك،لن يتكلم لأننا وللأسف تتجه أخلاقنا كشعب من النقيض للنقيض،فحينما تذهب لتشترى أي شيء يحاول البائع إقناعك بأن بضاعته مستوردة وهى في حقيقة الأمر مستوردة من مصانع بير السلم التي تضرب الماركات في غياب الرقابة وانعدام الضمير،وما إن تذهب إلى المدرسة أو الجامعة حتى تفاجأ بأن التلاميذ والطلاب هم الذين يربون أساتذتهم بممارسة كافة أشكال الابتزاز الأخلاقي،أما العلاقات الأسرية التي كانت في الحفظ والصون فقد صارت سيرتها علي كل لسان ولم تعد البيوت أسرار كما كانت من قبل،وكنتيجة طبيعية تدني السلوك وصلت لغة التفاهم لأسفل سافلين،ولا استطيع أن أنكر إن الاحتكاك تتولد عنه حرارة،ولكن هذه الحرارة من الممكن أن تطهى الطعام ومن الممكن أن تحرقه،ومن يخالفني في الرأي عليه دراسة الوضع المصري في أثناء حكم المخلوع ليعلم ماذا كان يعنى بالاستقرار؟ الركود،فقد تسلم مصر من مُعلم أخلاق القرية، أنور السادات،على حال لا تسر عدوا ولا حبيبا،وظل محتفظا بها على هذه الحال، بحطة إيد المرحوم السادات،لا زيادة ولا نقصان،حتى علا مصر التراب،وامتلأت بالحشرات،وتلبدت سماؤها ببيوت العنكبوت،فهل هذا ما يريده المواطن الشريف الآن_بقاء الوضع على ما هو عليه_ سواء كان وضعا سليما أو خاطئا، سواء كان خيرا أم شرا،لك الله يا مصر! إلى اللقاء في المقال التاسع والخمسون مع تحيات فيلسوف الثورة سينارست وائل مصباح عبد المحسن [email protected]