يكتسب المكان فى أى عمل أدبى أهمية كبيرة، لا لأنه أحد عناصر العمل الفني، أو لأنه المكان الذى تجرى فيه الأحداث، وتتحرك خلاله الشخصيات فحسب، بل لأنه يتحول فى بعض الأعمال المتميزة إلى فضاء يحتوى كل العناصر الروائية، بما فيها من حوادث وشخصيات، وما بينها من علاقات، ويكون هو نفسه المساعد على تطوير بناء العمل، والحامل لرؤيته، وبهذه الحالة لا يكون المكان كقطعة القماش بالنسبة إلى اللوحة، بل يكون الفضاء الذى تصنعه اللوحة. فالمكان ليس عنصراً زائداً فى أى عمل أدبى، فهو يتخذ أشكالاً ويتضمن معانى عديدة، بل إنه قد يكون فى بعض الأحيان هو الهدف من وجود العمل كله. وستظل قناة السويس كمكان بمدنها الثلاث وضفافها بطلاً لأعمال أدبية متنوعة ما بين الرواية والشعر والنثر والرسم، ومسرحاً لأحداث وذكريات كثيرة، لهذا توجهنا لكاتب فى جعبته الكثير من حكايات القناة ومدنها الثلاث وكتابها ومبدعيها، هو الروائى والشاعر الكبير سمير الفيل، نسمع منه حكايات نصف قرن فات يرويها للمرة ل«الوفد»: يبدأ الروائى سمير الفيل حديثه بقوله: على مدار أكثر من خمسين عاماً شاركت بقوة وإخلاص في أغلب المؤتمرات والملتقيات والندوات التي كانت تقام بصفة دورية في أغلب محافظات مصر، كما دعمت مجلاتها بكتاباتي، وشاركت إلى حد كبير في تقديم دراسات نقدية حول إنتاج بعض كتابها، ودراسات أخرى دارت حول التراث الشعبي من خلال جمع ميداني. حين أتحدث عن ارتباطي بتجمعات الأدباء في مدن القناة الثلاث فسوف أجد حشداً من المعلومات والتداعيات، فأنا هنا أفضل الذاكرة الانتقائية التي تقدم ملامح أو ومضات من تاريخ منقطع عبر سنوات طويلة، يربطه فقط ارتباطي الوجداني مع بعض رموز الثقافة هنا وهناك. وعن القاص والروائى محمد الراوى يكمل الفيل حكاياته فيقول: قرأت للقاص والروائي محمد الراوي قبل أن أراه، أعمالاً من بينها: «الركض تحت الشمس» قصص قصيرة، «عبر الليل نحو النهار» رواية «الجد الأكبر منصور» رواية، «الرجل والموت» رواية، وحدث أنني أرسلت إليه قصائدي قبل التحول نهائيا للسرد لتنشر في مجلة مرموقة كانت تصدر بالاستنسل عنوانها «الكلمة الجديدة». كانت المجلة تضم قصصا وقصائد ودراسات وتراجم لأغلب أدباء السويس، وتفتح صفحاتها فوق ذلك لمن هم خارج تلك المحافظة. جاءني خطاب من الراوي بأن شركة البترول التي يعمل بها قد جهزت مصيفاً برأس البر وحدد لي الموعد، واسم الفندق، وقال إنه سوف ينتظرني لنتعرف أكثر. في تلك الفترة زارني القاص قاسم مسعد عليوة في دمياط، وطلب مني مرافقته لزيارة محمد الراوي الذي لم يكن قد التقى به من قبل، مثلي. ذهبنا إلى الفندق، وعلمنا من جيران له أنه بالبحر، فسرنا تجاه الشاطئ نتفحص الوجوه، ونصيح بأعلى أصواتنا أنا وقاسم، والناس تنظر نحونا باستغراب: يا راوي.. يا محمد يا راوي. ظللنا على ذلك الحال فترة حتى إذا ما اقتربنا من حافة اليأس وجدنا شخصاً يرتدي المايوه، يخرج من البحر ومعه ابنته، ويأخذنا بالأحضان ؛ فيصيبنا البلل غير أن فرحتنا كانت كبيرة بعثورنا على صديقنا. هوجة الزعيم: وعن المدينة الباسلة بورسعيد ومسرحها وثقافتها يقول الفيل: في خريف سنة 1974 انخرطت في كتيبة مقاتلة بسلاح المشاة بالجيش المصري، وقضيت فترة الأساس في ثكنات المعادي، وخلال مطلع يناير من عام 1975 نزلت في إجازة ميدانية قصيرة. انتهزت فرصة بدأ عرض مسرحية «رواية النديم في هوجة الزعيم» والتي كتبها المسرحي المشهور محمد أبو العلا السلاموني، من إخراج عباس أحمد. شددت الرحال إلى مسرح قصر ثقافة بورسعيد، جلست في الصف الثالث من مقاعد الصالة، وقبل رفع الستار صعد إلى المسرح مجموعة من شباب الأدباء للاعتراض على السياسة الداخلية للرئيس السادات، وتأخر تحرير سيناء، كذلك لرفضهم القبض على مجموعة من اليسار المصري وإيداعهم المعتقل. كان من بينهم أحمد فؤاد نجم، والشيخ إمام، وقد استمعنا إلى قصائد ونداءات تطالب الرئيس السادات بضرورة الإفراج عن المحبوسين في قضايا رأي، وأتذكر أن من بين الصاعدين مجيد سكرانة وابتهال سالم، وعدد آخر من مثقفي بورسعيد. لقد تم إطفاء أنوار المسرح والصالة، ووجه المخبرون كشافات مصابيحهم إلى وجوه من على المسرح، وواكب هذا حملة توقيع على المطالب التي ألقيت، وقد علقت الورقة في مدخل المسرح. طلب رجال الأمن من الحضور مغادرة صالة المسرح بسبب تأجيل المسرحية إلى أجل غير مسمى. كنت صباح اليوم التالي في طريقي إلى القاهرة للالتحاق بوحدتي العسكرية، حين اشتريت جريدة «الأخبار» وجدت «مانشيتا» بالخط العريض يعلن القبض على مجموعة أعدت خططاً للانقلاب على نظام الحكم. وممن أذكرهم في تلك المشكلة: عباس احمد، قاسم مسعد عليوة، محمد يوسف، أبوالعلا السلاموني، فؤاد حجازي، وعدد كبير من المثقفين المصريين. كما تم نقل كامل الدابي الذي وقع على البيان إلى مرسى مطروح. قلت في نفسي، وأنا أطوي الجريدة: يا خبر أبيض.. لو أنني قمت بالمبيت في منزل أصدقاء لي ببورسعيد، لتم توجيه أصابع الاتهام لي في تلك القضية التي استمرت أشهر قبل خروج المقبوض عليهم لفضاءات الحرية. صومعة الخميسي: لا يمكن أن نغادر بورسعيد دون الحديث عن الشاعر البورسعيدى الكبير السيد الخميسى وصومعته، وعنها يقول الفيل: بورسعيد هي الأقرب إلى مدينة دمياط، وبين المدينتين مصاهرة وود قديم، وشعب دمياط يطلق عليهم «البلاطوة»، ربما هذه التسمية تعود لكونهم سكان بحر مثلنا يصطادون سمك «البلطي». أذكر أنني تعرفت على الشاعرين محمد عبدالقادر وإبراهيم الباني خلال فترة التهجير الثانية، وكان إنتاجهم غزيرا، واستمتعت بعزف السمسمية مع عم كامل عيد، وعرفت الشاعر حامد البلاسي الذي كنا نزوره في دكان العطارة فنحصل على قبضة شعر وقبضة توابل. لكنني في فترة تالية صرت اختلف إلى شقة صديقي الشاعر السيد الخميسي، حيث كان يقيم في وحدة سكنية مواجهة لموقف ميكروباصات دمياط. كنا بعد كل زيارة، نهاتف الخميسي فيأتي إلينا لنبدأ السهرة بالصومعة، فنقرأ قصائد جديدة، وقصصاً قصيرة، وفصولا من روايات، كان من بينها روايته المهمة «البشاروش» والتي صدرت بعد ذلك، ودشنها أحمد عبدالمعطي حجازي بعد إعجابه بها. كنا كل مرة نستمع إلى فصل أو فصلين، ونناقش صاحبها في سير الأحداث وبناء الشخصيات واللغة المستخدمة. في مرة سهرنا حتى طلوع الصباح: كنا مجموعة من دمياط: محمد علوش، محمد العتر، مصطفى كامل سعد، وأنا. لقد صمم محمد علوش على ضرورة الاستعداد للعودة إلى دمياط ليلحق بدولاب العمل. كانت الساعة حوالي الخامسة صباحا، نزلنا للموقف القريب وانتظرنا، ومر الوقت، ولا يوجد ركاب. فجأة اتخذ السيد الخميسي قراراً عجيباً، باصطحابنا بسيارته إلى مدينة دمياط، وهي مسافة ليست بالقصيرة، لكنه حسم أمره، وظللنا نتجادل كعادتنا طيلة السفرية، في شئون الأدب وكنت الوحيد الذي يغالب النوم بينما الجميع مستيقظون، فكان الخميسي يلكزني من وقت إلى آخر: فوق يا أبا سمرة. صعدت سلم البيت بصعوبة، وأنا غير مصدق ما حدث! ليلة في الإسماعيلية: وإذا ما وصلنا إلى الإسماعيلية تحدث الفيل قائلاً: وقع في يدي مجموعة قصصية صغيرة بعنوان «الخروج من حدائق البرتقال»، للقاص نحاس راضي. لم أكن أعرف الكاتب، لكن استرعى انتباهي تكنيك المجموعة، ورشاقة لغتها، وزاويا التقاط الحدث. بدون حس ولا خبر شمرت عن أكمامي وبدأت في كتابة دراسة نقدية عن المجموعة التي صدرت حوالي 1984 عن مديرية ثقافة الإسماعيلية. عبر رسائل البريد جهزنا ندوة لمناقشة المجموعة في الإسماعيلية، كان نحاس راضي وقتها يعمل مديرا لمجلة «سنابل» وهي مجلة صغيرة، تهتم بالشأن المحلي بمحافظة الإسماعيلية، بينما كان رئيس التحرير هو الشاعر سناء الحمد بدوي. في جلسة حميمة بالقرب من بحيرة التمساح مع مجموعة مميزة من أدباء الإسماعيلية، قرأت دراستي النقدية كما قدمت بعض الأوراق البحثية لزملاء من المدينة، وقد نشرت الدراسة بعد ذلك كاملة في مجلة «سنابل»، عدد أبريل 1986 بعنوان «الخروج من دوائر الإحباط». بالطبع مجلة «سنابل» غير تلك التي كان يصدرها محمد عفيفي مطر من كفر الشيخ أيام حرب الاستنزاف ثم توقفت بعد نشر «أغنية الكعكة الحجرية» لأمل دنقل، وكانت القصيدة تدعو لمباركة انتفاضة الطلاب في مواجهة حالة الاسترخاء العسكري على جبهة القتال. كان هذا هو مدخلي إلى محافظة الإسماعيلية غير أنه في السابع من إبريل سنة 1986 عقدت الدورة الثانية لمؤتمر أدباء مصر بالأقاليم وكان يرأس المؤتمر الدكتور عبدالقادر القط، فيما يتولى الأمانة العامة الدكتور عبدالمعطي شعراوي، وهو رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة وقتها. أتذكر صورة جمعتني بمجموعة من مبدعي مصر، من بينهم: الشاعر عبدالدايم الشاذلي، والشاعر صلاح الراوي، والشاعر محمد صالح الخولاني، وعبده المصري، ومحمد يوسف، وإبراهيم عمر، وهم ثلاثة شعراء مجيدون من الإسماعيلية، كانت تصدر وقتها نشرة فقيرة الشكل، غنية المحتوى بعنوان «شبابيك» أو «الشباك» تصدر من التجمع الثقافي بالمدينة. لقد عشنا أجواء نقية في أحضان طبيعة ساحرة ونحن نفتش في أوراقنا عن طريقة ما لتنفيذ توصيات المؤتمر السابق في المنيا. أذكر أن حفل الافتتاح حضره الدكتور أحمد هيكل وزير الثقافة، وعبدالمنعم عمارة محافظ الإسماعيلية، وقد شكلت خمس لجان لكل من: القصة، الشعر، المسرح، الدراسات الأدبية والنشر، أندية الأدب والإعلام. وكان من الأسماء التي كرمها المؤتمر في هذه الدورة الكاتب المسرحي محمود دياب، صاحب النصوص المسرحية التي أثارت جدلاً واسعاً في الواقع المصري. المعدية رقم 6: تنقلت مع كتيبتي الحربية، بين قرى «سرابيوم» و«الدفرسوار» و«قمة فايد»، وأحياناً قرب «أبوصوير» وكانت الإسماعيلية محط أنظار الجنود المتعبين الذين يخطفون سويعات للجلوس في مقاهيها، وشرب الشاي اللذيذ مرتدين الأفرولات الكاكية. لكنها لم تكن الزيارة الأولى بحال، فقد حدث قبلها أن التحقت بكتائب التعمير المركزية التابعة لمنظمة الشباب في منطقة الإسماعيلية في الفترة من 5-14 يونية 1974، وحدث خلال تلك المهمة عدة وقائع غريبة. في فترات الراحة اتفقت مع فنان تشكيلي من شمال سيناء هو فاروق ناجي على عمل لقاءات مع الناس الذين بقوا بعد التهجير. كان جنود الأممالمتحدة يتحركون في عربات الجيب بقبعاتهم الزرقاء، وتمكن الفنان المصاحب لي من رسم وجوههم بسرعة على لوحات ورقية نظير 10 دولارات للوحة الواحدة، فكون صديقي ثروة لا بأس بها. خلال تجوالي التقيت بصائد الدبابات محمد عبدالعاطي من قرية شيبة قش، منيا القمح، شرقية، وسجلت معه حواراً، نشر في مجلة حائط بمقر كتيبة التعمير، وكانت مدرسة ثانوية على الطراز القديم. كان المحارب في مهمة لتصوير فيلم تسجيلي عن بطولاته في حرب أكتوبر من إخراج خيري بشارة. في شارع عرايشية مصر، وجدت تمثالاً من قطع الحديد، على يدك اليمنى، أمام إحدى المحلات لجندي مصري، يرفع بندقيته في وجه الطائرات المغيرة، هذا التمثال شكله الفنان من بقايا الدانات والشظايا التي كانت تلقي بها الطائرات الإسرائيلية من طراز فانتوم وميراج وسكاي هوك. كثير من مشاهد معتقة رأيتها بنفسي خلال تلك الجولات سجلتها في عدة مجموعات قصصية، من بينها: «خوذة ونورس وحيد»، «شمال.. يمين»، «كيف يحارب الجندي بلا خوذة؟». أتصور أن الطريق الذي كنت أقطعه في إجازاتي الميدانية من «تبة الشجرة» داخل سيناء إلى معدية رقم 6 التي استشهد أمامها الفريق عبدالمنعم رياض، مروراً بطريق الجناين ترك شيئا غامضا في نفسي. مزيج مختلط بين الحزن والشجن والألم! قاسم مسعد عليوة.. الكاتب بين مشهدين: هو واحد من أساطين الأدب في مصر، وله باع طويل في القصة القصيرة، مع بعض تجارب في المسرح، وإمكانيات بلا حدود في الدراسات النقدية. إنه ابن بورسعيد، الكاتب اليساري قاسم مسعد عليوة. ولي معه بعض المواقف. ففي حوالي سنة 1974 كنت قد فزت بجائزة القصة القصيرة عن مسابقة نظمتها مجلة «صباح الخير» بالتعاون مع منظمة الشباب، كان عنوان القصة التي اعتمدت على البرديات الفرعونية التي اقتنصتها من كتاب «مصر القديمة» للعلامة سليم حسن.. «في البدء كانت طيبة»، نشرت وقتها برسوم الفنان حجازي في «صباح الخير» كما استضافني برنامج إذاعي شهير حينذاك هو «تحت العشرين»، كان يتقاسم تقديمه منير عامر ودرية شرف الدين على شبكة البرنامج العام. تعرفت وقتها على الشاعر سيد حجاب الذي قرأنا له بإعجاب ديوانه الأول «صياد وجنية»، وكان هو وديوان عبدالرحمن الأبنودي «الأرض والعيال» فتحاً جديداً في طريقة صياغة شعر العامية. اتفقت مع قاسم مسعد عليوة، وقاص آخر من بورسعيد، يعمل بالتدريس ويقيم بدمياط هو السيد عبده النعناع، على الذهاب لزيارة سيد حجاب في مقر جريدة «الشباب» بالدور العاشر بمبنى الاتحاد الاشتراكي العربي. تقابلنا في رمسيس، وركبنا سيارة إلى ميدان التحرير، هبطنا منها، وتوجهنا للمكان، قرب المتحف المصري. فجأة سمعنا صوت فرملة قوية، وإذا برجل كان يتشعلق على باب السيارة قد اختل توازنه؛ فسقط تحت العجلات المسرعة، وفدغت العجلات الضخمة رأسه. حدث هذا في زمن قياسي، كل ما رأيناه، بعد ذلك، هو تسارع الناس لوضع أوراق الجرائد فوق الجثة. ظل ثلاثتنا في حالة وجوم حتى انتزعنا أقدامنا بصعوبة، وحملنا المصعد إلى مكتب سيد حجاب بالمجلة، وقد استقبلنا بترحاب شديد. في تلك الغرفة كان سيد حجاب يعقد اجتماعاً أسبوعياً، يستضيف فيه شباب الكتاب، وخلال فترة تجنيدي بفرق الأساس بالمعادي، كنت حريصاً على حضور الندوة، وممن أذكر حضورهم معنا: حلمي سالم، أمجد ريان، ماجد يوسف، رفعت سلام، عبدالدايم الشاذلي، تاج الدين محمد تاج الدين، وعلي قنديل، طالب كلية الطب الذي كان يقطن الدور الأرضي بالمدينة الجامعية، حيث كان يستضيفني كغريب أتى للقاهرة في حجرته. بعد حوالي سنتين ستدهم سيارة جيش الفتى النحيل علي قنديل، وتقتله. بعد مرور أكثر من أربعين عاما، وبعد ثورة 25 يناير 2011 بأشهر قليلة، أتعرض للإصابة بانفصال الشبكية، توجه لي الدعوة لحضور إحدى دورات المؤتمر العام لأدباء مصر، حيث كنت عضواً بلجنة الأبحاث. مصطحباً فناناً تشكيلياً صديقاً. كانت دورة الانعقاد هذه المرة بالقاهرة، انتهز فترة الراحة فأذهب لمجلة «أدب ونقد» بمقر حزب التجمع بميدان طلعت حرب. كان وقتها وزير الثقافة هو الدكتور شاكر عبدالحميد. بعد اللقاء ظللنا نبحث عن سيارة تاكسي تقلنا إلى الفندق، قاسم مسعد عليوة وأنا، فلا نجد، ويصحبني الرجل، في مساء القاهرة لنقطع مشواراً صعباً على أقدامنا، حتى مقر السكن بإحدى فنادق الدقي. كلما اعترضت على طول المشوار صاح بي: هانت، لقد اقتربنا. كلها خطوتان. ظللت أمشي وأمشي حتى شعرت أنني لن أصل أبداً، وكانت على عيني اليمنى ضمادة بيضاء تثير حنقي. قلت له، وهو يسحب يدي تجاه المصعد: لقد قتلتني يا صديقي، لكنه مات قبلي، وترك في قلوب محبيه جرحاً غائراً.