بقلم رانيا مسعود هم فئةٌ تبنت الدفاع عن أي شيءٍ وعن كل شيء، يدعون بالباطل الفهم في كل ما يدور حولهم، ويحاول كل واحدٍ منهم إثبات صحة كلامه وتخطئة الآخر. يدعي بعضهم فهمه في أمرٍ مهم من أمور العامة، وهم في الحقيقة لا علم لهم بأساسيات ما يجادلون بشأنه. من هؤلاء الفئة من نراهم على فضائياتنا وفي الصحف القومية والمستقلة وعلى صفحات بعض المواقع الاجتماعية. لا ننكرُ أنَّ البعضَ يصيبُ نسبيًّا قدرًا ولو بسيطًا من الوعي ما يجعله يحلل بفلسفةٍ سهلة يسيرة الأمور، وهنا نستثنيهم عمن نكتبُ عنهم. أما المقصودون هنا فهم مَن يتخلون عن قضيتهم مقابل المحاباة لأمورٍ أقل شأنًا منها. لن أخوض هنا في تفاصيل ما يدَّعون لكنني أودُ باختصارٍ إلقاء الضوء على مجتمعنا المصري الذي اندمجت كافة فئاته في الميدان منذ الخامس والعشرين من يناير، ثم تفرقوا شيعًا بعد أن تركوا الميدان. فاكتشف المواطن المصري بمحض الصدفة أنه: مسلم وقبطي، إخواني وسلفي، ليبرالي وعلماني، عسكري ومدني، جيش وشرطة، مجلس وشعب، وأخيرًا وليس آخرًا ثورجي وفلولي. وتعددت الفئات والمسميات فيما ندركه جميعًا ويدركه أقل فرد فينا بالمبدأ الذي يعتنقه اليهود الصهاينة ليسودوا به العالم: فَرِّقْ، تَسُدْ. نعودُ للفئة محل الحديث فنجد أن الكثيرين من المسلمين وأثناء اندلاع المشكلات الطائفية يتبنون فكر الدفاع عن الأقباط في مصر فيسبون كلًّا من الإخوان والسلفيين، بل ويشنون عليهم الحرب. كذلك الليبراليون والعلمانيون يشنون الحرب الشعواء على السابقين الذكر من إخوان وسلفيين، وتدورُ الخلافات ولا تتوقف، مع أنهم في الحقيقة كلهم مسلمون موحدون يتبعون دينًا واحدًا ورسولًا واحدًا، لكن نار الحَمِأة تأخذهم للدفاع عن الأقلية القبطية، والأقلية العلمانية، والأقلية الليبراالية، وكأنهم ولاة أمورهم، بينما لا يمنعهم دينهم من التناحر والاختلاف بهدوء واحترام ونظام. وقد وصلت بهم الجرأة أن تعدوا على الدين، فمنهم مَن رفضَ الحجاب، ومنهم مَن سخر من اللحى. وأنا إن كنتُ أعترفُ بتقصيري في جنبِ الله إلا أنني لا أُنكرُ للحية ولا لحجابٍ وجودًا في الدين. فالحجاب مأمورةٌ به كُلُّ مسلمة قد بلغت المحيض، واللحية أطلقها الرسولُ صلى الله عليه وسلم وأطلقها المسلمون تشبهًا به، وأغلبُ شيوخنا بالأزهر ملتحون، ومَن يُطالع رداء المرأة في الموسوعات الوصفية للمصريات قبل مخالطة الأوروبيين ونهل ثقافتهم، سيجدُ أنهن كن يرتدين النقاب وليس فقط الحجاب باعتبار النقاب هو الحجاب الشرعي الذي كان يفرضه الأزهر عليهن في الحضر، بينما نساءُ الريف فكنَّ يختفين في السواد الذي يسترهن من أعلى الرأس إلى أخمص القدم. المهمُ أن اختلافي المظهري معك لا يعني أنني أعلى شأنًا منك وأنَّك أقل شأنًا مني، ومهما كانت درجة اختلافي مع السلفي أو الإخواني فليس من حق السلفي أن يُقيِّم شخصي ولا من حق الإخواني، فنحنُ في النهاية مسلمون. لكن هؤلاء المدعين بالباطل يُنكرون مبادئ وفكر الآخر، حتى إذا سألت أحدهم وهو مسلم في قضية بسيطة عليه معرفتها بحكم دينه، تجده لا يعلم عنها شيئًا، وإذا وجَّهتَ لأحدهم سؤالًا بسيطًا في الصلاة مثلًا تجده لا يعلم عنه شيئًا إذ أنه لا يقيمُ الصلاة، وهي عمادُ الدين مَن تركها فقد هدم الدين وفي حديثٍ شريف أن مَن تركها فقد كفر؛ إذًا أيها الفاضل فَبِم جدالك في أمر اللحية والحجاب وأنتَ لا تُقيمُ لله صلاةً؟ فيردُ أنها علاقته بربه وأن لا شأن لأحدٍ بها باعتباره ليبراليًّا، أو علمانيًّا أو ما شابه، لكنهُ لا يُنكر انتسابه للدين الإسلامي. إذًا فما الحُجَّة التي جعلتك تتحدث في أمر اللحية والنقاب؟ فيقولُ أن والدته أو مثله الأعلى من المسلمين ذويه لم يرتدوا حجابًا ولم يطلقوا لحية؛ ففيمَ حديثك عنهما وأنتَ لا تعرفُ شيئًا عن الرسول وأمهات المؤمنين والصحابة والسلف الصالح؟ بعضهم اتخذ من نفسه مدافعًا عن الأزهر ومنهم الممثلون والفنانون، فهل اتقى أحدكم الله فيما يقدم من فنٍ لا يخجل به أن يواجه الأزهر؟ لا بد لنا ألا ننكر أننا هنا على هذه الأرض بحكم إنسانيتنا، ولا فضلَ لأحدٍ على أحد إلا بالتقوى، ونحنُ لكوننا مسلمين علينا أن نُعلي من مبادئ التآخي والتراحم والوقوف صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، ونحنُ كمصريين علينا أن نتكاتف بكافة فئاتنا لوحدة الصف ولا نسمح لأحدٍ أن يفتت وحدتنا ويشتت شملنا كي لا يُباعد بيننا وبين قضيتنا الرئيسية التي قامت الثورة من أجلها وأُريقت الدماء لتحقيقها: عيش، حرية، وعدالة اجتماعية. وعلينا جميعًا أن ندرك أننا ما أقمنا ثورةً لنتجادل في شؤون الدين ولا الاختلاف العقائدي ولا لمحاكمة القتلة مع أنني لا أنكرُ أهميتها رغم إبعادها لنا عن قضايا الثورة الرئيسية. وأتمنى قبل الدعوة لثورة غضبٍ ثالثة تجوبُ الشوارع والميادين أن نتوحد على ما بدأت عليه الثورة الأولى دون تفريقٍ فئوي أو جدال بالباطل.