المصري الجديد يعيش محاطاً بالزبالة.. يلقيها بدم بارد ليس فقط علي قارعة الطريق - سواء في القري أو في المدن - ولكن أيضاً في مياه الري داخل الترع أو في الحقول وسط التربة البكر، ويؤمن السيد مخيمر بأن قيمة النظافة هي من أهم القيم التي يجب أن يتبناها المجتمع. اعتمد السيد مخيمر علي الله وبدأ في وضع خطة لتنظيف قريته.. ولأنه يعرف أن موضوع تنظيف مصر من القمامة هو موضوع شائك.. فقد اعتبر نفسه في حرب لا تقل في أعبائها عن حرب أكتوبر 73 ضد الكيان الإسرائيلي. ولأن المشكلة لا تكمن في القمامة ذاتها.. وإنما تكمن في الإنسان المصري الذي يلقيها بيده طائعاً مختاراً.. تكمن في عقله الذي عجز عن فهم أن إلقاء الزبالة في كل مكان بهذا التبلد.. هو مرادف للعار ويعكس احترام الإنسان لنفسه.. تكمن في عينيه التي استمرأت النظر للشىء السيئ.. وفي قلبه الذي لم يشعر بالهم عندما يسير فيجد القمامة وقد أصبحت سمة أساسية للمظهر العام. لذا فقد بدأ الأخ مخيمر في أولى مراحل تلك المهمة الانتحارية.. ألا وهو محاولة تغيير فكر المواطن المصري أولاً تجاه مسألة القمامة والنظافة.. بدأ في مخاطبة وجدانه.. تارة باللين.. وتارة بالهجوم الشرس.. فعل هذا من خلال جَمعِه لمادة إعلامية مصورة تجمع المتناقضات بين الجمال والقبح.. أتي بصور من شوارع وميادين أوروبا التي تجسد كرامة الإنسان الذي يستحق الحياة.. ومثيلاتها من شوارع وميادين وقري مصر.. صوراً للقذارة في مصرنا الحبيبة.. من الشوارع والترع والمصارف. وذهب الأخ مخيمر بتلك الصور لإلقاء محاضرات في مدارس قريته.. حيث أراد جعل القرية هي التجربة والنموذج.. ذهب للأطفال في الفصول وألقى المحاضرات.. وعندما أغلقت المدارس أبوابها.. ذهب الأخ مخيمر إلي المساجد حيث يجتمع المصلون.. حاضر للرجال وللنساء بالصور الحية عن قيمة النظافة التي افتقدناها في حياتنا.. كانت هذه الصور المتناقضة تُحدث عصفاً فكرياً لدي المشاهد سواء كان طفلاً أو شاباً رجلاً أو امرأة. اتجه مخيمر لتنفيذ المرحلة الثانية من خطته الحربية وفي صحبته عشرة من شباب القرية الأنقياء الذين اقتنعوا بفكر الأخ مخيمر وبدأوا جميعاً يعيشون حلم القرية النظيفة. ذهب الأخ مخيمر بعد أن استمتع بغروب الشمس وهو جالس علي حافة الترعة.. ومر عليه طيف للزمن الجميل.. زمن المصري الذي حافظ علي كل شيء.. واستمتع ببلده واستطاع أن يفاخر به.. مر عليه صوت عبدالباسط عبدالصمد، وفخامة اللغة العربية وهي تخرج من صوت أم كلثوم.. وقارن ذلك بمستوي اللغة العربية المتدني في أداء بعض المحامين لأول جلسات محاكمة مبارك. قارن ذلك الزمن الجميل زمن مصر النظيفة.. بمصر الجديدة المصحوبة بالفوضي التي نعيشها الآن والتي من أجلها يحارب السيد مخيمر حتي بدأ يدفع ثمن هذا الحب من دقات قلبه التي أصاب انتظامها بعض الخلل. عاد الأخ مخيمر إلي بيته مسخناً بجراح خوفه علي مصر كلما وقعت عينه علي كيس قمامة.. لأنه يعرف أن شعباً بهذه المواصفات لن يستطيع أن يبني نفسه.. وقد يكون ذلك سبباً لطمأنة عدوه بأن شعباً بتلك المواصفات سوف يتعثر كثيراً عن طريق النهضة. لما وصل مخيمر المنزل.. أعطته زوجته الجريدة اليومية وفيها احتفل د. عصام شرف ود. عزازي محافظ الشرقية بالبطل أحمد الشحات.. وقالت له زوجته.. انظر.. بطولة أحمد الشحات استمرت نصف ساعة وأثمرت عن شقة وتكريم وخلافه.. وكفاحك منذ سنوات من أجل أن تبني مصر منذ مرحلة الطفولة لم يثمر لأسرتنا إلا الحسرات.