بقلم : محمد عبد القادر منذ 43 دقيقة 6 ثانية رغم سخونة الأحداث المتلاحقة على السطح، والتى تزيد يوما بعد يوم من مساحات الإختلاف بين مختلف القوى الوطنية من جانب، كذا بينها وبين المجلس العسكرى من جانب آخر، إلا إننى لا أود التعليق أو الخوض فى كتابة السطور عنها، حيث أننى لازلت أتذكر هنا الأحداث منذ 25 و28يناير الماضى وكيف كانت تبدو مشاعر الدهشة والوجوم والخوف والقلق والترقب جمعيها مختلطة مرتسمة على كثير الوجوه من حولى.. علامة الإستفهام والتعجب الكبرى: ما الذى يحدث فى التحرير؟!.. كيف واتت الجرأة المحتشدين على رفع الشعار "الشعب يريد إسقاط النظام"؟!.. كيف وصلت بهم الدرجة إلى تحدى النظام ورأسه؟!.. كيف صمدوا أمام غدر رصاصات القناصة وإندفاع خراطيم المياه ودخان القنابل المسيلة للدموع؟!.. كيف تحول البعض القليل من الشعب الطيب الوديع إلى جمع كبير من الأسود الغاضبة تزأر بالميدان لترهب النظام الجاثم على صدرها لمدة 30عام، بل ويحلم بالإستمرار من خلال وريثه ربما ل 30عاما أخرى.. كيف حدث هذا؟!. والحقيقة هى أن أحدا لم يخطط لمجريات لأحداث وتتابعها لتخرج نهاية بالشكل الذى خرجت عليه.. لن ينزل من نزل مختزنا فى عقله أى خطة لما يمكن أن يحدث أو لديه سيناريو مرسوم لمجريات الاحداث وما يمكن أن تسفر عنه نهاية، بل ولم يكن يدور بخلد أحد أن النظام وغباء القائمين عليه هو من سيساهم نهاية بإسقاط نفسه بنفسه، خاصة بعدما أدارت المفاجأة رأسه الثقيل، الذى لم يعد لديه القدرة على رفعه من جديد، من ثم سقطت. لم يكن لدى أحد سواء ممن أطلق عليهم "الثوار" أو أيا غيرهم خريطة طريق محددة الأهداف أو المراحل أو الوسائل، بل توحد الجمع فقط على هدف واحد، وهو إسقاط الرأس لا النظام، ذلك على خلاف ما رفعوه شعارا، تلك الرأس التى ما إن سقطت حتى تفرقوا وأنقسموا فيما بينهم وذهب كلا من جديد للدفاع عن أهدافه والسعى نحو تحقيق مصالحه الخاصة، بل وإثارة الجدل والصراع حول هوية الدولة: مدنية أم دينية؟!. لازلت أتذكر هنا أيضا هذا الإنقسام والجدل حول "القائد" الملهم، الذى غاب عن مشهد ثورة يناير.. فحينما ذهب الكثير إلى أن غياب القيادة هو ما أعطى للثورة بريقها وأكسبها قوتها كونها ثورة "شعبية" ضمت تحت لوائها "شعارها" مختلف طبقات الشعب وفئاته، إلا إنه سرعان ما اتفق الجميع على أن غياب القيادة، خاصة فيما بعد سقوط "المخلوع" هو ما أفضى بنا إلى هذا المشهد اليوم، الذى يتصارع فيه كثير التيارات والحركات والإئتلافات، من ثم بقاء الوضع على ما هو عليه فيما قبل "الثورة" ذلك فيما عدا غياب أسماء البعض والتغيير فى وجوه من جاءوا بعدها، الذين لازالوا يعملون على ذات النهج القديم، وهو مرجعه للإهتمام حتى الأن بإختيار الأسماء والأشخاص فقط وليس بنظام الإدارة، الذى تبنى على أساسه المؤسسات التى تدير الدولة، تلك التى انحصرت مهامها خلال 30 عاما على خدمة شخص واحد ومجموعة محاسيبه ومنافقيه من الذين عملوا تحت يده ويد أبنائه وارثى تركته. ربما هذا المعنى هو ما حمله مقال د.عمرو الشوبكى بجريدة (المصرى اليوم) 1/9 تحت عنوان:"الثورة الرمادية"، ذلك حينما ذكر:"إن أخطر تحد تواجهه الثورة المصرية هو خريطة طريق واضحة لبناء البلد، وتغيير جذرى فى بنية المؤسسات العامة وطريقة عمل الوزارات والجامعات ووسائل الإعلام، ووضع نمط جديد للإدارة يتسم بالكفاءة والمهنية، وهى كلها أمور لم نفعل فيها شيئا لأننا انشغلنا بالأشخاص وليس بالمؤسسات، فتغيير الأشخاص أمر سهل لكن بناء المؤسسات أمر صعب، وهذا هو الفارق بين الثورات وتجارب التغيير التى نجحت وتلك التى تعثرت. تحتاج مصر خطة لتعمير سيناء لا للحرب مع إسرائيل، وأخرى للقضاء على الأمية والفقر وغيرها من التحديات والمشكلات التى ستحتاج إلى شباب لديه مهارات أخرى غير ثقافة الاحتجاج...". وعليه فالمطلوب بالفعل هو خريطة طريق للجميع.. خريطة طريق للإتفاق من جديد.. للعودة إلى وحدة الصف. خريطة طريق لكيفية الخروج من المرحلة الإنتقالية الحالية، التى لم تعد تحتمل التمديد. خريطة طريق للمستقبل.. لكيفية بناء الوطن من جديد.