لم تثبت جمعة الغضب الثانية أن هناك "غضباً" عاماً من جموع الشعب على خطوات المجلس العسكرى فى ادارة البلاد.. فجاءت المظاهرات التى دعت اليها قوى الشباب وبعض القوى التقليدية السياسية أقل فى حدتها عن غيرها من "جُمعات" أخرى لم توصف بالغاضبة ولا حتى الثائرة لقد قامت تلك القوى وذلك الشباب بمجهود كبير هذه المرة عبر أثير التويتر والفيسبوك والمقابلات الفضائية لتفعيل نبرة الغضب وتغذية ماأسموه بالثورة الثانية وطرقت كل الأبواب الممكنة لتكرس مفهوم دور المجلس العسكرى فى أنه "موظف لدى الشعب وأن انتقاده شئ عادى ومطلوب".. أما نتيجة الاستفتاء الذى وافق من خلاله أغلبية الشعب ضمناً على خارطة الطريق التى وضعها المجلس للمرحلة الانتقالية فقد اعتبره هؤلاء الشباب وتلك القوى أنه لايعبرمن وجهة نظرهم عن مصلحة الوطن التى يعرفونها.. وأن الظروف التى شهدتها البلاد بعد الاستفتاء قد تجاوزت نتيجته ! ..وهكذا اكتشف الداعون الى جمعة الغضب أن باقى هذا الشعب الذى يختلف معهم غير رشيد وأن هذا المجلس الذى يدير الوطن فى مرحلته الانتقالية يتيح الفرصة لقوى بعينها على التواجد على الساحة السياسية خلال هذا المرحلة ويتجاوز غيرها. ..اننا نتفهم ان يحاول الشباب جنى ثمار الثورة التى شاركوا فيها ولكن الذى لانستطيع قبوله القول بأن تلك الثورة كانت بيدهم وحدهم.. ان هذه الثورة لم تولد على سواعد الشباب فقط ولاعلى أكتاف هذه "النخب المتكلمة" التى تتنقل بين منابر الفضائيات ليل نهار فحسب, لكنها كانت أيضًا بيد وعقل وقلب ودماء كل المصريين الذين اكتووا بنار الصبر والتعب والشقاء للحصول على قوت يومهم والتخلص من نار الفساد الذى ساد البلاد.. ان يناير كانت ثورة شعب بأكمله ليس لأحد فضل فيها على الآخر لتعطيه الحق أن يجعلها "ثورة تفصيل" على مقاسه يحقق له من خلالها وجوداً وتواجداً فى الشارع السياسى وأن ينتظره الباقون مهما كلف ذلك مقدرات الدولة أو كان مختلفاً عن رأى الأغلبية. ان العمل السياسى لن يكون ظاهرة "تويترية " أو" فيسبوكية " يعقبها انتفاضة تؤدى الى ثورة تكن أحد المشاركين فيها لتصبح بعدها فعالاً فى العمل السياسى لكن المهم فيه أن يشعر بك الناس "روحاً ودماً " بينهم.. تصبح واحداً منهم تتعلم لغتهم وتنطق بها سلوكاً وفعلاً لتحقق مصلحتهم بعد أن يسمحوا لك أن تنوب عنهم. ان رجل الشارع العادى فى مصر وهو صاحب الثورة الحقيقية لم يعد يقبل كثيراً تكرار النزول الى الشارع الآن بدعوى ثورة جديدة أو حتى غضب جديد لأنه يدرك بذكاءه وفطرته ان "الهدف الشخصى" لدى البعض للنزول الى الشارع الآن يغلب "الهدف العام" الذى ارتضته الأغلبية ويجب احترامه سواء اتفقنا او اختلفنا معه.. أما الشباب فعليهم أن يعملوا بجد حتى يتحقق لهم تواجدا سياسيا حقيقياً داخل الشارع السياسى بدلاً من محاولة اقصاء الآخرين عن هذا التواجد والآن بدلا من البقاء فوق برجهم العاجى فى الفضائيات والفيسبوك الذى لن يحقق كل يوم ثورة جديدة ! المزيد من مقالات حسين الزناتى