الجزء الثالث :- ظلت سلمى ممتنعه عن الطعام والشراب مع أسرتها، ولا تخرج من غرفتها ، وفى كل وجبة غذاء ، يسأل والدها أمها ، قائلا " هى لسه حابسه روحها فى أوضتها " فتجيب امها " بكرة تروق ، سيبها ما دام مرتاحة كدا " كان الحاج ربيع حزيناً على حال إبنته ، وهو ما لاحظه أخيه الأكبر "سعد " ، فبادر بسؤاله " مالك يا ربيع ، شايفك اليومين دول مش ولا بد ، إنت تعبان ولا إيه " حكى ربيع لأخيه كل شىء لعله يجد عنده حلاً، فهو دائما ما يستشيره فى كل صغيرة وكبيرة ، وأحيانا يأخذ برأيه حتى وإن لم يكن مقتنع به ، فهو يرى أن أخيه أكثر منه خبرة فى الحياة ، وليس ربيع فقط من يأخذ برأى أخيه سعد ، فمعظم أهل القرية يقصدونه فى الجلسات الودية ، والخلافات التى تحدث بين الجيران اوالأقارب او الفلاحين . الجميع يعتبره مثل شيخ البلد او العمدة وكلمته لا بد أن يؤخذ بها . أشار سعد على ربيع أن يتحدث معها بهدوء فقال له " أقعد مع سلمى وبالهداوة كدا ، حاول تفهمها ، العيال بتوع اليومين دول ، مخهم طاقق ، مسمعتش عن بنت فلانى إللى هربت من البيت ، وبنت فلانى إللى حاولت تسم نفسها ، وخدهم يومين واطلعوا أى مصيف ، خليها تغير جو " أخذ ربيع بنصيحة أخيه ، وفى المساء ، وبينما كانت تجلس سلمى فى غرفتها وحيدة ، سمعت طرقات خفيفة على باب غرفتها ، قامت وفتحت الباب ، لتجد امامها والدها ، نظرت إليه ، ثم ذهبت وجلست على سريرها . ذهب والدها ، وجلس بجوارها ، وبدأ فى الحديث إليها - اوعى يا بنتى تفكرى إن فى يوم هقف قصاد مصلحتك ، انا مليش غيرك إنت وأخوكى ، إنتوا سندى فى الدنيا دى ، انا بتعب وأشتغل واكافح عشان مين ؟ يابنتى ، إنت لسه صغيرة ، متعرفيش حاجة فى الدنيا ، انا مش عاوزك تتبهدلى فى بيوت الناس ، ولا تروحى على مصير مجهول ، الشباب مفكر الدنيا سهلة ، وبيرسموا أحلام وردية ، لكن الواقع شىء تانى ، كتير من شباب البلد ، مخلص تعليم من سنين ومش لاقى شغل ، لسه بياخد مصروفه من أهله . انا مش عازوك ترتبطى بواحد ميقدرش يصرف عليكى ، او يحرمك من حاجة إنتى نفسك فيها ، إحنا ياما حبينا وياما حلمنا ، بس لما بنعيش الواقع ، حساباتنا بتتغير .انتى لو طلبتى عنيا مأخرهمش عنك ، بس انا عمرى ما هوافق على حاجة ضد مصلحتك ، حتى لو إنتى إللى عاوزة كدة ، محدش بيرمى ضناه فى النار ، الضنا غالى يا سلمى . يلا قومى ، وحشنى الأكل معاكى ، ساعدى ماما فى المطبخ ، نفسى أكل من إيدك . وبعد هذة الكلمات ، خرج ربيع من الغرفة وأغلق الباب دون إحكام . كان لهذة الكلمات مفعول يشبه السحر على سلمى ، وبمعنى أخر ، كانت سلمى فى حاجة لأن تسمع مثل هذة الكلمات ، كانت بحاجة لمن يزيل الفجوة التى حدثت بينها وبين اسرتها . مسحت سلمى ما تبقى من دموعها ، ثم خرجت هى الاخرى من الغرفة ، وذهبت إلى المطبخ ، وما إن رأتها أمها ، حتى احتضنتها قائله ، " يا حبيبتى ، ربنا يخليكى ليا وميحرمنيش من حسك " . وبعد تناول العشاء ، سئل الاب الجميع " إية رأيكوا نروح نقضّى يومين فى أى مكان ، نصّيف ونغير جوا ، تحبوا تروحوا فين ؟ " قالت أم سلمى : نروح اسكندرية يا حج ، عاوزة اروح زنقة الستات :P فسأل سلمى : وإنتى يا سلمى ، عاوزة تروحى فين ؟ فردت سلمى : اللى تشوفوه ، أى مكان فقال لها : لا قولى ، المكان اللى هتقولى عليه ، هنروحه حتى لو تركيا . ضحكت سلمى وقالت : خلاص زى ما ماما قالت ، إسكندرية فقال ربيع : خلاص جهزوا شنطكوا بكرة ، وهنمشى بعد بكرة الفجر . ذهبت الإسرة إلى الاسكندرية ، وقضت سلمى وقتاً جميلا على شاطىء إسكندرية الخلاب ، كانت تنظر إلى البحر وصورة أحمد لا تفارق خيالها ، تتنهد وكأنها تشكى إليه همومها فيرد عليها بأمواجاُ عالية ، وكأنه يقول لها ، إرمى كل همومك وأحزانك بداخلى ، وعودى سلمى ، الفتاة الجميلة المبتسمة دائماً . كانت سلمى ترد على أمواج البحر تارة بدموعها ، وتارة تمسك حجراً وتقذفه فى الماء ، وتارة تملأ يديها بالرمال وترميها فى إتجاه الريح ، كانت تحس بإرتياح مع كل حجر تقذفه وكأنه حجراً من الهموم . ومر اليومين سريعاً وعادت الاسرة الى المنزل ، تركت سلمى الكثير من حزنها وهمها على شاطىء البحر . أرادت ان تعود إلى حياتها الطبيعية ، وأن تركز على إختيار الكلية المناسبة ، وتترك امر الحب والزواج لما بعد الكلية ، حتى يكون أحمد قد أنهى دراسته وحصل على الوظيفة المناسبة . لكن تأتى الرياح دائما بما لا تشتهى السفن ، ويبدو ان كل ما تفكر فيه سلمى لن يحدث ، فقد كان فى إنتظارها مفاجأة من العيار الثقيل ، كفيلة بأن تقضى على هذة المسكينة . فى اليوم التالى من العودة ، ذهب ربيع لأخيه سعد ليشكره على فكرة المصيف ، ,اخبره بأنه شعر بتحسن سلمى كثيراً . وأثناء تناول الشاى ، دار هذة الحديث بينهم سعد : عارف الحاج سلامة النجار ، صاحب محلات الموبيليا ربيع : أيوة ، حد يتوه عنه ، دا اى عرويس دلوقتى بيفرش بيته من عند الحاج سلامة سعد : كان عندى أمبارح ، وعاوز يناسبنا ربيع : يناسبنا ؟ فى مين ؟ سعد : فى سلمى طبعا ، هو هيلاقى أحلى من سلمى ، والراجل موافق على اى طلبات ربيع : بس سلمى لسة مدخلتش الجامعة ، يعنى لسه قدامها 4 سنين ، وبعدين ما انت عارف ، إحنا مصدقنا خلصنا من موضوع الواد بتاع الكمبيوتر سعد : بص يا ربيع ، البنت فى الاخر ملها إلا بيت زوجها ، دخلت الجامعة ، مدخلتش الجامعة ، خدت 4 سنين ، خدت سنتين ، فى الاخر هتجوز وهتقعد فى بيت زوجها ربيع : كلام إيه دا يحج ، إنت عاوزنى أطلع البت من التعليم عشان تجوز ؟ سعد : مين قال كدا ، طبعا تكمل تعليمها ، بس بدل ما تاخد كلية 4 سنين ، ومصاريف وسفر وهيصة ، تدخل معهد سنتين ، تخلصهم فى بيت زوجها ، وأنا هشوفلها واسطة تدخل معهد تمريض سنتين ، وتبقى ممرضة ، تشتغل فى المستشفى إللى بيبنوه فى البلد . وأنا كلمت الحاج سلامة فى الموضوع دا ، وقال إنه متكفل بتعليمها وكل متطلباتها من اول يوم تدخل بيتهم . ربيع : أيوة يا سعد ، بس..... سعد : صدقنى فرصة مش هتتعوض ، الحاج سلامة معندوش إلا ولدين وبنت ، البنت متزوجه ، ورضا " العريس " بيشتغل فى السعودية محاسب ، وشقته جاهزه مش ناقصها إلا سلمى ، ورامى لسه مخلص جامعة ، دول ناس مستريحين ، والحاج سلامة محترم جدا ، وكل الناس بتشكر فيه . ربيع : مش عارف والله اقولك إيه !!! سعد : فكر براحتك ، انا قلتله هرد عليك بعد أسبوع ، ومتنساش ، الزواج ستره ، وبنت رايحه الجامعة ، وممكن الواد بتاع الكمبيوتر دا يلعب فى دماغها ، انت مش تايه عن اللى بيحصل فى الجامعات والزواج العرفى ، والبنات إللى بتهرب من أهليها ، والبنت إللى بتعمل الغلط ، بتحط راس اهلها فى الطين طول العمر ، حتى لو قتلوها . ربيع : بس سلمى محترمة ومتعملش كدا سعد : محدش يقدر يقول كلمة على سلمى ، أنا اقطع لسانه ، بس بردو ، كل واحد بيقول على بنته كدا ، طيب إنت كنت تعرف إنها كانت بتحب الواد بتاع الكمبيوتر دا ؟ ، أمها كانت تعرف ؟ بنات اليومين دول لقمة طرية ، الافلام و المسلسلات التركى لحست دماغهم ، وكل بنت دلوقتى تمسك فى عيل وتقول دا مهند بتاعى . زى ما بقولك يا ربيع ، انا معنديش أغلى من سلمى ، ولو شايف الناس دى وحشة ، عمرى ما هوافق حتى لو إنت موافق ، وبردو خدلك يومين تفكير ورد عليا عشان ارد على الحاج سلامة . لم يكن ربيع يحتاج إلى التفكير كثيراً ، فقد كان كلام أخيه سعد مقنعاً بالنسبة له ، لم يكن ربيع يفكر فى أن اسرة العريس ميسورة الحال ، وأن العريس يعمل بالخارج ، كان تفكيره فى جهة أخرى تماماً . ظل ربيع شارداُ طوال اليوم ، وعندما أتى المساء وبعد تناول العشاء ، ذهب إلى النوم على غير عادته ، فلحقته زوجته وقالت أم سلمى : مالك يا ربيع ، مش على بعضك كدا وسرحان ، فيه حاجة ربيع : فيه موضوع شغلنى كدا أم سلمى : خيرا يا خويا ، اللهم أجعله خير يارب ربيع : خير إن شاء الله أم سلمى : يعنى موضوع بخصوص شغلك ولا بخصوص إية ؟ ربيع : الصباح رباح ، انا هنام دلوقتى ، طفى النور أم سلمى : طيب ، تصبح على خير أخذ ربيع يتقلب يميناً ويساراً باحثاً عن النوم دون جدوى ، فقد كان التفكير يسيطر على عقله ، وبعد مضى أكثر من ساعة ، راح فى نوماً عميقاً من شدة التعب . رأى ربيع فى منامه سلمى وأحمد يتحدثان فى الجامعة أحمد : انا معنتش قادر أعيش من غيرك يا سلمى ، وحشنى صوتك ، من ساعة ما جيت عندكم البيت وانا معنتش بعرف أكلمك ، بعد ما كنت بكلمك كل يوم قبل ما أنام سلمى : ولا أنا والله يا احمد ، بس هعمل إيه ، أحمد : إحنا نجوز ونحطهم قدام الامر الواقع سلمى : نجوز ؟؟؟؟ إزاى ؟؟؟ لا، ابويا ممكن يقتلنى أحمد : محدش هيقدر يكلمك ، إنتى هتكونى مراتى ، زوجتى حبيبتى ، وهحطك فى عنيا سلمى : لا يا أحمد ، أنا خايقه أحمد : خايفه وأنا معك ، بقولك هتبقى زوجتى ، على سنة الله ورسوله ، أنا هكلم إتنين من صحابى شهود ، ونكتب عقد زواج عرفى ، خلى معاكى نسخة وانا معايا نسخة سلمى : لا يا أحمد ، مش هعمل كدا أحمد : يبقى أنتى مش عاوزانى ، وإنتى إللى أخترتى سلمى : طيب ، بس محدش يعرف دلوقتى ، لحد ما تتخرج وتيجى تتقدملى رسمى أحمد : والله ما حد هيعرف ، وأول ما أخلص دراسة هتقدملك ، ولو موفقوش ، هنحطهم قدام الامر الواقع عشان يوافقوا سلمى : أنا خايفه يا أحمد أحمد : متخفيس يا حبيبتى بعد ذلك رأى ربيع إبنته سلمى وأحمد يدخلون شقة مفروشة ، وأحمد يقول لها " إدخلى يا عروسة برجلك اليمين " وفى مشهد أخر ، أقتحمت الشرطة الشقة ، وألقت القبض على أحمد وسلمى فى وضع مخل ، وجميع سكان المنطقة يشاهدون الاثنين ينزلون السلم فى قبضة الشرطة يواريهم غطاء السرير إنتفض ربيع من نومه مفزوعا واضعا يده على رقبته وكأنه يحس بإختناق وأخذ يردد " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " نزل ربيع من على السرير وشرب بعض الماء وأخذ قراره بالموافقة على زواج إبنته " سلمى " من " رضا " إبن الحاج سلامة النجار . لكن كان عليه أن يختار الطريقة التى سيفاتح بها سلمى فى الموضوع ، هو يعرف جيداً انها سترفض ، لكن عليه ان يحاول إقناعها . فى اليوم التالى ، تحدث ربيع مع زوجته ، وحكى لها ما حدث بينه وبين سعد ، وما رأه وهو نائم . لم تجد أم سلمى اى رد على كلام زوجها ربيع ، فمن داخلها ، لا تريد لإبنتها الزواج من شخص لا تحبه ، لا تريد أن ترى إبنتها حزينه فى حياتها وفى زواجها ، لا تريد أن ترى إبنتها تبكى فى يوم زواجها ، لكن ماذا تفعل فهى لا حول لها ولا قوة ، إن رفضت ، فقد يغضب عليها زوجها ، وقد يصل الحال إلى الضرب ، فهى تعرف جيداً ما سيقوله من " إنتى هتبوظى بنتك ، إنتى مش عارفه تربيها " إلتزمت أم سلمى الصمت ، ولما سألها ربيع عن رأيها ، ردت قائله " إنت أدرى ، إللى تشوفه صح ، إعمله " ، بس شوف هتقنع سلمى إزاى ، انا مليش دعوة . . للاطلاع على الجزء الثاني على الرابط التالي http://alwakei.com/news/0/0/0/25123/%D9%85%D9%86-%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%89-%D8%9F.......-%D9%82%D8%B5%D9%87-%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%89-%D8%AA%D8%A3%D9%84%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8-%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D9%82-%D8%AD%D8%B3%D9%86.html طارق حسن