فى الوقت الذى تعيد فيه الحكومة روح الأمل والتغيير لدى الفقراء والمساكين، تعانى الأسواق من اشتعال أسعار اللحوم الذى يحرق محدودى الدخل بموجات غلاء فاقت كل التوقعات، وتشتد الأزمة مع قرب حلول عيد الأضحى المبارك، وانتهاز التجار والجزارين الفرصة لسلب ما فى جيوب «المعدومين» وهو الفتات فى ظل غلاء المعيشة وتدنى الرواتب والأجور، وجعلهم يشعرون بمرارة الحاجة والفقر والعوز. فيما تتنامى دعوات لمقاطعة اللحوم الحمراء المبالغ فى أسعارها، التى تتبنى شعار «بلاها لحمة»، نظراً لعدم قدرتهم على الشراء، بعد وصول سعر كيلو اللحم البلدى ل 90 جنيهاً، وكذلك الخراف الحية للقائم ل 38 جنيهاً، واللحوم المستوردة ل 75 جنيهاً، وطالبوا بضرورة تفعيل الرقابة على الأسواق واتخاذ إجراءات فورية حازمة وحاسمة من قبل الدولة لضبط التجار الجشعين الذين يتلاعبون بمقدرات الشعب ولحماية المستهلك. ورغم إقامة التجار للشوادر وعرض الجزارين الذبائح فى المحلات لجذب أنظار المواطنين، إلا أن الأسواق شهدت إقبالاً محدوداً من المواطنين على شراء لحوم الأضاحى، وأصبحت حركة البيع والشراء شبه متوقفة، وتوقع التجار أن تنفرج حالة الشراء فى الأيام القادمة مع اقتراب حلول عيد الأضحى. وقد كشفت جولتنا فى بعض الأسواق وكبرى محلات بيع اللحوم بمحافظتي القاهرة والجيزة، انفلاتاً واضحاً فى أسعار اللحوم البلدية الحية بنسبة 52٪، وأحشاء الماشية من مكان لآخر زادت بنسبة 01٪. شاهدنا الخراف والماشية على أرصفة شارع البحر الأعظم وفى الشوارع الجانبية بمنطقة السيدة زينب، وعندما توجهنا إليهم أكدوا ضعف حركة البيع والشراء، وأرجعوا ذلك إلى تفضيل المواطنين للحوم المستوردة والأكلات الشعبية من فواكه اللحوم، وأن القلة من المواطنين التى تأتى إليهم، ممن يشترون الحيوانات بغرض الأضحية. وعن أسعار اللحوم البلدية الحية، نجد أن سعر كيلو اللحم الجاموسى القائم للعجل «الذكر» يتراوح ما بين 03 و13 جنيهاً بدلاً من 82 جنيهاً للعام الماضى، وسعر كيلو اللحم الجاموسى للأنثى إلى 72 جنيهاً بدلاً من 52 جنيهاً، بينما يصل سعر كيلو لحم العجل البقرى «الذكر» إلى 53 جنيهاً بدلاً من 72 جنيهاً، ويتراوح سعر كيلو لحم الخراف القائم ما بين 53 و83 جنيهاً، كان يباع ب 72 و82 جنيهاً العام الماضى، أى يصل سعر الخروف القائم ما بين ال 0051 جنيه إلى 0052 جنيه، بزيادة تراوحت ما بين 2 و 3 جنيهات للكيلو مقارنة بالعام الماضى. وعن حركة البيع والشراء وكذلك الأسعار، يقول عبدالرحمن مسعد، تاجر خراف وعجول بشارع البحر الأعظم: إن ارتفاع أسعار الماشية والعجول الحية من المنبع نتيجة انخفاض المعروض، وهو ما أثر بالسلب على حركة البيع والشراء التى تسير ب «طلوع الروح».. ومع هذا نحن ننتظر زيادة حركة البيع والشراء قبل وقفة عرفات بأسبوع، رغم أن العام الحالى نراه أفضل من العام الماضى. وعن أسعار لحم الجاموس الحى «القائم» فيبدأ من 27 إلى 31 جنيهاً، وبلغ سعر اللحم البقرى الحى 35 جنيهاً، بينما بلغ سعر لحم الخراف 38 جنيهاً. وهذا ما أكده محروس محمد، تاجر مواشى، مضيفاً أن بائعى الخراف والمواشى يقومون بشراء العجول الحية والخراف من محافظات الصعيد المختلفة مثل محافظاتأسيوط وسوهاج وقنا وغيرها، وهى تكلفنا أعباء ومصاريف نقل وعلف تصل إلى 052 جنيهاً للرأس. أما اللحوم البلدية المذبوحة فاشتعلت أسعارها، فوصلت أسعار كيلو اللحم البتلو المشفى ل 85 جنيهاً، والبفتيك ل 85 جنيهاً، والعرق الرستو ل 85 جنيهاً، وتعدى ال 100 جنيه فى بعض الأحياء الراقية وفقاً للقطعية المطلوب شراؤها، والكندوز الطازج قطع صغيرة وصل سعره إلى 80 جنيهاً، بعدما كان يباع ب 60 و65 جنيهاً فى معظم المناطق الشعبية، والكبدة الكندوز بنحو 85 جنيهاً للكيلو، كما وصل سعر كيلو الفخدة الضأن ل 75 جنيهاً، والريش الضأن ل 75 جنيهاً، والزند الضأن ل 65 جنيهاً، والرقبة الضأن ل 50 جنيهاً، والسجق البلدى ل 50 جنيهاً بدلاً من 38 جنيهاً للكيلو للعام الماضى، والبرجر البلدى ل 50 جنيهاً، والسمان ل 85 جنيهاً، والقلب والكلاوى بنحو 80 جنيهاً للكيلو. أكد الحاج محمد سليم، الشهير ب «أبوعمر»، صاحب «جزارة أولاد فكرى» بمنطقة أرض يعقوب بالسيدة زينب، أن عمليات ذبح الأضاحى قلت إلى النصف، لعدم الرغبة فى الشراء إلا بكميات قليلة للغاية. وعن الأسعار، يقول الحاج سليم: البفتيك وصل سعره إلى 85 جنيهاً للكيلو، وعرق الرستو ل 85 جنيهاً، والكندوز الطازج قطع صغيرة وصل سعره إلى 80 جنيهاً بدلاً من 60 و65 جنيهاً، والكبدة الكندوز تباع بنحو 85 جنيهاً للكيلو، الفخدة الضأن ل 75 جنيهاً، والريش الضأن ل 75 جنيهاً. وأضاف: أن أسعار اللحوم حالياً زادت بنسبة 25% علي العام الماضى، والسبب يرجع إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والتربية والعمالة والنقل. كما لاحظنا أن الارتفاع فى أسعار اللحوم لم يفرق بين المستورد والمحلى، حيث وصل سعر كيلو اللحوم السودانية ل 40 جنيهاً بعدما كان يباع ب 37 جنيهاً، وكذلك ارتفعت أسعار اللحوم البتلو إلى 75 جنيهاً، وصوابع القشرة ب 41 جنيهاً، واللحوم المجمدة من 45 جنيهاً إلى 57 جنيهاً لكيلو اللحم الاسترالى، وأيضاً لحم الأوروجواى ب 57 جنيهاً، والموزة المجمدة ب 37 جنيهاً للكيلو. ويقول حازم محمد عبدالحميد، مدير مجمع استراند التابع للأهرام للمجمعات الاستهلاكية: إن أسعار اللحوم فى المجمعات الاستهلاكية أقل من أسعار الأسواق، فهى فى متناول محدودى الدخل، وأن أسعار اللحوم السودانية وصلت إلى 40 جنيهاً، واللحم الاسترالي 75 جنيهاً. هنا «المدبح».. ملاذ الفقراء ويشهد سوق «فاكهة» اللحوم بمذبح السيدة زينب، إقبالاً غير مسبوق من محدودى الدخل، الذى هرب من الارتفاع الجنونى للحوم إلى سوق «الحتت» الفشة والكرشة والممبار، رغم أن أسعارها زادت بنسبة 10% علي العام الماضى. ارتفعت أسعار كيلو اللحم البتلو البلدى إلى 85 جنيهاً، ولحمة الرأس إلى 30 جنيهاً ولها زبون خاص، وكذلك الكوارع العجالى يباع ب 80 جنيهاً للجوز، والبتلو ب 50 جنيهاً، والعكاوى وصل سعر الكيلو إلى 80 جنيهاً، بعد أن كان يباع ب 35 جنيهاً، والفشة ب 25 جنيهاً بدلاً من 15 جنيهاً للكيلو، والكرشة ب 10 جنيهات، والكبدة والقلب والكلاوى ب 75 جنيهاً بدلاً من 35 جنيهاً، والممبار الضأن ب 25 جنيهاً للكيلو، ورأس العجل البقرى الكبير يباع بنحو 250 جنيهاً والرأس الصغير ب 50 جنيهاً. أما وليد المراجدى، جزار بالمدبح، فيرى أن وراء أزمة الغلاء احتكار التجار الكبار، الذين يديرون الأمور فى مذبح السيدة زينب، حسب أهوائهم، وفى الآخر ما يحكم السعر مسألة العرض والطلب، ورغم ارتفاع أسعارها بنسبة 10% عن العام الماضى، إلا أننا لم نكن نتوقع زيادة الإقبال على الفشة والكرشة والممبار بهذا الشكل، وأن أسعار اللحوم البقرى وصلت إلى 85 جنيهاً، ولحمة الرأس إلى 30 جنيهاً، والفشة ب 25 جنيهاً. فقراء مع المقاطعة التقينا بعدد من المواطنين الذين عبروا عن معاناتهم من الزيادات الملحوظة فى أسعار اللحوم البلدية التى دائماً ما تأتى صادمة، خاصة قبيل عيد الأضحى المبارك. يقول صفوت محمود، 65 سنة، على المعاش: أرحب بحملات مقاطعة اللحوم، لكونها أنسب الحلول للوضع الحالى، فى ظل غياب الرقابة على شراء اللحوم بعد أن وصل سعر كيلو اللحم البلدى إلى 90 جنيهاً، فأنا أعول أربعة عاطلين.. وأتقاضى معاشاً لا يتعدى 700 جنيه، وأسكن فى شقة إيجارها 200 جنيه، بخلاف مصاريف المعيشة الصعبة.. فمن أين أشترى خروف العيد؟ بينما قال يوسف على، مدرس، 46 سنة: لا نملك سوى الفرجة فقط على لحوم الأضاحى، نظراً لارتفاع أسعارها، مما يصعب شراؤها، لكننى سأكتفى بشراء لحمة الرأس والفشة والكرشة والممبار، بدل ما نتحرم من اللحمة خالص. أما عبدالمنعم خليل، موظف، فيقول: نريد من كل جزار أن يتقى الله فى الفقراء، لأن الأسعار مرتفعة جداً بلا داعى، والزيادة طالت اللحوم المستوردة بأنواعها، وأصبحت فوق طاقة محدودى ومتوسطى الدخل، بل نعتمد الآن فى غذائنا على البقوليات بدل اللحم. ورداً على حملة مقاطعة اللحوم والمدشنة بعنوان «بلاها لحمة يا جزارين» تقول الدكتورة سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك: إن فكرة مقاطعة شراء اللحوم «جيدة» فى حد ذاتها، من أجل محاربة الغلاء، ووصول أصوات البسطاء إلى المسئولين، حتى يمكن تفعيل دور الجهات التنفيذية والأجهزة الرقابية على كل السلع وليست اللحوم فقط. وأضافت: أن الحكومة استوردت مؤخراً 75 ألف رأس ماشية للحد من أزمة ارتفاع الأسعار.. فأين ذهبت؟ وطالبت بوضع خطة وآليات صارمة لتشديد الرقابة على الأسواق ومنها منع انتقال الماشية بين المحافظات، ومنع ذبح إناث الماشية، مع توقيع أقصى عقوبة على المخالفين. استراتيجية قومية ومن جانبه اعتبر محمد وهبة، رئيس شعبة القصابين بغرفة القاهرة التجارية، أن حملات مقاطعة اللحوم محاولة «إيجابية» من المواطنين لإجبار المحتكرين على التراجع عن جشعهم، مما يجعل المواطنين يعتمدون على اللحوم المستوردة بشكل كلى، وبالتالى ستصبح اللحوم البلدى رفاهية لا يلجأ إليها إلا الأغنياء. تابع «وهبة»: أسعار اللحوم حالياً غير مستقرة وفى زيادة مستمرة، لأن ما يحكم السعر مسألة العرض والطلب. مضيفاً: أن إنتاج مصر من اللحوم البلدية يعادل 40%، ونسبة استيرادنا من اللحوم تعادل 60%.. وهذا يشير إلى أن الدول المصدرة للحوم هى التى بيدها التحكم فى الأسعار بكل سهولة، لأن الإنتاج غير كاف، نظراً لقلة عدد رؤوس الماشية فى مصر، مما تسبب فى وصول سعر كيلو اللحم إلى 70 و80 جنيهاً، بالإضافة إلى انتشار الأمراض المختلفة والخطيرة، التى تؤثر على الثروة الحيوانية، بخلاف أعباء تكاليف تربية المواشى والإنتاج والنقل بدءاً من العمالة ونهاية بالأعلاف.. وكل هذه الأسباب سببت ارتفاعاً فى أسعار اللحوم. ويوضح «وهبة»: أن الحل الأمثل يأتى من جانب الدولة عن طريق الإهتمام بتنمية الثروة الحيوانية لزيادة الكفاءة الإنتاجية للماشية، والتحصين الحكومى ضد الأمراض، حتى يتم تحويل مسار مصر من أوائل المستوردين إلى أكبر مصدريها، لأننا نلجأ إلى الاستيراد من أجل سد النقص فى اللحوم بالأسواق، الأمر الذى يتطلب تضافر جميع الجهود لوضع استراتيجية قومية لحماية الثروة الحيوانية وتحسينها. التكافل الاجتماعى ومن جهته يقول فضيلة الشيخ على أبوالحسن، رئيس لجنة الإفتاء الأسبق بالأزهر الشريف: إن التكافل الاجتماعى «فريضة واجبة» فى الإسلام فهو يقوم على عناصر الرحمة والشفقة بالتصدق مهما كان المال قليلاً، وعلى تعهد أحوال الفقراء والمساكين والتعرف على حاجاتهم فى المعيشة التى اكتوى بها البشر، بسبب ارتفاع الأسعار المستمر.. فعيد الأضحى المبارك تمتاز أيامه بالمواساة والتراحم والتكافل بين المسلمين، عن طريق ذبح الأضاحى وتفريقها على الفقراء والمحتاجين، ومساعدتهم مالياً ومعنوياً، وتلبية بعض متطلباتهم، وتحقيق بعض حوائجهم، وهى من أفضل الأعمال عند الله، التى دعا إليها الإسلام.. فالتكافل والمواساة يظهران فى العطف على الفقراء بإطعامهم، وما يمثله ذلك من مساعدة لهم وإشعارهم بالأخوة فى الدين وأنهم جزء من المجتمع «غير منسى».. مؤكداً أن التقصير فى حقوق هؤلاء الضعفاء، هو إثم عظيم، وهذا ما توضحه بعض الآيات الكريمات والأحاديث الواضحة فى حقهم، ومن كلام رب العالمين: «ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه الله»، وقال تعالي: «من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم»، وقال جل شأنه: «أليس الله بأعلم بالشاكرين»، وهناك حديث شريف لرسول الله: «إنما تنصرون وترزقون بالضعفاء والمساكين»، وعن أنس بن مالك رضى الله عنه: قال رسول الله: «ما آمن بى من بات شبعانا وجارة جائع إلى جنبه وهو يعلم به»، وقال صلي الله عليه وسلم: «أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العانى».