أن تتحول الوسائل الإعلامية الفضائية إلى وسائل تمزيق وحدة الوطن العربي أمر بالغ الخطورة، وأن تتحول وسائل الإعلام إلى أدوات للترويج لمشاريع التجزئة التي ترسمها القوى الصهيونية أو أكثر خطورة على مستقبل الوطن العربي، ولذلك ينبغي على الإعلام أن يحترم شرف المهنة ويلتزم الموضوعية ، ولا يجوز أن يظهر في وطننا العربي من يخدم أعداء الأمة العربية والإسلامية ويروج لمخططاته العدوانية. أن ماحدث يعد استمرارًا لسلسلة الإجراءات المرفوضة مثل المحاكمات العسكرية للمدنيين والتضييق على وسائل الإعلام وتفعيل قانون الطوارئ والتي أري أنة يهدف للتضييق على الحريات وتعد التفافًا خطيرًا على مبادئ الثورة التى خرجت مطالبة بالحرية.فقضية الحرية الإعلامية، فنحن أمام نموذجين متناقضين من حيث مستوى الحرية الإعلامية: تونس، ومصر، في الأولى اعتُبِر أن تكميم الأفواه والتضييق على الآراء وخنقها أحد الأسباب الرئيسية للاحتقان في تونس، بينما في المقابل كانت الأجواء في مصر أكثر حرية حتى أنه أصبح معتاداً تعرُّض الرئيس وأركان نظامه للانتقادات الحادة التي تصل إلى درجة السب، مع كشف مَواطن الفساد ورجاله، فكان من المنطقي - قياساً على الأوضاع التونسية - ألا يحدث احتقان. إن ما حدث في مصر كان مفاجئاً؛ فقد تسببت هذه الحرية في تداول حجم هائل من المعلومات بين الناس حول فساد الحكم، وهو ما زاد من مستويات الاحتقان الشعبي، وفسحت الحريةُ المتاحة المجالَ واسعاً لتبادل الآراء والانتقادات الحادة حول أداء الحكومة وأجهزة النظام؛ إذن الاحتقان قائم سواء كانت هناك حرية إعلامية أو كبت إعلامي، بل ما يثير العجب أنه في كلا الحالتين يصبح «الكبت» أو «الحرية» سبباً مباشراً في الاحتقان. وإبطال كيدهم، مع الاعتماد على أحداث الثورة المصرية كنموذج لذلك: الغشاوة التي تكسو العين فلا يرى صاحبها ما يُحدق به: وتمثل ذلك في وضوح ما يخطط له الثوار ويدبِّرون له، ولم يكن هناك عمل في الخفاء؛ بل السمة الرئيسة هنا أن الاحتجاجات تحمل شعار «انشر تؤجر»، ومع ذلك لم يستفدْ النظام من هذا الإعلان قيد أُنمُلة، بل أصبحت العلانية نقطة قوة لأصحابها، وهذا خلاف ما هو معهود في الثورات والأعمال الاحتجاجية التي تستند في نجاحها بالدرجة الأولى على سرِّيتها المطلقة. الإستراتيجية التي اتبعها حبيب العادلي في مواجهة الاحتجاجات جاءت بنتائج عكسية بنسبة مائة بالمائة، وهذه بعض الأمثلة: - كان الأسلوب المتبَع في بداية التظاهرات يوم 25 يناير بعد الظهر هو «الاحتواء الهادئ»؛ يعني: منع الانتشار دون مواجهات مباشرة استناداً إلى أنها «مظاهرة وتعدٍّ»، وكان هذا بالضبط ما يحتاجه المتظاهرون الذين ضموا بين صفوفهم كثيرين ممن هم على حرفٍ وخوف، فكان الهدوء الأولي مناسباً لهم لالتقاط الأنفاس واكتساب الثقة والقدرة على الاستمرار. بعد اكتساب الثقة انتقلت إستراتيجية العادلي إلى أسلوب القمع المباشر، ليزيد من ثبات وصمود المتظاهرين ويبدأ كسر حاجز الخوف حيث تصبح كل ساعة تمر وهم لا يزالون في الميدان دليلا واضحا على اختلال ميزان القوى لصالحهم. بعد ذلك بدأت عمليات القنص والقتل لتكتسب الثورة زخما شديدا من خلال تداول مصطلحات: الشهداء، التضحية، الفداء، الوطنية.. إلخ، ويضاف عنصر «الانتقام» كدافع جديد يجلب مزيدا من الثوار. اتبع وزير الداخلية (حبيب العادلي) إستراتيجية «الفراغ الأمني» لإرباك الخطوط الخلفية للثوار، وهو ما حدث بالفعل فترة من الوقت؛ إلا أن بروز ظاهرة «اللجان الشعبية» المقتبسة من التجربة التونسية، أدى إلى اكتساب الثوار بُعْداً جديداً؛ حيث ازداد تلاحم الجماهير معهم كما ارتفعت قدراتهم التنظمية والإدارية وباتوا يمثلون «ظاهرة وطنية» غير مسبوقة في المجتمع المصري، وهذا كله جعل الشعب يشعر بالانتماء المتبادل بينه وبين الثوار. قدَّمت سياسات النظام روافعَ قوية للثورة نقلتها من مرحلة إلى أخرى كلما أوشك وقودها على النفاذ، من أمثلة ذلك: بعد خطاب حسني مبارك الثاني الذي صيغ بلغة عاطفية لاستمالة الناس، تعرَّضت الثورة إلى هزة حقيقية؛ حيث اقتنع كثيرون بأن الاحتجاجات بلغت نهاية مقبولة، وأنه ليس هناك داع للاستمرار، ولكن ما إن جاء اليوم التالي حتى اندلعت أحداث «موقعة الجمل» الشهيرة بتخطيط من أقطاب النظام، فعادت الثورة لتشتعل من جديد مع إصرارٍ أكبرَ على المواصلة حتى النهاية، كما اكتسب الجمهور «حصانة» ضد خطابات مبارك التي تَلَت ذلك. من روافع الثورة التي قدَّمها النظام أيضاً، وكانت الثورة قد وصلت إلى مرحلة غامضة من الجمود وخشي كثيرون من تحوُّل المظاهرات إلى حدث عادي لا يشكِّل ضغطاً على النظام. الحصار الإعلامي لفعاليات الثورة أدى إلى نتائج عكسية تماماً، فقد أدى حجب مواقع التواصل الاجتماعي ثم قطع الإنترنت إلى نزول أعداد متزايدة من الشباب إلى الشارع بعد أن كانوا جالسين أمام حواسيبهم طيلة اليوم، كما أدت محاولات حجب قناة الجزيرة وقَطْع بثِّها على النايل سات إلى شعور الناس بأن ما تبثه القناة مختلف عن بقية القنوات، فأقبل كثيرون عليها متتبعين تردُّداتها الجديدة، كذلك أدى غلق مكتبها إلى ظهورِ نمط جديد من المتابعة الإعلامية، وهو الاعتماد بصورة مباشرة على اتصالات شهود العيان من موقع الحدث وهو ما جعل الثوار ينصبون شاشات كبيرة في وسط ميدان التحرير لبثِّ إرسال القناة، وهذا الأسلوب اقتبسته فضائيات أخرى من الجزيرة ولا يزال متبعاً حتى الآن في تغطية الثورة الليبية. في محاولة لامتصاص الغضب الجماهيري قام حسني مبارك (الرئيس المخلوع) باتخاذ خطوات «إصلاحية» لإرضاء الشعب؛ تمثلت في إقالة العادلي، وأحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني الحاكم، ووزراء السياحة والتجارة والإسكان، والتحفظ على أموالهم. هذه الخطوة كان المقصود منها تهدئة الناس، ولكنها كانت من «الرعونة» بحيث إنها اعتُبرَت اعترافاً مباشراً من النظام بأنه والغ في الفساد، وهو ما زاد الناس إصرار على إسقاطه. إن إلزام السلطة، أو الدولة ومؤسساتها عندما تقوم فعلا، بالتكفل مباشرة بترقية محيط العملية الإعلامية، لأنه من وظائف السلطة العمومية، مثل تطوير صناعة المعلومات في الوزرات والإدارات وفي المجال الاقتصادي وتجاوز مسألة السرية المفرطة. مسألة ذات طابع استراتيجي هام. ترقية صناعة الإعلام. وتبدأ هذه العملية من ترقية تكوين رجال إعلام المستقبل. وينبغي أن يحدث تطور في هذا المجال، بحيث ينبغي تمكين وسائل الإعلام من إقامة مؤسسات تكوين مشتركة لتحسين مستوى الداخلين الجدد وإتمام تكوين المتخرجين من المعاهد المتخصصة في الجامعة وفق ما تحتاجه المؤسسات الإعلامية. التخلي عن البيروقراطية ومنطقها المتمثلة في وزارة الإعلام، وإعطاء الفرصة للمهنيين إدارة شؤونهم بنفسهم في مجالس منتخبة.ان "الحرية كانت ولا تزال مفتاح تقدّم الإعلام" وأن "الحرية الإعلامية في الوطن العربي وهْم كبير" وأن الحرية في الإعلام الفضائي والإلكتروني فرضتها "التكنولوجيا"، ولم يصدر بها قرار سياسي أو سيادي، "لا توجد قناة تلفزيونية مستقلّة في الوطن العربي كله أن لكل من القنوات الحكومية والقنوات الخاصة قيودها، بل إن "الخاصة يُحاصرها قيدان لا قيد واحد، وهما: قيد رأس المال، وقيد الحكومات التي تُهيمن من وراء الستار".كل ما نراه من أبّهة المدن الإعلامية والأضواء المبهرة والمباني العامرة والمعدّات الحديثة، والمليارات التي تستثمر في إنشاء القنوات، والتي تعدّت 20 مليار دولار، والحشد الإعلامي الكبير، والكمّ الرهيب من البرامج والشعارات الرنّانة عن الريّادة والتميز،..... كل هذا، واجهات منمقة ستظل قاصرة المضمون، ما دامت الحرية غائبة"."الإنترنت الآن هو الوسيلة الممكنة لإقامة حوار شِبه ديمقراطي حقيقي بين الناس، إلا أن هذا لا يظهر بقوة الآن، لأن انتشار الإنترنت على الساحة العربية ما زال محدودا، وأتوقع أن هذه الوسيلة ستكون ثورة الاتصال السادسة". -- كاتب المقال خبير في القانون العام