«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«النحاس» باشا منع مخططاً لاغتيال «عبدالناصر» حرصاً على أمن مصر
مصطفى عبيد يكتب عن الأيام الأخيرة فى حياة حبيب الناس
نشر في الوفد يوم 23 - 08 - 2015

بعد نصف قرن على رحيل حبيب الناس نعيد «النكش» فى تفاصيل غامضة ولحظات مهمشة من حياته، تلك التى أعقبت عزله عن الناس، وتحديد إقامته الجبرية، وإطلاق حملة تشويه متعمدة ضده وضد عائلته دون منحه حق الرد أو التعقيب حتى التعليق.
تلك السنوات الثلاث عشرة الأخيرة من عمر مصطفى باشا النحاس والتى عاشها لصيقا بالمرض، زاهداً فى الظهور، مرصوداً من الأمن، أسيراً للمرض والشيخوخة. تلك السنوات التى تطاولت عليه فيها السهام ولاحقته الاتهامات والشائعات فى محاولة للنيل من تاريخه أو الحد من شعبيته، لكن إرادة الله أبت فصل توأم الوطن عن الناس حتى يوم رحيله، فخرجت الملايين فى شوارع الاسكندرية والقاهرة تودع الرجل الأنبل فى تاريخ السياسة والوطنية المصرية.
كانت سنوات العزلة شغلى الشاغل، وبحثى الدؤوب لأتعرف كيف عاش الرجل الذى تولى حكم مصر خمسس مرات على مدى ربع قرن، سنوات التأميم والطغيان وتأسيس حكم الفرد؟ كيف عايش الإرهاب البوليسى والدعايات السوداء والتزلف للحكام الجدد؟ ولماذا لم يساير أو يبايع الزعيم الجديد الذى صنع زعامته ببطولات كاذبة؟
صلات وفاق
ما يذكره «النحاس» باشا فى المذكرات المعروفة- «مذكراته التى أملاها على سكرتيره الخاص محمد كامل البنا»-يفيد فرحه بحركة الضباط عندما قامت فى 23 يوليو وتفاؤله فى البداية بها . لقد كان فى أوروبا فى رحلة علاج وكان عمره وقتها 73 عاماً ولم يسافر أبداً بالطائرة، لكنه قرر قطع العلاج والعودة إلى مصر فوراً ليركب الطائرة لأول مرة. إنه يقول عن ذلك: «كانت فرحتى بقيام الثورة قد أنستنى تهيبى من ركوب الطائرات، وبينما أنا أجلس على مقعدى حضر الطيار وأخبرنى بأن فاروق قد وقع على وثيقة تنازله عن العرش لابنه أحمد فؤاد الطفل ورحل عن البلد، فكانت فرحتى بهذا النبأ فرحة غامرة وسرورى به كبيراً».
واللافت للنظر أكثر أن اجتماعاً عقده النحاس وفؤاد سراج الدين مع أعضاء من مجلس قيادة الثورة حضره اللواء محمد نجيب بعد ثلاث ليال من الحركة كان إيجابياً للغاية حتى أن اللواء «نجيب» قال ل«النحاس» وقتها: «إحنا بنفذ سياستك أنت زعيم البلد وزعيمنا».
لكن يبدو أن الضباط الذين كانوا خارج سيطرة «نجيب» نفسه كانوا يرون «النحاس» تحديداً عقبة فى طريق انفرادهم بالسلطة. وبدأت نواياهم تجاه الحريات تتضح شيئاً فشيئاً بعد مظاهرات قام بها عمال كفر الدوار طالبوا خلالها بإنصافهم، فما كان من مجلس قيادة الثورة إلا أن قبض عليهم وحاكمهم على عجل وصدر الحكم بإعدام اثنين منهم ونفذ على الفور.
انقلاب على الزعيم.
ولم تمر أيام على نشر جريدة المصرى لنص قانون تحديد الملكية الزراعية الذى أعلن فؤاد سراج الدين موافقة الوفد عليه، إلا ونشرت جريدة «أخبار اليوم» موضوعاً عن علاقة الوفد بالضباط، ذكر فيه أن فؤاد سراج الدين وضع ضباط الثورة فى جيبه. ومن هُنا بدأ التوتر يكسو علاقة زعماء الوفد وضباط الحركة، خاصة جمال عبدالناصر الذى استجاب سريعاً لاقتراح سليمان حافظ بمحاكمة زينب الوكيل حرم «النحاس» باشا ومصادرة ثروتها، لأن أحداً من الناس لن يصدق اتهاماً ضد «النحاس»، وسيعلو أكثر فى أذهان الناس.
ولم تمر أيام قليلة على ظهور مصطفى النحاس فى صلاة الجمعة بالإسكندرية حتى صدر قرار بتحديد إقامته. لقد غضب «عبدالناصر» بشدة من التفاف الجماهير حول الرجل وهتافهم باسمه حتى أن ابراهيم طلعت فى مذكراته المعنونة «أيام الوفد الأخيرة»، يشير إلى أن عساكر البوليس خشوا من عشرات الآلاف من الناس ولم يتعرضوا للرجل المسن الذى حملته الجماهير.
كان ذلك سهماً موجعاً شعر به «عبدالناصر» الذى كان يسعى لتأسيس زعامة منفردة. رُبما كان يعلم أن تحوله إلى قائد كاريزمى يستدعى تأييد ومساندة زعيم محبوب مثل «النحاس» له، خاصة أنه رفض محاكمته طبقاً لشهادة أنور السادات التى كتبها أنيس منصور فى كتابه «من أوراق السادات»، وذكر فيها أن «عبدالناصر» عارض مقترحاً لدى مجلس قيادة الثورة بمحاكمة «النحاس»، قائلاً إنه ولى من أولياء الله الصالحين وأنه لا يظلمه أحد ويفلح، بل إنه ذكرهم بأنه نجا من 7 محاولات اغتيال متقنة.
لكن محاكمة النظام لحرم «النحاس» وتحديد إقامته أصاباه بحنق تجاه الحكام الجدد الذى رآهم لا يتورعون عن أي ظلم من أجل تحقيق وترسيخ دولتهم. وكان يمكن للرجل أن يجمع الناس ويحرضهم ضد الدولة، وكان كثير من ضباط الجيش على خلاف مع «عبدالناصر»، لكن «النحاس» خشى على الوطن من الانقسام والتشرذم ورفض مبدأ المقاومة بالعنف مؤثرا التفرغ للعبادة وقراءة القرآن.
سر خطير
إن ابراهيم طلعت أحد قادة «الطليعة الوفدية» يكشف سراً خطيراً فى مذكراته، عندما يقرر بصراحة أن محاكمة الوفديين ومصادرة أموالهم وتحديد إقامة «النحاس» وحل الأحزاب دفعه كل هذا إلى التخطيط لعمليات اغتيال مباشرة لعدد من زعماء حركة يوليو على رأسهم «عبدالناصر» نفسه، رغم انه كان صديقاً له يوماً من الأيام. ويشير «طلعت» إلى أنه تحدث مع بعض شيوخ الوفد فى ذلك وفوجىء ب«النحاس» باشا يستدعيه ويحتضنه ويطلب منه أن يخرج تلك الوساوس الشيطانية من رأسه. وقال «النحاس» لراوى الشهادة: إن أمن مصر أسبق وأكبر وأهم من أى شىء. قال «طلعت»: لقد تنصلوا من وعودهم، وسيحاكمونكم. رد «النحاس»: ولو، إن القوات المسلحة هى ضمان أمن الناس ولا يمكن أن تتحول إلى خصم. واحتضن «النحاس» ابنه وتلميذه ابراهيم طلعت وأخبره بأن الغدر والاغتيال لا يقيم دولة ولا يرد حقاً.
وهكذا يعلنها «النحاس» قاطعة بأنه لن يقامر بأمن الناس وسيصبر وسيصمد وسيخرج من العمل السياسى، لكن رغم ذلك تستمر حملات التشهير ضد الرجل وضد حرمه، ويسرد الطبالون والزمارون أكاذيب ،ويحرّض المتلونون ضده وضد شيوخ الوفد، فيكتب مثلاً سيد قطب مطالباً بوضع رجل مثل «النحاس» فى المتحف.
ورغم ذلك يؤثر «النحاس» الصبر ويعكف على تقضية يومه بين ثلاثة أمور هى قراءة القرآن، ولعب الطاولة، والتحدث إلى أبناء وبنات أصهاره الذين كانوا يزورونه باستمرار وكان بعضهم يقيم معه.
أسير المرض والفقر
ويبدو أن المرض بدأ يزحف على الرجل الذى عاش عمره مستقيماً ومُنظماً فى كل أعماله ومهتما بصحته ورياضته وبعده عن السهر والتدخين، وأصيب الرجل فى البداية باختلال فى ضغط الدم وصار لزاماً عليه أن يتناول أدوية بصفة دورية. وكانت حرمه هى الأخرى تعانى من مرض السكر وكانت ثروته قد تمت مصادرتها فى محاكمة استثنائية جائرة، ولم يبق للاثنين سوى معاش شهرى قيمته 120 جنيهاً كان عليهما أن يدفعا منه إيجار البيت، وأجور الخادم والبواب، فضلاً عن طعام الزائرين وحتى أفراد الشرطة المكلفين بمراقبة منزل الباشا. لذا فإن مبلغ المائة وعشرين جنيهاً لم تكن تكفى احتياجات الباشا المريض وزوجه، لذا فقد اضطرت زوجته فى البداية إلى بيع حليها وبعض قطع الأثاث لتاجر لبنانى شهير يدعى الياس مفرج، ثُم اضطرت حرم النحاس إلى تسريح سائقها الخاص والخدم خاصة وأن الأدوية كانت تلتهم معظم المعاش.
وشعر بعض الوفديين وبقايا الاسر القديمة بالخجل من حال زعيم مصر واجتمعوا وقرروا تجميع مبلغ من المال للإنفاق به على مرض الزعيم. وحول ذلك يقول «النحاس» باشا فى مذكراته: وجاءنى عثمان محرم وأحمد حمزة وفؤاد سراج الدين، وبدأ فؤاد الحديث قائلاً: أنت تعلم أن «عبدالناصر» استولى على جميع ما تملك السيدة حرمك وأن المعاش لا يكفيك ولا يفى بمطالبك الضرورية ونحن والحمد لله لا يزال لدينا زائد عن حاجتنا، ولطالما غمرت المحتاجين منا ومن أعضاء الهيئة الوفدية وأنصار الوفد بعطفك وفضلك كعهدنا بك، كما عودتنا أن تنزل عند رأى الجماعة وقد قررنا أن نساهم معك فى بعض النفقات ونرجو ألا ترفض طلبنا.
فغضبت ورفضت أن أقبل منهم أى مال على أية صورة، لكن عثمان محرم وأحمد حمزة قالا لى إننا سندفع ما ندفع كسلفة نقرضها لك كما فعل بنك مصر عندما خفض صدقى معاشك، ومادام التاريخ يعيد نفسه وما دمنا لا نستطيع أن نحمل القائمين على أمر بنك مصر الآن على أن يقرضوك فقد قررنا أن نحل محلهم ونرجو أن تنزل كما عودتنا على رأى الأغلبية وليس يضيرك أو يمس من كرامتك.
والواقع أن ذلك الأمر لم يستمر كثيرا، فلم تلبث أن فرضت الحراسة على جميع الكافلين ووقتها لم تجد زينب الوكيل بدا من الاتصال بالرئيس جمال عبدالناصر مباشرة باعتباره رئيساً لمصر بغض النظر عن موقفها الشخصى منه. وتسجل لنا مذكرات «النحاس» باشا نص المكالمة وهو كالتالى:
زينب الوكيل: أنا زينب الوكيل حرم الرئيس السابق مصطفى النحاس.
فقال «عبدالناصر»: أهلاً وسهلاً.. فى حاجة؟
فقالت: تعلم أن كل ما أملك صودر وأصبحت لا أجد ما أستطيع أن أواجه به الحياة وأنا مسئولة عن زوجى الذى مهما كان رأيكم فيه فلا ينكر أحد أنه ظل يخدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، وقدم ما قدم فهل ترضى أن يهان فى أخريات أيامه، والا يجد ثمن الدواء الذى يعالج به؟
فرد قائلا: لست أرضى بهذا ولا أقبله فماذا تطلبين؟
قالت «زينب»: أطلب أن تأمر بصرف مبلغ لى من إيراد أموالى التى تحت يد الحكومة لأنفق على مطالب الحياة كى لا أمد يدى للناس.
فقال: سأفعل
وبعد يومين اتصل محمد أحمد وقال إن سيادة الرئيس «عبدالناصر» أمر بصرف ثلاثمائة جنيه شهريا للإنفاق منها على مطالب الرئيس السابق مصطفى النحاس.
رسالة طه حسين
وفى الحقيقة، فإن زيارات الوفديين الأصلاء لم تنقطع عن رفعة «النحاس» باشا وحرمه، وكان معظمهم من المحامين أو من عائلات الأعيان التى تعرضت للتأميم والمصادرة، وفى يوم من الأيام عام 1962 فوجئ «النحاس» باشا زيارة غير معتادة يقوم بها الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى ووزير التعليم فى آخر حكومة للوفد. لقد كان «حسين» ممن رأوا فى حركة الضباط حركة إصلاح اجتماعى ضرورى، هو ما جعل «عبدالناصر» يقربه ويعتبره من مستشاريه، وقال طه حسين ل«النحاس» إنه يحمل رسالة من الرئيس جمال عبدالناصر إليه مفادها أنه لم يتعرض له، ولم يسيئ إلى مكانته ولم يحاكمه، لكنه يراه معرضاً عنه ولا يؤيده، وكانت مفاجأة أن يرد «النحاس» باشا عليه بأنه لم يحاكمه، لكنه ليته فعل، ولم يتعرض لزوجته التى تحمل اسمه ولم يقدمها للمحاكمة بتهم واهية وأدلة كاذبة وجعل الجلسة سرية ولم يسمح للمحامين بحضورها ولا نشرها. وأضاف «النحاس» قائلاً لطه حسين: إن «عبدالناصر» لم يتعفف عن إلصاق التهم بسيدة مهيضة الجناح ويحاكمها دون دليل أو برهان إلا الشائعات وأشياء اقتبسوها من الخصوم والأعداء ونقلوها بلا تصرف ولا عقل ولا مراعاة لكرامة أو أخلاق.
وخلال هذه الزيارة تحديداً قال «النحاس» لطه حسين: إنه طلّق السياسة طلاقاً بائنا لا رجعة فيه وأنه يأمل أن تنتهى حياته على الستر والتوحيد تاركا الحكم عليه للتاريخ.
وداعا للوطن
وبدأ المرض يشتد على الرجل الذى تجاوز الخامسة والثمانين وقامت زوجته بنقله إلى الإسكندرية حيث أجرت بيتا لهما هناك فى حى الرملة بجوار فندق بوريفاج، وكان الأصدقاء والمعارف يزورونه ويجلسون معه يلعبون الطاولة. وكان واعياً لكل من حوله، حريصاً على سؤال الناس عن أولادهم بأسمائهم، كأن ذاكرته أبت أن تغمض وميضها عمَن يحب. وعندما جاء شهر أغسطس سنة 1965 ظن النحاس أن نهايته اقتربت وتوقع أن تكون نهايته فى نفس شهر وفاة سعد زغلول، لكن القدر جعل رحيله ليس فى نفس الشهر فقط وإنما فى نفس اليوم. ففى فجر 23 أغسطس استيقظ فجرا وسمعت زوجته قراءته للقرآن فاستيقظت، فقال لها «أنا باموت يا زينب»، فاتصلت بفؤاد سراج الدين الذى حضر سريعا، فوجده يقرأ «ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا» ثم توقف صوته مرة وقال «الله» وصمت وكررها كثيرا حتى أسلم الروح.
وكما يحكى على سلامة فقد تولى فؤاد سراج الدين ابلاغ حمدى عاشور النبأ ، والذى قام باعلانه فى الاذاعة المحلية للاسكندرية أكثر من مرة ونقلتها عنها اذاعة البرنامج العام، وأبدى المحافظ استعداده لاتخاذ اجراءات تشييع الجنازة، لكن فؤاد سراج الدين اصر علي أن تكون الجنازة فى القاهرة فى اليوم التالى. وبالفعل عاد الجميع حول جثمان الزعيم إلى داره فى جاردن سيتى ليخرج منها ويلتف حوله عشرات الآلاف من كل حدب وصوب وهم يبكون بحرارة ويهتفون: «إلى جنة الخلد يا نحاس» لا زعيم الا أنت وفشلت الشرطة فى السيطرة على الموقف فسارت الجنازة من جاردن سيتى إلى التحرير وعبر شارع سليمان إلى شارع صبرى أبوعلم ثم تمت الصلاة عليه فى مسجد الكيخيا، وانطلقت نحو الحسين حيث صلى عليه مرة ثانية والناس تبكى ولا تكاد تصدق، حتى انطلقت بعدها السيارة إلى مقابر البساتين حيث صُلى عليه للمرة الثالثة قبل أن يدفن فى مقبرته هناك».
ويذكر صلاح الشاهد أن جمال عبدالناصر كان في جدة عندما انتقل الزعيم مصطفى النحاس باشا إلى رحاب الله وكان توديع النحاس باشا رهيباً يحمل وفاء الأمة وتقديرها لمن عملوا لمصر لآخر قطرة من دمائهم ونبض من حياتهم وقامت مظاهرة كبرى نقلتها الصحف العالمية ووكالات الأنباء. والتفت جلالة الملك فيصل إلى الرئيس وكان بجواره قائلاً: لقد كان النحاس باشا رحمه الله رجلاً عظيماً فاضلاً. وصمت جمال عبدالناصر. وأرسلنا برقية إلى أسرة الزعيم. وأرسل جلالة الملك «فيصل» برقية مؤثرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.