من يتأمل مشوار وأعمال المخرج الكبير «على عبدالخالق» يكتشف أنه مخرج استثنائى.. فلم يقدم أعمالاً ضعيفة المحتوى أو هشة الفكرة.. انحاز الرجل للفن الجيد والإبداع الحقيقى الذي يكتب لصاحبه البقاء والخلود حتى بعد الرحيل.. في خط مستقيم فضل المبدع «على عبدالخالق» السير ولم يلجأ مطلقاً للسير عكس الاتجاه مهما كانت الإغراءات. بئر الخيانة، أربعة في مهمة رسمية، شادر السمك، إعدام ميت، أغنية على الممر، نماذج من أعمال على عبدالخالق كلما يمر الزمن عليها تزداد توهجاً ولمعاناً.. التقينا المخرج الكبير ليتحدث عن مشوار حياته كيف بدأ وما هي لحظات الانكسار والانتصار فى حياته.. وإلى نص الحوار: كيف كانت البداية.. وهل اعترضت الأسرة على اختيار السينما طريقًا للحياة؟ - كان والدى يعمل «ضابط بوليس» وكان يتمنى أن أكون مثله ووعده صديقى بأن يساعدني في الالتحاق بكلية الشرطة عقب النجاح في الثانوية العامة.. ولكن في هذه المرحلة كان حبى للفن ينمو ويزداد بداخلى، خاصة بعد مشاهدة فيلم «بين الأطلال»، فقد شاهدت الفيلم 19 مرة، ومن فرط حبى للفيلم قررت العمل في مجال الإخراج، وبالفعل التحقت بمعهد السينما ونجحت بتفوق في اختبار القبول الذي كان يجريه معنا 11 مخرجاً كلهم أسماء كبيرة منهم محمد كريم وتوفيق صالح وكمال الشيخ وفطين عبدالوهاب، من هنا بدأت رحلتى مع السينما. وهل نالت أعمالك الأولى الإعجاب أم كانت تحتاج إلى توجيهات وملاحظات؟ - أنا مؤمن بأن الإنسان عندما يحب أي شىء يجتهد حتي يظهر بشكل وصورة جيدة، بعد التخرج فى معهد السينما قمت بإخراج مجموعة من الأفلام التسجيلية منها وأهمها «السويس مدينتى» سنة 1970 وشاركت بهذا الفيلم في المهرجان القومي للأفلام التسجيلية، والذي كان يتولى رئاسته في ذلك الوقت الراحل سعد الدين وهبة، وفاز الفيلم بالجائزة الأولى.. بعد ذلك تم ترشيحي لإخراج فيلم تسجيلى عن «جنازة جمال عبدالناصر» وفزت وزملائى المشاركون في العمل بجوائز كثيرة لأن العمل كان شديد الثراء. وكيف خرجت فكرة فيلم «أغنية على الممر» للنور؟ - بعد سلسلة طويلة من الأفلام التسجيلية بدأت أفكر في عمل فيلم عن الحرب، خاصة أنني قمت بتصوير أفلام تسجيلية عن آثار الحرب والدمار فى مدن القناة.. من هنا ولدت بداخلى فكرة تقديم فيلم عن تضحية الجنود من أجل حرية الوطن.. فيلم «أغنية علي الممر» من تأليف الأديب الكبير علي سالم، وكان الفيلم عبارة عن مسرحية من فصل واحد.. كتبها عندما استشهد شقيقه في الحرب، وكنت سعيداً بتحويل هذه المسرحية إلي فيلم لأنها قصة إنسانية شديدة الثراء. كانت المسرحية تدور حول مجموعة من الجنود.. شاء القدر أن يجدوا أنفسهم في ظروف صعبة، حيث انقطعت عنهم المياه وأصبحوا لا يجدون الطعام وتحت الحصار يرفض الجنود الاستسلام ويدافعون عن وطنهم. وما قصة منعك من العمل في مؤسسات الدولة بعد عرض فيلم «أغنية على الممر»؟ - بعد عرض الفيلم أشاد به النقاد وحقق نجاحاً كبيراً وحصل على جوائز من كل المهرجانات التى شارك بها.. وتمت دعوتى في ندوة بجامعة القاهرة حول الفيلم وحضر معى الندوة الفنان صلاح السعدنى وسامي السلامونى وأثناء الندوة طرح أحد الطلاب سؤالاً حول عام الحسم ولماذا تأخر السادات في الحرب ورد الاعتبار واتخذت الندوة منحى آخر فوجئت بعد ذلك بإصدار قرار من القيادة السياسية بمنعي ومعى 12 اسماً من العمل، كان أغلبهم من اليسار، ومنهم محمود أمين العالم ولطفي الخولى وصلاح السعدنى، وعشت وأسرتى ظروفاً بالغة الصعوبة لا أبالغ إذا قلت إنني كنت أتوقع الاعتقال بين لحظة وأخرى وعاشت أمى وأشقائى لحظات عصيبة. ومن الذي تدخل لحل أزمة وقفك عن العمل؟ - مرت شهور علي قرار الوقف وكنت أشعر بالظلم وفي الوقت نفسه كنت أثق في أن الله سبحانه وتعالى سوف ينصفنى خاصة أنني لم أرتكب أي خطأ أحاسب عليه، وبالفعل تم تعيين الأديب الكبير يوسف السباعى وزيراً للثقافة والإعلام.. والحقيقة أن الرجل رحمه الله كان متابعاً جيداً لشغلى وفور تعيينه طلب مقابلتى وعندما ذهبت قال لي هناك أسماء كبيرة وكثيرة طلبت لقائى لكني طلبت لقاءك حتي أطلب منك العودة للعمل.. الشيء الذي أدهشني وجعلني سعيداً هو أن يوسف السباعى قال لي إنه سوف يطلب من الرئيس السادات عودتى للعمل وإذا رفض سوف يستقيل من منصبه، كنت مندهشاً وسعيداً، وبالفعل اتصل بالرئيس السادات وأبلغ السادات «عبدالحميد جودة السحار، رئيس مؤسسة السينما بعودتى وإلغاء الوقف.. فاتني القول إنه عندما تم وقفي كنت أقوم بإخراج فيلم للتليفزيون رغم استبعادى والاستعانة بمخرج آخر، وهنا غضبت ماجدة الخطيب بطلة الفيلم ورفضت العمل تضامناً معى. بعد العودة قدمت فيلم «حبال من حرير» بطولة مريم فخر الدين وسهير المرشدى، وكان من إنتاج التليفزيون.. وقدمت أيضاً فيلم «بيت بلا حنان» وكان من إنتاجى وبطولة نادية لطفي وهدي سلطان وجميل راتب ونادية لطفي، وفوجئت بأن الفيلم لم يحقق الإيرادات المنتظرة ولكن بعد ذلك كسبت من التوزيع الخارجى.. في هذه المرحلة كنت متردداً أحاول تقديم شيء جماهيري أم شيء يتفق مع أفكارى وقناعاتى وبعد تفكير طويل قررت الانحياز لأفكارى وقررت أن أعمل الأشياء التي أحبها وأقتنع بها. وما هو الفيلم الذي اتفق مع قناعاتك وأفكارك.. وهل حقق النجاح وقت عرضه؟ - كل الأعمال التي قدمتها بعد فيلم «بيت بلا حنان» كانت متفقة مع قناعاتى، ولكن كانت البداية من خلال فيلم «الحب وحده لا يكفى» بطولة نور الشريف وميرفت أمين وناهد شريف وعادل إمام، وقد سافر الفيلم إلي مهرجان قرطاج وحقق نجاحاً كبيراً.. بعد ذلك توالت أعمالى منها: «العار» و«إعدام ميت» و«جرى الوحوش» و«أربعة في مهمة رسمية» و«شادر السمك» و«الكيف» و«السادة المرتشون» و«بئر الخيانة» وأعتبر فترة الثمانينيات هي فترة المجد والشهرة والانطلاق، ولا أبالغ إذا قلت إنني كنت الأعلى أجراً بين المخرجين.. بالمناسبة أنا أخرجت للراحل نور الشريف ستة أفلام وقد نالت هذه الأفلام نجاحاً كبيراً على مستوى النقد وشباك التذاكر. في عدد كبير من أفلامك كنت تجمع بين أكثر من نجم.. كيف كنت تسيطر علي أدائهم؟ - في أفلام كثيرة جمعت بين نجوم من العيار الثقيل وكنت لا أجد صعوبة في توجيه الكبار لأن كل فنان في الفيلم يحاول جاهداً إظهار أفضل ما لديه من أداء، لذا عندما تشاهد الفيلم تكتشف أن هناك مباراة تمثيلية بين النجوم.. دائماً المنافسة تكون في صالح العمل الفني، وأكبر دليل على ذلك أن أفلام مثل «العار» و«جرى الوحوش» و«إعدام ميت» حققت نجاحاً كبيراً وتركت علامة في تاريخ السينما. ولكن ما الشيء الذي أحزن على عبدالخالق طوال مشواره الفنى؟ - فى حياة كل منا لحظة انتصار وانكسار، ولكنى أعتبر عدم التوفيق في فيلم «يوم الكرامة» لحظة انكسار كبيرة، فقد بذلت في هذا الفيلم مجهوداً كبيراً وقدمت أكشن جديداً في كل شىء وجمعت بين نجوم من الشباب بشكل جيد كان منهم ياسر جلال وأحمد عز ولكنه صدمني استقبال الجمهور للفيلم، فلم يحقق إيرادات رغم أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون عمل دعاية كبيرة للفيلم ولم يبخل عليه بأى شيء.. عدم التوفيق في الفيلم جعلني أدرك أن نوعية الجمهور تغيرت، لذا قررت الاعتزال والابتعاد عن الساحة الفنية. ولكنك قدمت بعد ذلك فيلم «ظاظا رئيس جمهورية»؟ - فعلاً تراجعت عن القرار بعد إلحاح هاني جرجس فوزي، فهو صديق قديم وطلب مني الاطلاع علي السيناريو ووجدت الفكرة جيدة وجريئة في وقتها والتقيت الفنان هاني رمزي ووافقت علي إخراج الفيلم.. بالمناسبة هذا الفيلم حقق إيرادات مرتفعة وحظى بإعجاب الجمهور والنقاد.. فاتني القول إنه تم حذف 20 دقيقة من زمن الفيلم وكانت الرقابة علي المصنفات الفنية ترفض عرضه لولا تدخل ساويرس الذي اتصل بالفنان فاروق حسني وقتها وتم تشكيل لجنة لمشاهدة الفيلم برئاسة جابر عصفور الذي كان يشغل منصب رئيس المجلس الأعلي للثقافة.. وانتهت اللجنة إلي الموافقة علي عرض الفيلم تجارياً ولكن بعد حذف 20 دقيقة من زمن التصوير، بعد ذلك قمت بإخراج مسلسل «البوابة الثانية» بطولة النجمة نبيلة عبيد وهو مسلسل جيد في الفكرة ويحمل روح الوطنية. ما أصعب لحظة في حياة المخرج الكبير علي عبدالخالق؟ - في حياتى لحظات كثيرة أذكر منها لحظة وفاة أمى التي كنت شديد الارتباط بها، ووفاة شقيقي الذي كان يعاني الإصابة بمرض الصرع وعندما مات تألمت لرحيله جداً، وتبقى أيضاً لحظة وفاة زوجتى الأشد إيلاماً لأن رحيلها جاء بشكل مفاجئ، كنت دائماً أقول لها إنني سوف أرحل عن الدنيا قبلها ولكن القدر كتب نهايته قبلى.. كانت شديدة التفاهم والذكاء ووقفت بجانبى كثيراً، بعدها أحسست أن الدنيا أغلقت أضواءها القريبة والبعيدة عنى. تؤيد أم تعارض فكرة اشتغال الفنان بالسياسة؟ - أنا ضد أن يترك المبدع مجاله الفني ويتفرغ للعمل بالسياسة لأن الفنان مؤسسة سياسية في حد ذاته.. يستطيع أن يقول ويعبر عن كل ما يدور في عقله وبطريقة سهلة يصل للملايين من الناس. هل أنت راضٍ عن حال السينما؟ - لست راضياً، وأتمنى أن تدرك الدولة أن السينما في خطر ويجب عليها العودة للإنتاج، فهناك أفلام كبيرة عن الحروب تحتاج إلى ميزانية كبيرة حتي تظهر بشكل جيد والمنتج الفرد مستحيل أن يغامر لأن رأس المال جبان وله حسابات صعبة.