«وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتّى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلّها». هكذا يتحدث المستشرق الإنجليزي إدوارد براون عن الإمام الحسين. تباينت ردود فعل الشارع المصرى بعد قرار وزارة الأوقاف بإغلاق مسجد الإمام الحسين خلال الأيام التى توافق الاحتفال بعاشوراء، صحيح أن حكومة حازم الببلاوي قامت بالأمر نفسه عام 2013، لكن الأمر بدا وقتها طبيعياً حيث كانت مصر تحت حكم الإخوان المسلمين، أما اليوم فقد اعتبر الفصيل الشيعى القرار تقويضاً لحرياتهم الدينية، فى الوقت نفسه رأى الكثيرون من أهل السنة أن الإمام الشهيد لا يخص الشيعة وحدهم، بل يخص الإنسانية بوجهها العام، واجدين فى قول الكاتب عبدالرحمن الشرقاوي: «الحسين شهيد طريق الدين والحريّة، ولا يجب أن يفتخر الشيعة وحدهم باسم الحسين، بل يفتخر جميع أحرار العالم بهذا الاسم الشريف». دلالة على إحساسهم بالحسين، متسائلين، من أى شىء تخشون على مصر؟ فالمد الشيعى وهم لا يمكن أن يطول المصريين، فالطبيعة المصرية لا تقبل المبالغات ولا الانحرافات الدينية أو حتى الدنيوية. والمد الشيعي مصطلح يطلق على ظاهرة انتشار الشيعة وتزايد أعدادهم في البلدان ذات الأغلبية التى تتبع المذهب السني كمصر، ولاشك أن واقعة كربلاء التى كان ضحيتها الأمام الحسين ونحو ثمانين رجلاً شيعياً تركت تأثيرا بليغا على أفكار بني الإنسان حتى غير المسلمين منهم، فعظمة الثورة وذروة التضحية، كانت نتيجتها مأساة مروعة أدمت قلوب المسلمين وغير المسلمين، وهزت مشاعرهم في كل أنحاء العالم آنذاك، وحركت عواطفهم نحو آل البيت. والإمام الحُسين هو الحُسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي ولد فى 3 شعبان 4 ه ولقى حتفه فى 10 محرم 61 ه، وهو حفيد النبي محمد (ص) ويلقب بسيد شباب أهل الجنة، كنيته أبوعبدالله، وهو الإمام الثالث لدى المسلمين الشيعة، ولد في المدينة، ونشأ في بيت النبوة، ودخل ميدان الحياة السياسية بعد مبايعة والده خليفةً للمسلمين، كان الحسين عوناً لأخيه الحسن في بيعته بعد استشهاد أمير المؤمنين علي، وبايع الناس الحسن خليفةً للمسلمين سنة 40 ه عقب يومين من وفاة والده، وأرسل الحسن إلى معاوية بن أبي سفيان للمبايعة والدخول في الجماعة، لكنه رفض ذلك، فلم يجد الحسن أمامه من سبيل غير القتال، وهال الحسن أن يقتتل المسلمون، فكتب إلى معاوية يشترط شروطا للصلح، أبرزها أن ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده، وأن يكون الأمر من بعده شورى، ورضي معاوية، فخلع الحسن نفسه من الخلافة وسلم الأمر لمعاوية في بيت المقدس سنة 41 ه. ولم يوافق الحسين على رأي أخيه، وظل معترضاً على النزول عن الخلافة، وإن سكت فدرءاً لفتنة قد تنشب بين المسلمين. بعد وفاة الحسن سنة 50 ه، أخذ معاوية يمهد لبيعة ابنه يزيد، وحين عرض معاوية ما عزم عليه، أعلن الكثيرون أنهم لا يرضون بيزيد، وكان أكبر المعارضين، الحسين بن علي وعبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن أبي بكر وعبدالله بن عمر، فلم يقبل الحسين أن تتحول الخلافة الإسلامية إلى إرث، وأبى أن يكون على رأس الإسلام يزيد بن معاوية، فرفض أن يبايعه ولم يعترف به، فكان قتال كربلاء ومع رفض الحسين للتسليم، بدأ رماة الجيش الأموي يمطرون الحسين وأصحابه الذين لا يزيدون على 73 رجلاً بوابل من السهام وسقط أصحاب الحسين واحداً تلو الآخر، ولم يبق في الميدان سوى الحسين الذي أصيب بسهم مثلث مستقراً في قلبه، وراحت ضربات الرماح والسيوف تمطر جسد الحسين، ففصل شمر بن ذي جوشن رأس الحسين عن جسده باثنتي عشرة ضربة بالسيف، فكان مقتله يوم العاشر من محرم سنة 61 هجرية الموافق، وهو يوم عاشوراء. على الرغم من وجود ضريح فى مصر للإمام الحسين على أثر القول برأسه المدفون بها، فإن التشيع لم يدخل مصر إلا عن طريق الدولة الفاطمية العبيدية سنة 358ه، وهم من الشيعة الإسماعيلية، وينتسب العبيديون إلى عبدالله بن ميمون القداح بن ديصان البوني من الأهواز، وكان آخر حكامهم في مصر العاضد، وقد تمكن صلاح الدين الأيوبي من القضاء على دولتهم، وظلت مصر سنيّة. عندما جاء الفاطميون إلي مصر عملوا علي نشر المذهب الشيعي علي الطريقة الإسماعيلية، وهي الفرقة التي ينتمي إليها الفاطميون، وكان أهل مصر في ذلك الوقت من المسلمين علي المذهب السني، وأكثرهم علي الطريقة الشافعية والمالكية، ولكنهم في ذلك الوقت كانوا معروفين بحب آل البيت، وربما ذلك يرجع إلي قدوم عدد من آل البيت إلي مصر فراراً من الخلافة الأموية والعباسية التي بطشت بهم، ومن هؤلاء السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، والسيدة سكينة ابنة الإمام الحسين. كما أن المصريين كانوا قد ضجوا من حكم الإخشيديين وحكم الولاة العباسيين من قبلهم، وكانوا يتطلعون للتغيير. وهذا ما يفسر أن المصريين لم يظهروا أدني مقاومة عند دخول جوهر الصقلي بجيشه إلي مصر سنة 358 / 969 م. عمل الفاطميون علي نشر المذهب الشيعي في مصر باستخدام وسائل ذكية ومبتكرة لترغيب أهل مصر في المذهب الجديد، فإلي جانب تعيين معتنقي المذهب في مناصب الدولة، لجأ الفاطميون إلي استحداث احتفالات دينية لم تكن موجودة من قبل، وربطها بمظاهر فرح وطقوس يغلب عليها البهجة والاستمتاع، وذلك لتحبيب الناس في المذهب الجديد، من تلك الاحتفالات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وليلة النصف من شعبان وعاشوراء واحتفالات شهر رمضان، وابتداع أكلات وأغان لهذه الأعياد منها أكلات الكنافة والقطائف في شهر رمضان، وطبق العاشوراء في مولد عاشوراء، وأغنية وحوي يا وحوي التي يغنيها الأطفال وهم يخرجون بالفوانيس في ليالي رمضان. وفي مجال نشر دراسة المذهب الشيعي، أنشأ الفاطميون الجامع الأزهر سنة 972 م / 361 ه. وفي عهد الخليفة الثاني العزيز بالله عيٌن فيه 35 فقيهاً منقطعين للدراسة وتعليم الناس مبادئ التشريع الشيعي، وفي عهد الخليفة الثالث الحاكم بأمر الله، ابتدع وظيفة جديدة تسمي «داعي الدعاة»، تأتي في مرتبة ثانية بعد قاضي القضاة، وكانت وظيفة داعي الدعاة هى رئاسة مجلس يتألف من 12 نقيباً وظيفتهم تولي شئون دعوة الناس للمذهب الشيعي في القاهرة والأقاليم. كذلك أنشأ الخليفة الحاكم دار الحكمة 1005 م / 395 ه والتي تعني بدراسة المذهب الشيعي دراسة متعمقة وتفصيلية علي الطريقة الإسماعيلية. وظل الأمر كذلك حتي جاء صلاح الدين الأيوبي إلي مصر وأسقط الخلافة الفاطمية عام 1171 م، وقام بتحويل مصر إلي المذهب السني مرة أخري. فعندما اعتلى صلاح الدين كرسيّ الحكم في مصر، سرعان ما عمل على إنهاء الخلافة الفاطمية، «وبذلك عادت إلى مصر السلطة الروحية للخليفة العباسي»، كما عمل على تقوية المذهب السني وتقويض المذهب الشيعي، المذهب الرسمي للفاطميين، مستعملاً في ذلك أساليب متنوعة، منها ما هو عسكري، ومنها ما هو سياسي. فتمثل أسلوبه العسكري في قمعه للحركات وللمؤامرات التي استهدفت القضاء عليه وعلى أنصاره وإعادة الخلافة الفاطمية، مثل حركة «مؤتمن الخلافة» ومؤامرة عمارة اليمني، وثورة الكنز، وإغلاق جامع الأزهر الشريف لسنوات عديدة. أمّا أساليب صلاح الدين السياسية السلمية في محاربة التشيع فتمثلت في أنه اتجه إلى عقول الناس، فعمل على إنشاء المدارس الفقهية التي تدرّس مذاهب أهل السنّة، ولاسيما المذهب الشافعي، واهتم اهتماماً كبيراً بالفقهاء. ويظل السؤال هل حقاً هناك ما يسمى القلق من المد الشيعى الذى يتصور البعض أنه ربما يجتاح مصر وبعض الدول العربية الأخرى؟ ربما يرى البعض أن مصر بها من العوامل ما قد يسعى الشيعة من خلاله لنشر دعوتهم مثل وجود بعض المقامات والأضرحة المنسوبة لآل البيت كالحسين والسيدة زينب ونفيسة ورقية، وانتشار الطرق الصوفية نظراً لتقارب المعتقدات والأفكار بينهم، كذلك إنشاء ما سمي دار التقريب بين المذاهب الإسلامية التي تأسست سنة 1947م، وقد أسهم في تأسيسها عدد من شيوخ الأزهر مثل محمود شلتوت وعبدالمجيد سليم ومصطفى عبدالرازق، وغيرهم، وعدد من علماء الشيعة مثل محمد تقي القمي وعبدالحسين شرف الدين ومحمد حسن بروجردي. كذلك وجود بعض الوجوه المعروفة بتشيعها منهم مثلاً الكاتب صالح الورداني الذى ولد في القاهرة سنة 1952، واعتنق التشيع سنة 1981، وقد أصدر أكثر من 20 كتابًا منها: الحركة الإسلامية في مصر، الواقع والتحديات، مذكرات معتقل سياسي، الشيعة في مصر، الكلمة والسيف، مصر وإيران، فقهاء النفط، راية الإسلام أم راية آل سعود، إسلام السنة أم إسلام الشيعة، موسوعة آل البيت. ومحمد الدريني نسبة إلى درين في مدينة المنصورة بمصر، من مواليد قرية سيلا بمحافظة الفيوم بصعيد مصر درس مدة في الأزهر وترأس إدارة المجلس الأعلى لرعاية آل البيت بمصر منذ تأسيسه. وحسن شحاتة الصوفي الأزهري وهو من مواليد سنة 1946 بمحافظة الشرقية، عمل إماماً لمسجد الرحمن في منطقة كوبري الجامعة، واعتقل سنة 1996 في قضية التنظيم الشيعي وأفرج عنه بعد ثلاثة أشهر. والدكتور أحمد راسم النفيس، من مواليد 1952 في مدينة المنصورة، ويعمل أستاذاً مساعداً لكلية الطب في جامعة المنصورة، له كتب عن الفكر الشيعي هي «الطريق إلى آل البيت» و«أول الطريق»، و«على خطى الحسين»، اعتقل في حملة سنة 1987. وتصدى النظام لما يطلق عليه «المد الشيعى» لم يبدأ اليوم إنما الأمر له تاريخ، من ذلك مثلاً، موقف الرئيس الراحل أنور السادات بعد قيام ثورة الخوميني في طهران سنة 1979، حيث اتخذ السادات منها موقفاً معارضاً، وقام بحل جمعية أهل البيت ومصادرة ممتلكاتها، وأصدر شيخ الأزهر عبدالرحمن بيصار وقتها فتوى تبطل الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت بجواز التعبد بالمذهب الجعفري، وفي عام 1987 تم القبض على تنظيم يضم العشرات من المتشيعين، واتهم بمحاولة اختراق أسر وعائلات كاملة في وسط الدلتا، وبصفة خاصة محافظة الشرقية، وفي سنة 1988، تم القبض على 4 عراقيين من المقيمين في مصر واثنين من الكويتيين، وثلاثة طلاب من البحرين، ولبنانيين، وفلسطيني، وباكستاني، وتم إغلاق دار النشر المصرية الشيعية «البداية»، ووجهت إليها تهمة تمويل من إيران، وكذلك دار النشر الشيعية اللبنانية «البلاغة». وفي العام نفسه تم ترحيل القائم بالأعمال الإيراني محمود مهدي بتهمة التجسس والاتصال مع شخصيات شيعية مصرية والترويج للفكر الشيعي، أما في سنة 1989، فقد تم القبض على تنظيم من 52 فردًا، بينهم 4 خليجيين وإيراني. وفي سنة 1996، تم الكشف عن تنظيم يضم 55 عضوًا في 5 محافظات، سعوا إلى مد نشاطهم في خمس محافظات مصرية، وسعوا إلى تكوين خلايا شيعية سرية تحت اسم «الحسينيات» جمعها مستوى قيادي باسم «المجلس الشيعي الأعلى لقيادة الحركة الشيعية في مصر»، وفي نوفمبر سنة 2002م تم القبض على تنظيم بزعامة محمد يوسف إبراهيم، ويعمل مدرساً في محافظة الشرقية، ويحيى يوسف، إضافة إلى صاحب مطبعة، اتهموا بالترويج لتنظيم شيعي يسعى لقلب نظام الحكم وكان ذلك بقرية «المنى صافور» التابعة لمركز ديرب نجم وقد تم الإفراج عنهم بعد أقل من أسبوعين من اعتقالهم، وفي عام 2005 تم القبض على محمد الدريني بتهمة نشر التشيع وتم الإفراج عنه بعد 14 شهرًا ثم تم اعتقاله مرة أخرى في عام 2007 بعد أن تم القبض على مدير مركز «الإمام علي» الحقوقي المتهم بالتشيع.