تجسد الدكتورة إيناس عبدالدايم رئيس دار الأوبرا صورة حية للمسئول الباحث عن النجاح والاختلاف.. تحاصرها ظروف مادية صعبة وضغوط كثيرة ورغم كل ذلك تسعى جاهدة للاختلاف ورسم ملامح جديدة على ذلك المبنى الكبير الذى يحتضنه النيل وتتحرك بين جدرانه كل روافد الفنون.. انتظرت ما يقرب من ساعتين قبل لقاء الدكتورة «إيناس عبدالدايم» والحقيقة أننى التمست لها كل الأعذار, خلال هذا الوقت لم تهدأ ولم تتوقف عن استقبال الموظفين الذين لا تنتهى طلباتهم واستفساراتهم. استقبلتنى بابتسامة هادئة لكنها مغلفة بتعب شديد.. وقالت بأدب الكبار: اعذرنى على التأخير كان يومى شاقاً جداً ولكنه مثمر, فقد وقَّعت على بروتوكول تعاون بين الأوبرا وجامعة القاهرة وأواصل التحضير لمهرجان الموسيقى العربية الذى انطلقت فعالياته مساء الأحد بحضور عربى كبير. من هنا بدأ الحوار حول الدورة رقم 24 من عمر مهرجان الموسيقى العربية التي افتتحت فعالياته أمس الأول, والتحديات التى تواجه دار الأوبرا وكيف تسهم بدورها فى النهوض بوعى المواطن الذى يحاصره واقع مرتبك وإعلام لا يتعامل مع قضاياه بحياد وموضوعية. بدأت فعاليات الدورة 24 من مهرجان الموسيقى العربية.. ما الجديد فى المهرجان هذا العام؟ - فى البداية أشيد بالمجهود الكبير الذى بذلته اللجنة التحضيرية لمهرجان الموسيقى العربية، ودور «جيهان مرسى» مدير المهرجان.. الحقيقة أن كل زملائى فى الأوبرا يبذلون ما عليهم حتى تخرج الدورة الجديدة بصورة ممتازة.. ولو تحدثت عن الجديد هذا العام سأقول إن المهرجان يحمل تنوعاً كبيراً وسوف يجد الجمهور تنوعاً عربياً شديد الثراء، يشارك فى هذا الدورة الفنان التونسى صابر الرباعى بعد غياب طويل على مسرح الأوبرا وتعود الفنانة أنغام بعد غياب عامين ومن اليمن تشارك الموهوبة «بلقيس» ومن العراق سعدون جابر ومن سوريا صفوان بهلوان ومن فلسطين يشارك النجم الشاب محمد عساف. كما أن الدورة 24 مهداة لروح الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى الذى رحل عن عالمنا وترك خلفه ميراثاً كبيراً من الكتابات والأشعار العظيمة. الميزانية.. أزمة تهدد المهرجانات الفنية وتحدد مصيرها.. ما تعليقك؟ - بالفعل الميزانية المادية أزمة تهدد المهرجانات.. وهذا ملموس داخل الأوبرا بالتحديد لأن تمويلها ذاتى ولكنى أحاول التغلب على كل الصعوبات بإدارة الأمور بشكل هادئ وبعيد عن الاستسلام.. أنا بطبعى متفائلة ولا أعترف باليأس لذا أسعى لحل المشاكل بالتفكير.. يجب أن تعرف أن أجور النجوم أصبحت خيالية وإقناعهم بالغناء فى الأوبرا أصبح مهمة صعبة لأن أجور الأوبرا أصبحت رمزية لذا بذلنا جهداً كبيراً للتواصل مع النجوم وإقناعهم بالمشاركة فى المهرجان. تردد أن آمال ماهر رفضت الغناء فى المهرجان بينما رحب نجوم عرب دون تردد.. ما تعليقك؟ - آمال ماهر مطربة موهوبة وجمهور الأوبرا دائم السؤال عنها.. ولا أتصور أنها رفضت أو تخلت عن المهرجان ربما يكون وقتها لا يسمح.. أو لديها ارتباط فى نفس توقيت إقامة المهرجان، لذا ألتمس لها العذر، خاصة أنها شاركت فى العديد من الدورات السابقة وحققت حفلاتها نجاحاً كبيراً. تشهد هذه الدورة تنوعاً عربياً كبيراً ويشارك فيها نجوم من أوطان تعانى من واقع سياسى مرتبك مثل سوريا.. هل هذا مقصود؟ - نحن نتحدث عن مهرجان الموسيقى العربية وهذا يعنى الحرص على تواجد أكبر عدد من الفنانين العرب، والوطن العربى مثل الجسد الواحد رغم تباعد المسافات واختلاف وجهات النظر.. لم يكن هناك ترتيب ولكن مشاركة كل النجوم أمر طبيعى وتعد ميزة للدورة الحالية. وهل هناك مخاوف من سيطرة الأجواء السياسة على الفعاليات؟ - إذا كنت تقصد غناء المطربين لأوطانهم واستحضار الألم العربى، فسوف أقول إنه أمر طبيعى أن يغنى الفنان لوطنه.. بالعكس عندما يغنى الفنان لوطنه يصفق الجمهور والتفاعل معه شىء طيب وطبيعى أن ينحاز لبلده الذى يحمل جنسيته وتربى تحت سمائه. سمعنا أن هناك عدداً من النجوم المشاركين قد تبرعوا بأجورهم.. ما مدى صحة ذلك؟ - بصراحة شديدة أجور النجوم مخيفة ولا تتناسب مع مهرجان الموسيقى العربية الذى يتحرك بميزانية محدودة إلى حد كبير.. ولكن هناك عدد كبير من النجوم تبرع بأجره من أجل مصر وقد اجتهدت ادارة المهرجان فى توفير شروطه التى تضمن له ظهور الحفل بشكل مشرف ويليق بحجم ورصيد نجوميته.. بالفعل تبرع عدد من النجوم بالمشاركة ورفضوا الحصول على أجورهم تقديراً واحتراماً لمصر ذلك الوطن الكبير الذى يعد قلب العروبة النابض بالحياة.. ولكن لا تسألنى عن أسماء النجوم المتبرعين حتى لا يحدث حرج لأى فنان. كيف تفكر رئيس دار الأوبرا من أجل الوصول للشباب الذى يعانى أغلبه من حالة تخبط شديدة الوضوح؟ - منذ أيام مضت لحظات وقعت على بروتوكول تعاون بين الأوبرا وجامعة القاهرة.. ويقضى هذا البروتوكول بتقديم حفلتين على مسرح الجامعة فى الشهر.. وسوف تكون البداية فى 16 نوفمبر الجارى بحفلة كبيرة للموسيقار الرائع عمر خيرت وفى 30 نوفمبر سيقدم الفنان على الحجار الحفل الثانى.. الهدف من هذا البروتوكول هو الوصول للشباب الجامعى وتشجيعه على الاستماع إلى الفن الجيد الذى يستقر فى الوجدان ويرتقى بالمشاعر. وهل تؤمنين بنجاح فكرة التواصل مع الشاب.. أقصد هل تثقين فى تحقيق الهدف؟ - أثق جداً فى نجاح فكرتى وأن هذا البروتوكول سوف يساهم بشكل إيجابى فى تصحيح وعى الشباب.. وأكبر دليل على كلامى ما حدث عندما طرحنا تذاكر مهرجان الموسيقى العربية فقد نفدت تذاكر المهرجان بعد 3 ساعات من طرحها وكان أغلب المتزاحمين على التذاكر من الشباب الجامعى.. لدينا مؤشرات كثيرة تؤكد أن الشباب إذا وجد الأفضل فلن يتخلى عنه.. الأوبرا الآن تخوض معركة ضد الإسفاف والابتذال وتحاول الارتقاء بذوق الشباب فى كل محافظات مصر.. سوف نجوب بعروضنا فى كل المحافظات، وبالمناسبة نحن نعرض الفن الذى يناسب كل محافظة حتى نحقق أثراً ملحوظاً.. لذا أقول إننا بدأنا الخروج بعيداً عن أسوار الأوبرا ونسعى للتواصل مع الجمهور فى كل مكان. ما رأيك فى برامج اكتشاف المواهب الغنائية؟ - برامج اكتشاف المواهب الغنائية يحظى بنسبة مشاهدة عالية جداً وحققت نجاحاً كبيراً لكنها فى الأصل برامج تجارية.. ميزة هذه البرامج أنها تفتح طريق الشهرة والانطلاق للأصوات الشابة لكنها كما قلت برامج تجارية الهدف منها الربح فقط. السينما المصرية ليست فى أفضل حالاتها.. هل أثر ذلك على الغناء؟ - بكل تأكيد أثرت السينما على الغناء ولكن سينما الأبيض والأسود كانت داعمة بشكل قوى للغناء.. ولو تأملت الأرشيف السينمائى سوف تجد أغانى رائعة واستعراضات عظيمة ويكفى أن السينما كتبت الخلود لنجوم كبار عندما خاضوا تجربة التمثيل مثل عبدالحليم حافظ ومحمد فوزى وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وليلى مراد.. ويجب الإشارة إلى أن هناك نجوماً من جيل الوسط قدموا أغانى رائعة فى السينما مثل مدحت صالح ولكنى أرفض السينما التجارية التى تعتمد على رقصة وأغنية شعبية ساذجة.. الأصل فى الفن هو أن يقدم رسالة ويرتقى بوعى المتلقى. لمن تنحاز الدكتورة إيناس عبدالدايم إلى الفنانة التي بداخلها أم المسئولة المهمومة بالإدارة؟ - الحمد لله.. أحب كل ما أقوم به وأسعى إلى إنجازه بشكل يرضى ضميرى.. أنحاز إلى الفنانة بكل تأكيد لذا أقدم خلال العام 3 حفلات من خلالها أسعى لإنعاش نفسى ولقاء جمهورى الذى أعتبره صاحب الفضل الكبير فى كل ما وصلت إليه.. وفاتنى القول إن الإدارة التهمت رصيداً كبيراً من الفنانة الموجودة بداخلى.. لكنى أعشق الأوبرا وأتمنى أن تنهض وتصدر الفنون للعالم. هناك اتهام للمؤسسات الثقافية بأنها أشبه بالجزر المنعزلة.. ما تعليقك؟ - فى الماضى كانت مؤسسات الدولة تعمل كجزر منعزلة لكن فى الوقت الحالى هناك حوار وبروتوكلات تعاون بين مؤسسات الدولة، وكما قلت فى موضع سابق وقعنا بروتوكول تعاون مع جامعة القاهرة والأوبرا تجوب بفنونها كل المحافظات من أجل الوصول للمواطن فى أى مكان وإسعاده بفن راق ومحترم.