عاشتها : سحر عمرو برأس التين بعيدا عن القصور والفلل والشاليهات والعمارات الفاخرة.. في عشش من الصفيح لا تستطيع حماية أهلها من نار الصيف أو هطول الأمطار ، تفتح أبوابها ناحية البحر .. هنا يسكن الصيادون أناس لديهم من العزة والكرامة والصبر الكثير ، تمنحهم قدرة علي العمل المتواصل ليل نهار ، والنوم في الخلاء فوق أسطح المراكب بغطاء ممزق تخترقه تيارات هواء الشتاء القارص .. " الواقع " ذهبت إليهم ، ترصد يوما في حياتهم ، تتعرف علي حياتهم ومشاكلهم وإليكم قصصهم : في الصباح الباكر وصلنا إلى منطقة رأس التين بالإسكندرية ، بين منازله الفقيرة والعشش المنتشرة بحثنا عن بيت "عم حسن الزنيني " ، يلقبونه في تلك المنطقة بشيخ الصيادين رجل لا تفارق الابتسامة وجهه ، رغم عمره الكبير الذي لا يعرف عدد سنواته بالضبط ولكنه يقول 70 سنة ، إلا انه يقف صامدا في تحدي واضح بمعالمه .. يقول : "بأن الصيادين من الطبقات المهمشة في المجتمع ، تعيش على هامش القانون عقل الوطن " في الصباح وعن يومهم يقول عمي حسن ، أن صباحهم يبدأ قبل آذاء الفجر ، إفطارهم يختلف من يوم إلى آخر ، لأنه يرتبط بما يصطادون ، اليوم الذي يعودون فيه بصيد يمكنهم أن يتناولوا الإفطار، أما اليوم الذي لم يرزقهم الله فيذهبون لأعمالهم علي لحم بطنهم بدون إفطار .. وبعد آذان الفجر يخرج الصيادون للعمل ، مجموعة منهم يعملون على أحد المراكب الكبيرة التي يمتلكها "معلمين أو تجار كبار" .. "الفاتحة لله " أول كلمة يرددها الجميع عند خروجهم من باب البوغاز ، يستعينوا بالله سبحانه وتعالى ، رامين حمولهم عليه في إيجاد لقمة عيشهم. البعض منهم يتجه إلى سواحل ليبيا ، يقومون بالصيد على شواطئها ،وهؤلاء طبعا يتعرضون للعديد من المشاكل التي قد تواجههم سواء من السلطات الليبية أو من خطورة البحر في هذه المنطقة. أما البعض الآخر ينتشر شرق البحر وغربه ، للبحث وإيجاد ما يأمل فيه من حصيلة يومه من الأسماك. هذه الفئة من الصيادين تعيش علي أجر يومي أو أسبوعي من أصحاب هذه المراكب ، ولكنهم لا يستطيعون العودة بدون سمك، فإذا رزقهم الله في يومهم بكمية جيدة من الأسماك يستطيعون بيعها ، يعودوا في نفس اليوم .. ولكن إذا لم يقدر الله ويمنحهم رزقهم بما يكفي من اسماك ، يضطرون إلي المبيت على ظهور مراكبهم لليوم التالي ، إلى أن يرزقهم الله بحصيلة جيدة من الأسماك ، لذا تجدهم يحملون كل ما يحتاجون إليه من ماء وثلج لحفظ السمك ، ومأكل وخبز محمص كي لا يصيبه العفن أو التلف ، إذا ما طالته مياه البحر والسولار الكافي لسير المراكب و"الكلوبات الكشافة" التي تجعل المراكب الكبرى تراها من بعيد فتعرف بان هناك مراكب صيادين فلا تصطدم بهم . أما هناك فئة أخرى من الصيادين تشترك معا ، في صناعة ما يسمى ( بالفلوكة ) ، وهي مركب صغير تصلح للصيد أكثر في البحيرات الصغيرة و هذه الفئة تعمل لحساب نفسها لا لتجار آخرين ومعظمهم يعيش على البحيرات في أكشاك من الصفيح .. في الظهيرة المنطقة بالنهار أغلبية الموجودين بها النساء بملابسهم السوداء ، تسمع صراخهم وزعيقهم ، وبعض الرجال العواجيز يحملون " قفف " السمك ، ويستعدون للخروج بها إلى كورنيش والشواطئ لبيع ما يمكنهم ، وفي نهاية اليوم يعودون بالمحصلة ، وبقية السمك يكون غدائهم وعشائهم .. يقول عم" حسن " أن ما يحصل عليه الصيادون من بيعهم من مال ، وحتى أجر من يخرج علي مراكب المعلمين ، كلها جنيهات لا تكفي قوت اليوم ، او حتى مصاريف مدارس الأولاد ، خصوصا انها مهنة ترتبط بالرزق الذي يأتي أيام وأخري تمر بدون أي دخل . في المساء تمتلئ المنطقة بالضجيج والعربات نصف النقل التي تحمل حصيلة المراكب إلى الثلاجات ، وتبدأ المقاهي في استقبال زوارها .. وتدب الحياة في كل أرجائها .. "عم حسن " يشكو من عدم وجود رابطة او نقابة خاصة بالصيادين ، ترعاهم و تحاول حل مشاكلهم أو تتحمل جزء من نفقات علاجهم التي تكلفهم الكثير و من تكاثر المزارع السمكية التي تؤثر بشكل كبير على مبيعاتهم.