بقلم الكاتب و السينارست والمُعد المصري وائل مصباح المقال الثامن..شعب الكلمات المتقاطعة! "أن مصر لديها ثروات تكفي لمساعدة ربع الدول الأوروبية،وأن ما تمت سرقته وإهداره من أموال وأرصدة مصر الطبيعية خلال ال15 عاما الأخيرة من نظام مبارك يبلغ 5 تريليون دولار أمريكي وهو مبلغ يكفي لتحويل مصر إلى دولة أوروبية متقدمة،بل يكفي لظهور 90 مليون مليونير كبير في مصر"هذا ما جاء على لسان" كاثرين آشتون" المفوضة العليا للاتحاد الأوروبي،واعتقد انه ليس بجديد على شعب محترف حل الكلمات المتقاطعة،شعب فهلوى يفهمها وهى طايرة،ولكن الجديد تعليق هذه السيدة الأجنبية على الخبر حيث قالت:«أنا حزينة على مصر وشعبكم فلقد تعرضتم في مصر لما هو يفوق الخيال في الاحتيال والسرقات وتجريف الثروات المادية والطبيعية والافتراضية،لو صح التعبير حتى أن «الفايكنج"_ أشرس الغزاة الذين شهدهم التاريخ البشرى في أوروبا _ ما كانوا سيتمكنون من سرقة مواردكم مثلما فعل بكم نظام مبارك". خمسة عشر عام كانت كفيلة بان تنمو بذور الثورة وتثمر في ظل ما يحيط بها من فساد على كافة الأصعدة،وبالطلع غير متوقع أن ينتهي هذا الفساد بين ليلة وضحاها حتى لو صدقت النوايا فجذوره ممتدة كما تمتد البنية التحتية بل متعمقة في باطن الأرض حتى اختلطت بالمياه الجوفية ولوثتها. ولدت الثورة كفكرة صغيرة في العقول وكبرت يوما بعد يوم حتى أصبحت حلماَ يتنفسه العامة الذين فجروا ثورات الربيع العربي,فهم من نزلوا إلى الشوارع وقدموا التضحيات من دمائهم وأرواحهم بعيداً على حسابات السياسيين الذين لم يجدوا مفرا إلا الالتحاق بهم و السير وراءهم، فاستطاعت هذه الثورات هز عروش الطغاة وكسر شوكتهم رغم محاولتهم المستميتة وأد هذه الثورات لكنهم لم يفلحوا،فالبسطاء لا يعرفون المساومة ولا التراجع بعد أن تحرروا من كابوس الخوف،هؤلاء البسطاء والذين شبوا على أن الإخوان المسلمين ودعاة السلف هما الإسلام، فارتبط الحل الإسلامي لديهم بأفراد ودعاه وجماعات يقابلهم في الجهة الأخرى العلمانيين،فنرى المظاهرات تخرج من حرم الجامع لا من حرم الجامعة،لذا لا يجب هز صورة الإخوان والدعاة عند البسطاء دون تقديم حل إسلامي بديل،أو زرع جوهر الفكرة الإسلامية مجرده دون ارتباط بفكر جماعات أو تنظيمات،كيلا يهجر البسطاء الفكرة الاسلاميه كلها ويربطون سقوط الأشخاص والتنظيمات بسقوطها،فلا يعرف الحق بالرجال،إنما يعرف الحق فيعرف الرجال،فالحق لابد ألا يستأثر به فصيل معين،أيا كان هذا الفصيل،وتحضرني هنا مقولة الشيخ الشعراوي رحمه الله"الإخوان يكرهون أن يخرج الإسلام إلا من حناجرهم"فهل مازالت هذه المقولة سارية حتى الآن؟!! لقد أثبت المواطن المصري البسيط الذي ربما يجد رزقه يوماً بيوم انه قد يصمت ويجلس لينظر ويراقب ويلمح ويفهم ويحلل كعادته حتى يفرز الغث من الثمين،أصبح يعرف الآن متى يساند من يقفون معه ومتى يتوقف عنهم عندما يرى في نفسه وسيلة لتحقيق أهدافهم هؤلاء،فقد ينبهر بحلو لسان هؤلاء الذين يدعون الدفاع عنه والحديث باسمه،لكنه يقذف بهم بعيداً عندما يعي بحسه أنهم يتاجرون بأحلامه ويزايدون على مستقبله،هؤلاء المواطنون الطيبون هم من أنجبوا رؤساء للدولة العربية الأكبر،فلقد بدأ والد الرئيس محمد نجيب حياته مزارعاً ثم التحق بالمدرسة الحربية،وعمل والد الرئيس جمال عبد الناصر بمصلحة البريد،وعمل والد الرئيس محمد أنور السادات كاتباً بالمستشفى العسكري،فيما عمل والد الرئيس حسني مبارك حاجباً بالمحكمة، فيما يعمل والد أول رئيس منتخب في مصر بعد ثورة 25 يناير فلاحاً. أن الثورة المصرية إحدى الثورات الرائدة في المنطقة العربية،وهي ثورة فريدة بكل المقاييس تجلت فيها العبقرية العفوية المصرية،ورغم كل العقبات والعراقيل التي تقف أمامها إلا إنها كل يوم تحاول الوصول إلى أحد أهدافها بعيدا عن حيتان الماضي وديناصورات الخصخصة اللعينة لهذا لن يستطيع أحدا مهما كان أن يستنسخ النموذج الروماني عندما اندلعت ثورة شبابية عام 1989في العاصمة الرومانية بوخارست استمرت لمدة أسبوع،وتمكنت من إعدام الديكتاتور الروماني نيكولاي تشاوتشيسكو وزوجته لتعم الفرحة في رومانيا،وبعد هذا النجاح حاولت الأجهزة الأمنية التي كانت ترغب في الحفاظ على مصالحها الشخصية خلق سيناريوهات إرهاب وهمية لنشر الخوف في قلوب الشعب الروماني،فقاموا بمُهاجمة مبنى الإذاعة والتليفزيون والعديد من الأماكن الحساسة في البلاد؛وذلك في مُحاولة منهم لتشويه مفهوم الثورة عند البُسطاء من عامة الشعب. وظهرت جبهة جديدة هي جبهة الخلاص الوطني والتي تزعمها إيون إيليسكو نائب الديكتاتور المخلوع واستطاعت تلك الجبهة السيطرة على وسائل الإعلام الرسمية بل نشرت دعاية مُضادة لخصومهما السياسيين من الأحزاب الديمقراطية،انتبه شباب رومانيا الثوري لمثل هذه الأمور فاندلعت المُظاهرات من جديد وقاموا بعمل إعتصامات،فقام إيليسكو بالتفاف على الثورة بترشيحه لنفسه لفترة ثانية لرئاسة رومانيا فثار الشباب الروماني،فقام إيليسكو بتوجيه الإعلام ليشكك في شباب رومانيا الثائر ويتهمهم بالعمالة للخارج،وتلقى التمويل من الجهات الخارجية، بهدف زعزعة استقرار البلاد،وبالفعل بدأ في مُحاكماتهم مُحاكمات عاجلة وعمل على التنكيل بكل من يُعارضه،وأوهم الشعب البسيط بأنه هو الوحيد القادر على توصيل رومانيا إلى بر الأمان وحماية البلاد من الخطر الخارجي !! وبالفعل نجح إيليسكو في التأثير على عموم الشعب من البُسطاء،فتعاونوا معه وبدأوا في مُهاجمة الشباب الثائر،وبعد سنه ونص فقط من قيامها نجحت جبهة الخلاص الوطني في إجهاض الثورة الرومانية،بل فقدت الثورة الكثير من التعاطف الدولي لها،ومع أن الفارق كبير بين النموذج الروماني ومثيله المصري إلا أن خفافيش الظلام لا تعرف اليأس!! إلى اللقاء في المقال التاسع مع تحيات فيلسوف الثورة وائل مصباح عبد المحسن