صراخ وعويل، أم تفترش الأرض في انتظار استلام جثمان ابنها، تبكيه وتصرخ وتنادي عليه، وشاب يقف بجانب الحائط وينادي على شخص باسمه، شخص يعرف أنه قد مات لكنه يأبى الاعتراف، وآخر يضرب الأرض بيديه، ويصرخ بأعلى صوته «يارب»، مشاهد لأولئك الذين ينتطرون جثامين ذويهم أمام مستشفى إمبابة، رجل عجوز بلغ من العمر الستين ولا يستطيع أن يحمل نفسه، يستند إلى الحائط ويردد «راحوا خلاص»، هكذا عايشت «الوفد» اهالي ضحايا ومصاب حادث المركب المنكوب الذي وقع مساء أمس الأول بمنطقة الوراق وأسفر عن وفاة 21 واصابة 6 آخرين. استهل «أحمد عبدالعظيم» كلامه وهو في حالة من الانهيار، قائلًا: «حسبنا الله ونعم الوكيل، أنا لي 11 ضحية في تلك الحادثة، ولهذه اللحظة لم أعرف مصيرهم.. هل ماتوا غرقا؟ وهل همّ لسه في قاع النيل كغذاء للأسماك؟»، ومتمتا بكلمات قائلًا «أولادنا الضحايا اللي مش عارفين هما فين، فيهم أطفال أبرياء وشباب وسيدات حوامل، وفجاءة صرخ «عبدالعظيم» معبرا عن سخطه قائلا: «احنا متشردين من وقت الحادث، مقتسمين الأدوار بين أفراد العائلة والأقارب في البحث عن الضحايا، فمنهم من ذهب إلى مستشفي معهد ناصر ومنهم من ظل فى مكان الحادث لمتابعة خروج الجثث لعل وعسي يخرج أحدهما، وعدد منهم تواجد أمام مستشفي إمبابة العام. وحمل «عبدالعظيم» مسئولية الحادث علي الحكومة، واتهمها بالإهمال، في انها سمحت لهذا المركب بالتحرك في النيل ليلًا وهذا ممنوع ،متسائلا «أين الرقابة.. أين شرطة المسطحات المائية؟ واختتم كلامه قائلًا «عاوزين نتعامل كبشر». أاثناء تواجد محررى «الوفد» داخل المستشفي فوجئوا بأصوات بكاء وعويل، حيث أحد أهالي المتوفين في تلك المأساة، وتشاجر مع امن المستشفي وعندما توجهت إليه عرفت أنه يدعي «محمد السيد» ولديه 4 ضحايا (ثلاثة أولاد،وأمهم )، مؤكدًُا أن الضحايا ذهبوا لقضاء فسحة العيد، وأنه لم يعرف لهم مكانا حتي تلك اللحظة، وعبر عن سخطه قائلًا «أنا راضي بقضاء الله وقدره، بس أنا عرف لهم مكان وندفنهم، واستخرج لهم شهادات، علشان هما يرتاحو في تربتهم ،وأنا ارتاح»، وتساءل مندهشًا «لو كان في هذه الحادثة أحد السائحين، كانت الدولة هتسكت» مطالباً القوات المسلحة بالتدخل السريع بمعداتها لانتشال الجثث وطمأنت الأهالي، كما تدخلت في انتشال الفوسفات من قاعة النيل في الحادثة التي وقعت بمحافظة قنا خلال الأشهر الماضية. ومن جانبه رفض احد أهالي الضحايا الحديث لوسائل الإعلام وذلك لسوء حالته الصحية والنفسية لأنه افتقد 9 من أسرته في تلك المصيبة، واكتفي بالجلوس مع نفسة علي الرصيف امام المستشفي ،منهارا في البكاء والحزن الشديد ،يصرخ بملامح يبدو عليها الرعب، وبصوت متهدج لا يخلو من الرهبة «أنتوا صحافة»، طب روحوا عند المركب خلوهم يخرجوا باقى الجثث. وعلى الجانب الآخر، حرصت أيضاً «الوفد» علي التواصل مع أهالى الضحايا من مكان الحادث ومتابعة الجهود الأمنية فى البحث عن جثث الضحايا العبارة المنكوبة،حيث واصلت شرطة المسطحات المائية وفرق الانقاذ لليوم الثانى على التوالى عملية البحث وانتشال جثث الضحايا ،وتمكنت من انتشال 5 جثث جدد بينهم طفلة عمرها 5 سنوات، وتم نقلهم إلى مستشفى معهد ناصر، ومستشفى إمبابة المركزى وتمكنت شرطة المسطحات المائية والرى من انتشال العبارة المنكوبة من مياه النيل فيما تواصل القوات الأمنية ورجال الإسعاف وشرطة المرافق وفرق الإنقاذ البحث عن باقى الضحايا وطالب أهالى الضحايا المتجمهرون بالمئات فى مكان غرق العبارة بمحطة القللى بكورنيش النيل بمنطقة الوراق الرئيس عبدالفتاح السيسى ومحافظ الجيزة والاجهزة الأمنية بالدولة بسرعة التحرك لانتشال جثث ذويهم من الماء لتشييعهم الى مثواهم الأخير،محملين مسئولية غرق العبارة وتأخر انتشال جثث ذويهم للحكومة، وبعد انتظار لليوم الثانى لجأ الأهالى إلى استخدام عدة أساليب للضغط على الأجهزة الأمنية لسرعة استخراج باقى المفقودين من تحت المياه، تمثلت فى قطع الطريق أمام حركة السيارات والاعتداء على احد الصحفيين والاشتباك والتراشق بالألفاظ لعدة مرات مع القوات الامنية الموجودة بموقع الحادث، وعلى الجانب الآخر جلس العشرات من أهالى الضحايا يراقبون الامواج وزوارق شرطة المسطحات المائية كلما غدت وراحت وهم يبكون بأصوات مرتفعة ويرجون الله عز وجل ان يفرج على اطفالهم وذويهم من الراقدين تحت الماء حتى تطمئن قلوبهم وتجف دموعهم عن البكاء وقال صفوت أحد اهالى ضحايا عبارة الوراق، أن 7 من افراد أسرته كانوا على متن العبارة المنكوبة وهم فتحية عبدالعال محمد مشرف وابنتاها المتزوجتان وأطفالهما الاربعة، وقد لقوا حتفهم جميعاً بينما أنقذت العناية الإلهية واحدة عمرها 20 عاماً وتمكنت فرق الانقاذ من انتشال جثة فتحية وطفلة أخرى وتشييعهما الى مثواهما الاخير صباح أمس إلى مقابر العائلة بالفيوم واكد محمد جمال الذى يبلغ من العمر 16 عاماً «للوفد»، أنه أخ ل4 من أشقائه وهما أحمد، ومحمود، ويوسف، وهيثم وقد غرقو جميعاً فى حادث العبارة الذى وصفه بالمأساة التى لم يشاهداها منذ ولادته وأوضح شقيق،ضحايا عبارة الوراق، انهم خرجو لقضاء بعض الوقت فى النيل على متن أحد العبارات التى تعمل فى النيل بينما لقو حتفهم جميعاً ولم يخرج أحد منهما حتى الآن. أوضح «محمد الصياد» صاحب أحد المراكب النيلية، والذى ساعد فى نقل أكثر من 18 شخصًا من الركاب بعضهم، أن المركب الغارقة معروفة بينهم كأصحاب مراكب أنها مشبوهة حيث عوامل الأمان بها ضعيفة جدًا وكذلك حالة الموتور، وهو ما سبب غرقها لأن حالة لموتور لم تساعد قائد المركب على تلافى الاصطدام. كما أشار إلي أن الصندل المتسبب فى الحادثة وطبقًا لما هو معروف من قوانين المسطحات المائية، يحظر إبحارها ليلًا فمواعيد عملها من السادسة صباحًا ولمدة 12 ساعة، فهى مراكب كبيرة جدًا يصل طولها ل90 مترًا وعرضها 10 أمتار على الأقل وحمولتها حوالى 450 طنًا. وفي سياق متصل، أكد الدكتور «رياض أبو الدهب «مدير عام مستشفي إمبابة العام، أنه منذ وقوع الحادث المستشفي قد تسلمت 13 حالة فقط منهم، 10 وفيات ،وثلاثة مصابين. وأشار «ابوالدهب»إلى أن كافة الأطباء بذلوا جهوداً مضنية لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن قدر الله نفذ، إدارة المستشفي قدمت كل التسهيلات اللازمة لتسليم الحالات المتوفية إلى زويهم، وتقديم الإسعافات الكاملة للمصابين. وأوضح مدير المستشفي أنه لا توجد أية حالات بالمستشفي من الوفيات داخل الثلاجات، سوي حالة مصابة واحدة فقط تدعي «شيرين جمال محمد»، مؤكدا أن حالتها الصحية مستقرة ولكنها تعاني من إضرابات نفسية ،لأنها فقدت ثلاثة من أبنائها في تلك الحادثة.