موتوسيكلات.. الانفلات الأمني بقلم :عباس الطرابيلي منذ 41 دقيقة 59 ثانية من شرفة منزلي المطل علي شارع بورسعيد أري كل مساء صورة من الانفلات الأمني.. التي أصابت الوطن منذ اندلاع تلك الثورة العظيمة التي تحاول تصحيح أخطاء عهد سابق.. وهي صورة تحكي مأساة حقيقية هي هذا الغياب الحقيقي للسلطة.. وللشرطة.. ولكل القوانين.. مثلاً كانت محافظة دمياط تعاني من مشكلة انتشار الموتوسيكلات بحكم طبيعة هذه المحافظة: مدينة مركزية.. تتبعها عدة مدن أصغر.. وعشرات من القري، ومعظم شباب القري يعملون في المدينة المركزية، من هنا فهذا الموتوسيكل هو وسيلة الانتقال الاولي مع معاناة سيارات الميكروباص والتقت رغبة الشاب في الحصول علي وسيلة انتقال مع انخفاض ثمن هذا الموتوسيكل، وحاولت سلطات ما قبل 25 يناير الحد من هذه الظاهرة.. وكانت تصادر الموتوسيكلات التي تحولت من وسيلة للنقل الي وسيلة للقتل في أيدي الصبية وصغار الشباب.. مع مضايقات للمارة.. وجاءت ثورة يناير.. وغابت السلطات، كل السلطات، من شوارع محافظة دمياط وطرقها، اكبر مما غابت عن غير دمياط.. حتي أصبحت دمياط، هي أكبر محافظة في مصر كلها تنتشر فيها هذه الموتوسيكلات، ولست أغالي اذا قلت ان عدد الموتوسيكلات فيها أكثر من عدد المشاة، واسألوا الدمايطة!! وما شدني أن الموتوسيكل يركبه أكثر من واحد.. فاذا قلنا اثنان من الركاب فهذا هو الامر العادي، أما غير العادي فهو ثلاثة ركاب ولكن المصيبة أن الموتوسيكل الواحد يركبه أربعة أشخاص بل وأحيانا خمسة.. تخيلوا!! فإذا كانت اسرة كان الركاب هم الزوج والزوجة وثلاثة أبناء.. وأحياناً رابعهم علي كتف الأم!! أما ألعاب الشقلباظ بالموتوسيكلات فهي من الأمور العادية كأن يرفع السائق العجلة الأمامية.. وينطلق هو والموتوسيكل علي الاطار الخلفي!! ولأن مصيف رأس البر هو وسيلة الترفيه الرئيسية في كل المحافظة.. فما أن ينتهي الشاب من عمله في صناعة الموبيليات مثلاً ختي ينطلق ويحمل معه من يقابله من أصدقائه إلي رأس البر فتنافس الموتوسيكلات السيارات.. ويتحول شارع بورسعيد من مدخل المصيف إلي نهايته إلي ساحة للسباق بين هذه وتلك ويصعب علي المشاة عبور الشارع من رصيف إلي آخر والويل لمن يحاول.. والسؤال الآن: هل هناك سلطة ما تمنح تراخيص بسير هذه الموتوسيكلات، سواء داخل المصيف الذي كان هادئاً أو علي الطرق الخارجية المؤدية له.. أو حتي بين القوي وهل هناك سلطة تملك السيطرة علي عدد راكبيها حماية لأنفسهم.. وحماية للمارة.. وأيضا لراكبي السيارات واذا كان هذا هو وضع رأس البر، فالحالة تتكرر في مدينة دمياط فلا ادارة مرور تسيطر علي الأمور.. والاعجب أنها تمنح تراخيص سير لهذه الموتوسيكلات دون حساب بينما كانت في الماضي تدقق ولا تسمح الا بحصص محددة كل عام!! وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد.. ذلك اننا نسمع كل مساء أصوات سارينة سيارات الشرطة والاسعاف وغيرها تنطلق من هذا الموتوسيكلات وايضا من السيارات الخاصة والتاكسي فلا نعرف لمن تدق هذه السارينات، التي كان محرماً علي أي مركبة في السابق استخدامها، اذا كان القانون يمنع تركيبها الا في سيارات الشرطة والاسعاف، وكان كل من يفعل ذلك يتم تغريمه ومعاقبته.. ولم تعد هذه الظاهرة مقصورة علي الموتوسيكلات.. ولكنها امتدت إلي ماعداها من سيارات.. والطريف أنهم يستخدمون هذه الاصوات والسارينات خلال «زفة العرايس» مساء كل يوم!! وفوضي هذه الظاهرة وتلك يجب أن توقف وفوراً.. ولا يجب أن تستمر.. وأن تخرج دوريات من شرطة المرور تقف في مفارق الطرق لضبط الأمور وإيقاف المخالفين.. وان تتم فوراً عمليات ترخيص مثل هذه الموتوسيكلات الصينية الصنع وان نعاقب كل مستورديها الذين استغلوا فترات الانفلات الأمني.. وان نعيد النظر في قوانين الاستيراد.. ولا نترك الأمور «للسداح مداح» أيضا نحد من نظم البيع بالتقسيط الذي تسمح الآن بأن يتسلم الشخص، أي شخص، أي موتوسيكل اذا دفع عدة مئات من الجنيهات فقط كمقدم للتقسيط.. وهو نظام يرسخ فوضي الانفلات الامني.. فوضي الشارع المصري.. إن ما يجري في رأس البر وكل محافظة دمياط هو صورة لما يجري في كل مدن مصر ومحافظاتها.. ونتعجب متي تعود السلطة.. وتستعيد الشرطة هيبتها فلا يجرؤ أحد علي استعمال سارينة الشرطة جهاراً نهاراً.. الا يكفي 7 اشهر لكي يعود الانضباط إلي الشارع المصري.. وما الذي يؤخر ذلك.. بل: لمصلحة من نسمح باستمرار هذه الاوضاع.. هل هذا هو ما تريده الحكومة بداية من المجلس الاعلي إلي رئاسة مجلس الوزراء.. إلي وزير الداخلية. وهل يحتاج اعادة الامن إلي كل هذا الوقت.. وهل تأخرت الدولة في تقديم الاعتمادات المالية الكافية لجهاز الشرطة ليستعيد دوره كاملاً في حفظ الأمن .. أم أن جهاز الشرطة الحالي يحتاج إلي شجاعة خاصة. الشعب يصرخ لتعود السلطة والشرطة وتعود للقوانين قيمتها وفعاليتها فهذا أفضل من تلك الحالة التي نعيشها الآن حالة الغياب الأمني الكامل في كل أنحاء بر مصر..