بقلم د. عادل عامر أن تتحول الوسائلالإعلامية الفضائية إلى وسائل تمزيق وحدة الوطن العربي أمر بالغ الخطورة، وأنتتحول وسائل الإعلام إلى أدوات للترويج لمشاريع التجزئة التي ترسمها القوىالصهيونية أو أكثر خطورة على مستقبل الوطن العربي، ولذلك ينبغي على الإعلام أنيحترم شرف المهنة ويلتزم الموضوعية ، ولا يجوز أن يظهر في وطننا العربي من يخدمأعداء الأمة العربية والإسلامية ويروج لمخططاته العدوانية. أن ماحدث يعد استمرارًالسلسلة الإجراءات المرفوضة مثل المحاكمات العسكرية للمدنيين والتضييق على وسائلالإعلام وتفعيل قانون الطوارئ والتي أري أنة يهدف للتضييق على الحريات وتعد التفافًا خطيرًا علىمبادئ الثورة التى خرجت مطالبة بالحرية.فقضية الحرية الإعلامية، فنحن أمام نموذجينمتناقضين من حيث مستوى الحرية الإعلامية: تونس، ومصر، في الأولى اعتُبِر أن تكميمالأفواه والتضييق على الآراء وخنقها أحد الأسباب الرئيسية للاحتقان في تونس، بينمافي المقابل كانت الأجواء في مصر أكثر حرية حتى أنه أصبح معتاداً تعرُّض الرئيسوأركان نظامه للانتقادات الحادة التي تصل إلى درجة السب، مع كشف مَواطن الفسادورجاله، فكان من المنطقي - قياساً على الأوضاع التونسية - ألا يحدث احتقان. إن ماحدث في مصر كان مفاجئاً؛ فقد تسببت هذه الحرية في تداول حجم هائل من المعلومات بينالناس حول فساد الحكم، وهو ما زاد من مستويات الاحتقان الشعبي، وفسحت الحريةُالمتاحة المجالَ واسعاً لتبادل الآراء والانتقادات الحادة حول أداء الحكومة وأجهزةالنظام؛ إذن الاحتقان قائم سواء كانت هناك حرية إعلامية أو كبت إعلامي، بل ما يثيرالعجب أنه في كلا الحالتين يصبح «الكبت» أو «الحرية» سبباً مباشراً في الاحتقان. وإبطالكيدهم، مع الاعتماد على أحداث الثورة المصرية كنموذج لذلك: الغشاوة التي تكسوالعين فلا يرى صاحبها ما يُحدق به: وتمثل ذلك في وضوح ما يخطط له الثوار ويدبِّرونله، ولم يكن هناك عمل في الخفاء؛ بل السمة الرئيسة هنا أن الاحتجاجات تحمل شعار«انشر تؤجر»، ومع ذلك لم يستفدْ النظام من هذا الإعلان قيد أُنمُلة، بل أصبحتالعلانية نقطة قوة لأصحابها، وهذا خلاف ما هو معهود في الثورات والأعمالالاحتجاجية التي تستند في نجاحها بالدرجة الأولى على سرِّيتهاالمطلقة. الإستراتيجية التي اتبعها حبيب العادلي في مواجهة الاحتجاجات جاءتبنتائج عكسية بنسبة مائة بالمائة، وهذه بعض الأمثلة: - كان الأسلوب المتبَع في بداية التظاهرات يوم 25 ينايربعد الظهر هو «الاحتواء الهادئ»؛ يعني: منع الانتشار دون مواجهات مباشرة استناداًإلى أنها «مظاهرة وتعدٍّ»، وكان هذا بالضبط ما يحتاجه المتظاهرون الذين ضموا بينصفوفهم كثيرين ممن هم على حرفٍ وخوف، فكان الهدوء الأولي مناسباً لهم لالتقاطالأنفاس واكتساب الثقة والقدرة على الاستمرار. بعد اكتساب الثقة انتقلتإستراتيجية العادلي إلى أسلوب القمع المباشر، ليزيد من ثبات وصمود المتظاهرينويبدأ كسر حاجز الخوف حيث تصبح كل ساعة تمر وهم لا يزالون في الميدان دليلا واضحا علىاختلال ميزان القوى لصالحهم. بعد ذلك بدأت عمليات القنص والقتل لتكتسب الثورةزخما شديدا من خلال تداول مصطلحات: الشهداء، التضحية، الفداء، الوطنية.. إلخ،ويضاف عنصر «الانتقام» كدافع جديد يجلب مزيدا من الثوار. اتبع وزير الداخلية(حبيب العادلي) إستراتيجية «الفراغ الأمني» لإرباك الخطوط الخلفية للثوار، وهو ماحدث بالفعل فترة من الوقت؛ إلا أن بروز ظاهرة «اللجان الشعبية» المقتبسة منالتجربة التونسية، أدى إلى اكتساب الثوار بُعْداً جديداً؛ حيث ازداد تلاحمالجماهير معهم كما ارتفعت قدراتهم التنظمية والإدارية وباتوا يمثلون «ظاهرة وطنية»غير مسبوقة في المجتمع المصري، وهذا كله جعل الشعب يشعر بالانتماء المتبادل بينهوبين الثوار. قدَّمت سياسات النظام روافعَ قوية للثورة نقلتها من مرحلة إلىأخرى كلما أوشك وقودها على النفاذ، من أمثلة ذلك: بعد خطاب حسني مبارك الثاني الذيصيغ بلغة عاطفية لاستمالة الناس، تعرَّضت الثورة إلى هزة حقيقية؛ حيث اقتنع كثيرونبأن الاحتجاجات بلغت نهاية مقبولة، وأنه ليس هناك داع للاستمرار، ولكن ما إن جاءاليوم التالي حتى اندلعت أحداث «موقعة الجمل» الشهيرة بتخطيط من أقطابالنظام، فعادت الثورة لتشتعل من جديد مع إصرارٍ أكبرَ على المواصلة حتى النهاية،كما اكتسب الجمهور «حصانة» ضد خطابات مبارك التي تَلَت ذلك. من روافع الثورة التيقدَّمها النظام أيضاً، وكانت الثورة قد وصلت إلى مرحلة غامضة من الجمود وخشيكثيرون من تحوُّل المظاهرات إلى حدث عادي لا يشكِّل ضغطاً على النظام. الحصارالإعلامي لفعاليات الثورة أدى إلى نتائج عكسية تماماً، فقد أدى حجب مواقع التواصلالاجتماعي ثم قطع الإنترنت إلى نزول أعداد متزايدة من الشباب إلى الشارع بعد أنكانوا جالسين أمام حواسيبهم طيلة اليوم، كما أدت محاولات حجب قناة الجزيرة وقَطْعبثِّها على النايل سات إلى شعور الناس بأن ما تبثه القناة مختلف عن بقية القنوات،فأقبل كثيرون عليها متتبعين تردُّداتها الجديدة، كذلك أدى غلق مكتبها إلى ظهورِنمط جديد من المتابعة الإعلامية، وهو الاعتماد بصورة مباشرة على اتصالات شهودالعيان من موقع الحدث وهو ما جعل الثوار ينصبون شاشات كبيرة في وسط ميدان التحريرلبثِّ إرسال القناة، وهذا الأسلوب اقتبسته فضائيات أخرى من الجزيرة ولا يزالمتبعاً حتى الآن في تغطية الثورة الليبية. في محاولة لامتصاص الغضب الجماهيريقام حسني مبارك (الرئيس المخلوع) باتخاذ خطوات «إصلاحية» لإرضاء الشعب؛ تمثلت فيإقالة العادلي، وأحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني الحاكم، ووزراء السياحة والتجارةوالإسكان، والتحفظ على أموالهم. هذه الخطوة كان المقصود منها تهدئة الناس، ولكنهاكانت من «الرعونة» بحيث إنها اعتُبرَت اعترافاً مباشراً من النظام بأنه والغ فيالفساد، وهو ما زاد الناس إصرار على إسقاطه. إن إلزام السلطة، أو الدولة ومؤسساتها عندما تقوم فعلا، بالتكفل مباشرةبترقية محيط العملية الإعلامية، لأنه من وظائف السلطة العمومية، مثل تطوير صناعةالمعلومات في الوزرات والإدارات وفي المجال الاقتصادي وتجاوز مسألة السريةالمفرطة. مسألة ذات طابع استراتيجي هام. ترقية صناعة الإعلام. وتبدأ هذه العمليةمن ترقية تكوين رجال إعلام المستقبل. وينبغي أن يحدث تطور في هذا المجال، بحيثينبغي تمكين وسائل الإعلام من إقامة مؤسسات تكوين مشتركة لتحسين مستوى الداخلينالجدد وإتمام تكوين المتخرجين من المعاهد المتخصصة في الجامعة وفق ما تحتاجهالمؤسسات الإعلامية. التخلي عن البيروقراطية ومنطقها المتمثلة في وزارة الإعلام،وإعطاء الفرصة للمهنيين إدارة شؤونهم بنفسهم في مجالس منتخبة.ان "الحرية كانت ولا تزال مفتاح تقدّم الإعلام" وأن"الحرية الإعلامية في الوطن العربي وهْم كبير" وأن الحرية في الإعلامالفضائي والإلكتروني فرضتها "التكنولوجيا"، ولم يصدر بها قرار سياسي أوسيادي، "لا توجد قناة تلفزيونية مستقلّة في الوطن العربي كله أن لكل منالقنوات الحكومية والقنوات الخاصة قيودها، بل إن "الخاصة يُحاصرها قيدان لاقيد واحد، وهما: قيد رأس المال، وقيد الحكومات التي تُهيمن من وراء الستار".كلما نراه من أبّهة المدن الإعلامية والأضواء المبهرة والمباني العامرة والمعدّاتالحديثة، والمليارات التي تستثمر في إنشاء القنوات، والتي تعدّت 20 مليار دولار،والحشد الإعلامي الكبير، والكمّ الرهيب من البرامج والشعارات الرنّانة عنالريّادة والتميز،..... كل هذا، واجهات منمقة ستظل قاصرة المضمون، ما دامت الحريةغائبة"."الإنترنت الآن هو الوسيلة الممكنة لإقامة حوار شِبه ديمقراطيحقيقي بين الناس، إلا أن هذا لا يظهر بقوة الآن، لأن انتشار الإنترنت على الساحةالعربية ما زال محدودا، وأتوقع أن هذه الوسيلة ستكون ثورة الاتصال السادسة". -- الدكتور عادل عامر خبير في القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية ورئيس تحرير جريدة صوت المصريين الالكترونية وعضو الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية