برز التشيع في عدد من المدن المصرية ، والسبب في ذلك هجرات العلويين إلى هذه المدن ، أو يعود إلى وجود عدد من دعاة التشيع الذين استقروا بها . من أهم الأماكن في جنوب مصر بمدنه أسوان واسنا وادفو وأرمنت كانوا مركزا للتشيع حتى فترة قريبة، ولا تزال به بقايا تشيع حتى اليوم ، حيث كان الجنوب ملجأ للشيعة الفارين من وجه الأمويين والعباسيين والأيوبيين والمماليك فيما بعد ، وكان وجود الصالح طلائع كوال للصعيد من قبل الفاطميين قد أسهم إلى حد كبير في نشر التشيع بين ربوعه . فقد كانت للصالح اهتمامات دعوية وثقافية وأدبية بالإضافة إلى اهتماماته السياسية . وكانت القاهرة هي مركز حركة التشيع في مصر باعتبارها عاصمة الدولة الفاطمية ومقر الدعوة . ومنها ينطلق الدعاة إلى أقاليم مصر ونجوعها ، والمدن الشيعية بالصعيد هي التي فجرت الثورات ضد صلاح الدين كما فجرت ثورات أخرى ضد المماليك والعثمانيين . وعلى الرغم من وجود الدولة الفاطمية في مصر وسيطرتها على كل ربوعها شمالها وجنوبها لا نجد أثرا بارزا للتشيع في مناطق الوجه البحري ، وربما يكمن السبب في هذا إلى أن الهجرات العربية إلى مصر والتي تتابعت مع حركة الفتح الإسلامي استقرت في الجنوب وتمركزت به ، وأن الشمال حتى ذلك الوقت كان يتكون من أخلاط الناس ممن أصولهم غير عربية . وقد كانت هناك أماكن ومدن في مصر موقوفة على العلويين . كمدينة قفط التي كانت وقفا على العلويين من أيام الإمام علي كرم الله وجهه . وكان في القاهرة تجمعات شيعية تقل وتكثر حسب أحوال الزمان في حي الحسين وكانت أغلبها من الشيعة الوافدين إلى مصر بهدف الاستقرار فيها . والذين كانوا يقدمون من الشام وبلاد فارس والعراق وغيرها ، ولا تزال لهذه العائلات بقايا في مصر حتى اليوم . . ويروي أحد المؤرخين أن الأعاجم عن الشيعة كانوا يفضلون السكن بالقرب من المشهد الحسيني ويتظاهرون في مولده بالزينة الفاخرة والولائم العظيمة ويحزنون عليه حزنهم المشهور ، ويجتمعون في منزل يتخذونه لذلك ويخطب أحدهم بالفارسية شعر رثاء آل البيت . وقد استمرت مواكب الشيعة احتفالا بذكرى عاشوراء حتى فترة قريبة ويبدو أن هذه المواكب من بقايا العهد العثماني الذي اتيحت في أواخره فرصة لبروز شيعي وإن كان محدودا . على الرغم من حملات الحصار الفكري التي شنها الأيوبيين على المصريين لمحو معالم التشيع من نفوسهم ، وتعمدهم القضاء على العادات والتقاليد الشيعية خاصة المواسم والأعياد ، رغم ذلك بقيت الكثير من العادات والتقاليد الشيعية توارثها المصريون جيلا بعد جيل حتى زماننا هذا . بل أصبحت هذه العادات والتقاليد جزءا من الشخصية المصرية ، وأن وجود مثل هذه العادات والتقاليد حتى اليوم يدل دلالة واضحة على أن التشيع استمر وجوده في الواقع المصري رغم البطش والتعتيم . . ومن بين العادات الشيعية الباقية في مصر اليوم : ذكرى عاشوراء وإن كان صلاح الدين قد حولها من ذكرى حزينة إلى ذكرى سعيدة ، واستمر المصريون يحتفلون بها على طريقته ، كذلك هناك ذكرى الاحتفال بليلة النصف من شعبان وهي عادة شيعية لا تزال باقية تحتفل بها الطرق الصوفية اليوم ، وهناك الاحتفال برأس السنة الهجرية وهي عادة ابتدعها الفاطميون ولا تزال مستمرة إلى اليوم . وعادة اقتناء الفوانيس في رمضان ولعب الصبيان بها في الطرقات من العادات الشيعة التي لا زالت تمارس في رمضان وقد انتقلت من مصر إلى بلاد أخرى . كتبته : سمر أحمد باب : تقاليد