بقلم د. عادل عامر يعتبر الفساد السرطان الذي ينخر الدول والمجتمعات ويهدم كل مرافق الحياة والكرامة الإنسانية ويمرغ بها الأرض، يقوض التي بنتها المجتمعات عبر فترة طويلة من الكفاح والنضال وما رافقه من عقود وقرون زمنية، وهنا في مصر من بعد ثورة 25يناير ماذا لو لم يتوصل القضاء إلى أدلة تدين رموز النظام السابق بإفساد الحكم أو الحياة السياسية بطريق الإضرار بمصلحة البلاد أو التهاون فيها أو مخالفة القوانين واستغلال النفوذ للحصول على مكاسب ذاتية لنفسه أو لغيره من أي سلطة عامة ، جريمة الغدر تسري أيضا على كل من أستغل وظيفته للتأثير بالزيادة أو بالنقص بطريق مباشر أو غير مباشر في أثمان العقارات والبضائع والمحاصيل والأوراق المالية بقصد الحصول على فائدة ذاتية لنفسه أو للغير. حينما أصدرت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة حكمها المتضمن منع نواب الحزب الوطني المنحل من الترشح للانتخابات البرلمانية, استندت في ذلك إلي أن المحكمة الإدارية العليا سبق وأن أصدرت حكمها بحل الحزب الوطني لأنه أفسد الحياة السياسية في مصر, ورأت المحكمة أن الحزب الوطني المنحل كشخصية معنوية لا يملك من أمره شيئا لكنه يضم نوابا وأفرادا هم الذين أفسدوا الحياة السياسية في مصر. وبالتالي فإنه من غير المنطقي أن يصدر حكم بحل الحزب الوطني, ثم يسمح لنوابه بخوض الانتخابات البرلمانية أو يسمح لهم بالمشاركة في صنع تاريخ مصر. ووفقا لأحكام القانون فإن هذا الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة واجب النفاذ ما لم تأمر دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا بوقف تنفيذه. وهذا هو ما حدث فعلا.. فقد درست دائرة فحص الطعون في المحكمة الإدارية العليا وجهة النظر القانونية الأخرى المخالفة لحكم محكمة المنصورة والمتمثلة في مجموعة من الأسانيد القانونية ومنها مثلا كسوابق قضائية المادة الرابعة من القانون رقم33 لسنة8791 بشأن حماية الجبهة الداخلية والذي صدر بناء علي استفتاء شعبي وكانت تقضي بأنه يعتبر قد أفسد الحياة السياسية كل من كان منتميا قبل ثورة2591 لأي حزب من الأحزاب قبل الثورة, ولذا فإنه يمتنع عليه الانضمام إلي الأحزاب الجديدة أو مباشرة الحقوق أو السلطة السياسية. وقتها ابدي كبار رجال القانون والقضاء في مصر اعتراضهم علي هذه المادة, حيث تساءل الفقيه المصري الدولي الكبير المرحوم الدكتور وحيد رأفت عن السند الذي يمكن أن يعتمد عليه ليمكن دمغ شخصية ما بهذا الفساد! وتساءل هل كل من تقلد منصبا منتميا إلي حزب سياسي قبل الثورة يعتبر مفسدا للحياة السياسية, إذا كان إدانة شخص تكون لمجرد إيراد ذلك في نص قانوني دون التحقق ما إذا كان هذا الشخص قد أفسد فعليا لا ظنيا ولا افتراضيا أم لا.. وهل قرينة الإفساد في هذه الحالة تعد قرينة قطعية لا تقبل الدليل العكسي. وقد وضعت المحكمة الدستورية العليا مبدأ دستوري فقالت إذ أن العبارة في حد ذاتها فضفاضة وغير منضبطة وتعوزها الدقة والتحديد اللازمة في لغة التشريع والتي لا يقوم البنيان القانوني إلا عليها, فضلا عن أنها تتضمن معاني نسبية ويمكن أن يستخدمها الخصوم السياسيين من بعضهم البعض. هذا وحينما عرضت هذه المادة علي المحكمة الدستورية العليا حكمت بإلغائها( القضية رقم65 لسنة6 مدني في6891/6/1). فقد أصدرت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا حكمها بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري بالمنصورة واستندت في ذلك إلي أن حرمان أي مصري من ممارسة حقوقه الدستورية يتعين أن يستند إلي نص صريح في القانون, وهذا يخرج عن اختصاص القضاء ويدخل في اختصاص السلطة التشريعية. وأضافت المحكمة أنه يجب علي السلطة التشريعية عند تنظيمها لهذا الحرمان أن تراعي ألا يؤدي إلي العصف بحقوق الموطنين السياسية ولا ينبغي أن يتم إلا بأدلة وبراهين ثابتة دامغة, وإلا وقعت في مخالفة دستورية تعرض التشريع المزمع إصداره للطعن عليه بعدم الدستورية, حتى ولو استفتي الشعب عليه قبل إقراره وهو الأمر الذي يترتب عليه اضطراب شديد للحياة البرلمانية في مصر ثم أكدت المحكمة أن حكمها السابق إصداره بحل الحزب الوطني موجه إلي الحزب ككيان معنوي ولم يرد بالحكم نص بحرمان أعضائه من الترشيح.. فهي لا تملك إصدار مثل هذا الحرمان. القنابل الموقوتة مزدوجي الجنسية عدم وجود نص قانوني يحرم أعضاء الحزب المنحل من «حقوقهم» السياسية يفتح الباب أمام تساؤل مهم: لماذا لم يصدر هذا النص؟ وقد تعددت محاولات إصدار مرسوم بقانون للعزل السياسي أو استبعاد من أفسدوا الحياة السياسية أو تعديل قانون الغدر. هذا «الفراغ» التشريعي يفتح الباب أمام ترشيح أعضاء الوطني بينما يغلقه تماما حكم «المنصورة». أن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بصفة «مستعجلة» باستبعاد أعضاء الحزب الوطني المنحل من الانتخابات يلزمنا بتوضيح الفارق بين الحزب كشخصية اعتبارية وبين أعضائه إذ أن الحكم السابق القاضي بحل الحزب لا ينسحب أثره على الأشخاص أعضاء الحزب ومن ثم يجوز لأي منهم الترشح في الانتخابات النيابية لمجلسي الشعب أو الشورى طالما لم يصدر القضاء ضد أي منهم حكما جنائيا مخلا بالشرف والأمانة كما أن هذا الحكم صدر في الشق المستعجل فقط دون الفصل في موضوعه إضافة إلى أنه إعمال لقاعدة «شخصية الدعوة» والأثر النسبي للأحكام المقررة في قانون المرافعات المدنية فإن حجية وأثر هذا الحكم المنوه عنه لا تسرى ولا تكون حجة إلا على خصوم الدعوية المرفوعة بينهم دون غيرهم ولا ينسحب على الأشخاص خارج خصوم التقاضي محل صدور الحكم لعدم اختصاصهم فيه، كما أتوقع أن نرى سيلا من الطعون المماثلة أمام محاكم القضاء الإداري على مستوى الجمهورية بغية الحصول على حكم مماثل وما لذلك من أثر سلبي في تغيير المراكز القانونية للمرشحين ومن الضروري التنويه إلى أنه طالما لم يصدر قانون الغدر أو العزل السياسي فيصعب أن تكون هناك مرجعية قانونية واضحة الأدلة يمكن بموجبها الاستناد وتأسيس المنع من الترشح. أن الدعوى القضائية خصومة لها أطراف وأنه فيما عدا الحجية العامة للحكم بعدم دستورية نص أو قانون أو إلغاء قرار عيني، فإن حجية الأحكام قاصرة على أطراف الخصومة، ورغم الصخب والضجيج الإعلامي فإن السؤال: من هو الخصم الصادر في مواجهته حكم المنصورة حتى يمكن الاحتجاج به عليه تحديدا؟ ثم إن الأحكام القضائية تصدر لتحترم وتنفذ فيكف يمكن تنفيذها على شخص لم يكن طرفا في الدعوي، فضلا عن أن الحكم لم يتضمن تحديدا نافيا للجهالة، وهل مسموح لجهة ما أي جهة أن تحدد هي بدلا من الحكم، الشخص الواجب تنفيذه عليه، وحيث إن المادة 62 من الدستور. التي وردت في الباب الثالث منه الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة تنص على أن ” للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون، ومساهمته في الحياة العامة وواجب وطني ” ومؤدى ذلك أن الحقوق السياسية المنصوص عليها في هذه المادة، اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة، ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في ممارسة تلك الحقوق، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسته لها، واجباً وطنياً يتعين عليه القيام به في أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية، ومن ثم فإن إهدار تلك الحقوق يعد بدوره مخالفة لأحكام الدستور ممثلة في المادة 62 منه.