بقلم الكاتب و السينارست والمُعد المصري وائل مصباح المقال الرابع عشر ثورة الحوار أن الثورات العفوية تحصل على هويتها بعد أن تبدأ في المسير وليس قبل، فالثورة الحقيقية لا يدعو إليها أحد قبل أن تقوم،وإنما تتحول من مسيرة إلى ثورة بعد أن تبدأ في المسير،كما حدث مع الثورة المصرية التي تُسمّى الآن بثورة 25 يناير والتي يجب أن تسمى ثورة 28 يناير إن صح التعبير. والدول الحديثة تستمد أو تدّعي أنها تستمد سلطتها من الشعب،وقد أصبح هذا الإدعاء شاملاً لكل الدول الحديثة بما فيها الدول الديكتاتورية التي لا تستشير شعبها بأي أمر من أمور الحكم،فكلمة "الشعب" أضحت كلمة مفهومة وذات معنى بديهي،رغم أنها تعبير مُجرّد وغير محسوس، يختزل كمّاً هائلاً من الفوارق الفردية والطبقية والمهنية والدينية والفكرية وما غيرها من الفوارق الطبيعية في حياة أي "شعب"،ورغم ذلك لم يكن هناك مفرّ من استخدام هذا التعبير المُجرّد في لحظات فاصلة من التاريخ الحديث، وخاصّة تلك اللحظات التي تطلّبت وحدة الإرادة مثل النضال ضد الاحتلال لذا برز مفهوم "الشعب" في العالم العربي الحديث كأداة مقاومة لتهديد خارجي،وبقي مفهوماً دفاعياً يعبر عن المطالبة باستعادة حقوق مسلوبة من المجتمع ككل،أكثر مما كان يعبر عن حق المجتمع في السيادة على الدولة. ومع بداية الربيع العربي تحوّل مفهوم "الشعب" من الدفاع إلى الهجوم،إذ أن الثورات العربية كلها بنت شرعيتها على أساس أنها تنفيذ لإرادة الشعب، وتأكيد على مبدأ الشعب كمصدر لأي شرعية،مع الإيمان الكامل بأن الشعب يقوم بدوره الفعال في صنع التاريخ مباشرة،ولا ينتظر أي عامل آخر ليقوم بهذا الفعل بالنيابة عنه،سواء كان هذا العامل قائداً تاريخيّاً أم حزباً أم دولة عظمى. وهنا يجب أن نشير إلى الطبيعة الحوارية للثورات العربية وارتباط ذلك بعفوياتها،إذ مع غياب القيادة والإرشاد الفوقي يُصبح المناخ التحاوري بوصلة الثورة،فمعظم الوقت الثوري يستغرق في نقاشات وحوارات مستفيضة لا يسجّلها احد،وهذا ينطبق حتى على الثورات السريعة المسار نسبيّاً كالثورة المصرية،فكل من تواجد في ميدان التحرير مثلاً من أواخر يناير وحتّى سقوط حكومة أحمد شفيق في الثالث من مارس،قضى معظم الوقت في حوارات مع من كان متواجداً حوله،شباب شرب حتى الثمالة من رحيق الثورة في ميدان التحرير،فصار يشعر بأنه لا يقهر،وترجع أهميّة هذه الملاحظة في أن الثورة_خاصّةً ثورة غير مُنظّمة وبدون قيادة_تحتاج إلى اكتشاف ذاتها بذاتها،والتعرّف على الكمّ الهائل من الطاقات التي لم يرها أحد من قبل والتي بدت في زمان الثورة وكأنها كانت مُخبّأة داخل عباءة الشعب،والذي كان مجرد شئ مشكوك بهويته قبل الثورة. ولكن المؤسف حقا هو فشل الثورة الشبابية المصرية،فلا وجود لشاب واحد من الثورة في منصب وزير أو محافظ أو عضو في البرلمان أو حتى قيادة في جيش أو شرطة،ولا وجود لوجوه شابة من الثوار في الإذاعة أو التليفزيون،بل ولم تعرف لهم أي قيادة سياسية حقيقة يمكن أن تمثلهم،فلقد قام هؤلاء الشباب بثورة شبابية فيسبوكية وتويترية ويو اسى بيه في التحرير لم تتعدي حدوده كثيرا،واستولى غيرهم على مكتسباتها وتكلم باسمها وكأنه الراعي الرسمي الوحيد لها!! هؤلاء الشباب المصري الحالم هل سيتم ذبحه وذبح أحلامه على مذابح السياسة وهو لا يعلم؟هم يقاطعون ثم يثورون كالفراشات التي تتجه إلى النار ظننا منها أنها النور،فتلقى حتفها سعيا وراء النور والحرية،كما حدث في ماسبيرو واحمد محمود والعباسية،لا يستطيع أحدا أن يوجه لهم اللوم على حريتهم البريئة،ولا حتى تقديم النصح لهم فهم لا يقبلون النصيحة من الجيل الأقدم الأكثر حذرا وخوفا على حد زعمهم،ولكن يجب أن يفهم هؤلاء الشباب الثوريون أن منتصف الليل كان دائما في مصر منذ حكم أسرة محمد على،وجاء عبد الناصر بالغروب لمصر،أتبعه حكم السادات الذي أتي بالغسق،وأعاد مبارك حكم الليل الدامس أو منتصف الليل ثانية،فهل ستتغير المعادلة أم تتكرر للأسف مرة أخرى؟!!1 إلى اللقاء في المقال الخامس عشر مع تحيات فيلسوف الثورة وائل مصباح عبد المحسن