من الرقص واللهو والأغانى إلى أصوات الاستغاثات والصراخ، و«سرينة» لنشات الإنقاذ النهري، هكذا قضى أهالى الوراق ليلتهم، فى محاولة لإنقاذ ضحايا مركب نيلى بمنطقة الوراق بعد اصطدامه بصندل بحرى ، 20 دقيقة فقط، كانت هى مدة الرحلة النيلية التى قضاها أكثر من 35 متنزهًا فى «مركب الوراق المنكوب»، وسرعان ما تحول خط السير من رحلة تنزه إلى رحلة إلى الآخرة، بعد أن اصطدم المركب بصندل لحمل البضائع ، ليبدأ معها صراع الركاب مع الموت طوال ليلة أمس الأول، واستطاع خلالها رجال الإنقاذ النهرى والعديد من سائقى المراكب إنقاذ 6 مواطنين، بينما ابتلع النيل 21 منهم وأصيب 6 آخرون. تحولت فرحة ركاب المركب من الغناء والرقص والاستمتاع بالمناظر الطبيعية إلى صرخات وبكاء وعويل بعد أن بدأ المركب فى الغرق، لكن العديد من سائقى المراكب أسرعوا إليهم وحاولوا إنقاذهم، ونقلهم إلى مراكب أخرى، إلا أن سائق المركب لم يتمكن من الوقوف حتى غرق المركب فى المياه. بدأت الواقعة فى الساعة التاسعة من مساء أمس الأول عندما استقل الضحايا والمصابون مركبا للتنزه من منطقة القللى بكورنيش الوراق بالقرب من «معدية الجزيرة»، وكأنهم على موعد مع كارثة جديدة على النيل تضاف الى قائمة الكوارث التى تتسبب فى حصاد أرواح المصريين، وأثناء سير المركب بسرعة وارتفاع صوت «الدى جى» وانشغاله مع غناء الركاب ورقصهم فقد قائده السيطرة عليه، وسرعان ما اصطدم بصندل لحمل البضائع، ما نجم عنه تحطم مقدمة المركب وجانبه، الأمر الذى أدى لإحداث فتحة بجسم المركب أدت إلى تسرب المياه، وعندما تعالت صرخات الركاب، تجمع 3 من سائقى المراكب، من أجل إنقاذهم، ومن شدة الارتطام لم يتمكن سائق المركب رضا محمد «30 سنة» من السيطرة على مركبه نظرًا لزيادة الحمولة وتهالك مركبه حتى خطّ بإهماله نهاية مأساوية للركاب. تجمع عشرات من المارة وسائقى المراكب ورجال الإنقاذ النهرى وتم الدفع ب 8 مراكب انقاذ و18 غطاسا ولانشين وتم نقل 3 جثث ومصابة الى مستشفى معهد ناصر ونقل باقى الضحايا الى مستشفى امبابة كما واصلت اللنشات عمليات البحث عن الضحايا والمفقودين، على الرغم من الظلام الدامس الذى عم الرقعة التى غرق بها المركب، وهو ما صعب عملية انتشال الجثث أكثر فأكثر، بالإضافة إلى تجمع الأهالى أمام كورنيش النيل لمتابعة الموقف، كما دفع رجال الإنقاذ النهرى «بكراكات» لرفع المركب الغارق، بعد تحديد موقعه، وتم إسعاف المصابين فى الحال بعد أن هرعت سيارات الإسعاف إلى مكان الواقعة. كما انتقلت قيادات مديرية أمن الجيزة الى موقع الحادث برئاسة اللواء طارق نصر مدير امن الجيزة واللواء مجدى عبدالعال مدير الادارة العامة للمباحث للوقوف على ملابسات الحادث. وأكد مصدر امنى أن القوات تمكنت من إنقاذ 5 أفراد بينهم سيدة وطفل، مضيفا أن عدد المفقودين يتراوح ما بين 6 و8 أشخاص. وأضاف أنه تم القاء القبض على «عوض أحمد» قائد الصندل المتسبب فى الحادث و2 من مساعديه وأجرى العميد محيى سلامة، مفتش مباحث قطاع شمال الجيزة، التحقيق معه، حيث قال إنه قبل الحادث كان يتجه فى خط سيره الطبيعى بالنهر أمام حديقة النيل بالوراق وأنه فوجئ بقائد المركب المنكوب يستدير للرجوع بشكل مفاجئ فاصطدم بجسم الصندل ما أدى إلى تحطم المركب وانشطاره إلى نصفين وتمت احالته الى نيابة شمال الجيزة والتى أمرت بحبسه و2 من مساعديه، 4 أيام على ذمة التحقيقات، بتهمة القتل الخطأ ومخالفة قوانين النقل النهرى. من جانبه، قال مصدر مسئول بغرفة الحماية المدنية ومديرية أمن الجيزة، إن الأعداد الرسمية التى كانت على المركب الذى غرق بالوراق تتراوح ما بين 30 و35 شخصًا، طبقًا للرواية الرسمية، وأن ما يتردد عن أنه كان على متن المركب 70 أو أكثر هى أقوال شهود عيان، لافتًا إلى أنه لم يتم تحديد العدد النهائى لركاب المركب إلا بعد حصر جميع المصابين والجثث وسماع الشهود وصاحب المركب، موضحًا أنه من الممكن أن يكون قائد المركب حمله بأكثر من طاقته، ولكن لم يتبين ذلك حتى مثول الجريدة للطبع. بينما كشف مصدر أمنى بمديرية أمن الجيزة، أن الجثث التى تم انتشالها من مركب الوراق المنكوب، والتى تبلغ 21 جثة تم التعرف منها على هوية 10 بينهم 4 أطفال، فيما لا تزال بقية الجثث مجهولة الهوية، كما تم نقل 6 مصابين إلى مستشفيات الوراق وإمبابة لتلقى العلاج. وأشار مصدر أمنى الى أن المركب الغارق بالوراق غير مرخص له بالإبحار، وليس له أى أوراق قانونية تسمح له بذلك، وأضاف أن طاقم المركب غير مرخص له بقيادة المركب، كما أنه لم يخضع لأى فحص من قبل. كما أفاد مصدر أمنى بمديرية امن الجيزة أن أجهزة الأمن بالتنسيق مع شرطة المسطحات المائية أجرت عمليات ملاحقات لسائقى المراكب النيلية غير المرخصة الموجودة بكثرة فى القاهرة الكبرى خاصة بمنطقة كورنيش النيل بعد غرق مركب الوراق. وكشف المصدر أن هناك عشرات من المراكب النيلية التى تتحرك فى نهر النيل ويستقلها المواطنون بهدف التنزه وفى بعض الأحيان لإقامة حفلات زفاف وخطوبة وأعياد ميلاد على متنها، ومعظم هذه المراكب النيلية متهالكة وغير صالحة للاستخدام، فضلاً عن وجود أعداد كبيرة من الأشخاص عليها، ما يعرضها للغرق. وأوضح المصدر أن هناك تحركات جادة خلال الفترة المقبلة من قبل الجهات المعنية لملاحقة المراكب النيلية التى تسير فى النيل بدون تراخيص ما يعرض حياة المواطنين للخطر، من خلال حملات أمنية مستمرة لاستهداف هذه المراكب. كما تسعى أجهزة الأمن والجهات المعنية لعمل ضوابط للصنادل التى تسير فى النيل لمنع تكرار الحوادث التى تتسبب فيها. كما انتقل فريق من نيابة الوراق برئاسة المستشار باهر حسن لإجراء المعاينة التصويرية لموقع غرق مركب الوراق الذى راح ضحيته عدد من المواطنين عقب اصطدام صندل بالمركب وإغراقه ويقوم فريق النيابة الذى ترأسه أحمد خطاب مدير نيابة الوراق وخالد عبدالحميد وكيل أول النيابة بمناظرة الجثث التى تم انتشالها لاستخراج تصاريح الدفن بعد عرض الضحايا على الطب الشرعى. وأثبت التقرير المبدئى لعدد من الضحايا أن الوفاة ناتجة عن «إسفكسيا الغرق»، وأمام النيابة روى المصابون أنهم استقلوا المركب من أسفل بقصد التنزه، وامتلأ بهم المركب وبدأ فى السير، حتى اصطدم بصندل بحرى لحمل البضائع نظرا للسواد الحالك الذى كان يعم المنطقة. رحلة مع الموت كان همه الأول والأخير إدخال السعادة على أسرته، فاصطحب محمد على «25 سنة» محاسب، زوجته وطفليه «عمرو» 4 سنوات، و«مهند» الذى لم يتجاوز عمره شهراً، من منزله بمنطقة الوراق لزيارة والدته ووالده بالزاوية الحمراء، وأثناء التحدث عن الاحتفال بمرور شهر على ميلاد الصغير «مهند» اقترح والده على أفراد الأسرة الذهاب من أجل التنزه فى النيل، فوافق الجميع وخرجوا إلى «رحلة الموت». لم تستغرق سعادة هذه الأسرة سوى دقائق معدودة، وسرعان ما بدأوا يصارعون الموت حيث ابتلعت المياه جثث 3 منهم، وهم «محمد على، ووالده، ونجله فارس»، فى حين نجت والدته «حنان عبدالعليم» التى أصيبت بغيبوبة كاملة، استمرت لأكثر من 5 ساعات تسببت فى إصابتها بجلطة فى المخ، من هول الحدث، كما نجت زوجته وطفلهما «عمرو» بعد أن تمكن رجال الانقاذ من انتشالهما من المياه. ويروى إيهاب جاب الله «31 سنة» موظف، تفاصيل الواقعة قائلاً: إن ابن عمته محمد اتصل به وطلب منه الخروج معهم فى نزهة نيلية، إلا أنه اعتذر بسبب انشغاله فى عمله كعامل فى محطة وقود، ولم يتمكن من الحصول على إجازة فى هذا اليوم، وبعد انتهاء العمل توجه إلى منزله، وفوجئ باتصال هاتفى من جيران «محمد» يخبرونه بأن ابن عمته وأسرته تعرض مركب يقلهم فى النيل للغرق، فأسرع إلى مكان الحادث فوجد عمته داخل سيارة إسعاف، وبجوارها زوجة محمد وطفلها «عمرو» وظلوا تحت جهاز التنفس الصناعى لمدة نصف ساعة إلى أن استقرت حالتهم وتم صرفهم، ولكن سرعان ما أصيبت عمته بجلطة فى المخ بسبب صرخاتها وبكائها وتم نقلها إلى المستشفى. أما «هانى رضا» فقال إن والدته طلبت منه اصطحابها من أجل قضاء يوم الإجازة خارج المنزل، إلا أنه انشغل بمرض زوجته، فاتصل بوالدته وأخبرها بعدم قدرته على الحضور، وفى ساعة متأخرة من الليل تلقى اتصالاً من شقيقه الأصغر يخبره بغرق والدته فى مياه النيل. كما كشف شهود عيان عن ماهية المركب التى غرقت ، مؤكدين أن المركب يملكها شخص يدعى «رضا السويسى» من منطقة الوراق، ويقوم بتنظيم رحلات نيلية فى المنطقة مقابل 3 جنيهات للفرد الواحد، موضحين أن المركب بها ما يقرب من 35 مواطنا أغلبهم من السيدات والأطفال، وكان يقودها ابن صاحب المركب. كما أكد الشهود ان المركب الغارقة كان على متنها أسر كاملة، لافتا إلى أن حمولة المركب كانت زائدة عن الحد المسموح. أشار الشهود إلى أن الصندل الذى صدم لنش النزهة كان قادمًا من جهة القناطر وإصطدم بالمركب الذى كان قادمًا من حديقة النيل وأنه بعد الكارثة حاول قدر المستطاع مساعدة الغارقين فقام أول مرة بإخراج 9 أشخاص وفى المرة الثانية 7 أشخاص وفى آخر مرة كانت سيدة واحدة وأن أغلب المصابين كانوا من الأطفال والسيدات، وكان هناك شخصان أو ثلاثة على قيد الحياة «وفى وعيهم» أما الباقى كان فى حالة إغماء. وأضاف الشهود أن مسطحات الجيزة وصلت بعد الواقعة بحوالى 10 دقائق، وأن المتوفين بعضهم تم نقله إلى معهد ناصر والبعض الآخر إلى مستشفى إمبابة. وأضافت شاهدة، أن الصندل كان يسير بدون إضاءة وهو ممنوع من السير فى المياه بعد الساعة 4، وأن من كانوا فى المركب عائلات «جاية تفسح أولادها» غرقوا جميعاً بعد أن اصطدم الصندل بالمركب. وتابع محمد ابراهيم احد شهود العيان ان المركب الغارق كان على متنه من 35 الى 40 شخصا وأضاف أن هناك اسرة بأكملها من الصعيد لقيت مصرعها على متن المركب. وأكد أحد ذوى الضحايا وفاة 5 من أسرة واحدة، كانوا يستقلون المركب وهم: « بسمة مصطفى عبد السميع، بسملة مصطفى عبد السميع، باسم مصطفى عبد السميع، منار مصطفى عبد السميع ورحمة مصطفى عبد السميع». ومن جانبه، أكد مدير الاستقبال والطوارئ مستشفى إمبابة المركزي، الدكتور رياض أبو الدهب، استقبال المستشفى لجثة فتاة تُدعى منار عبد السميع عبد السميع، تبلغ من العمر 20 عامًا، وأخرى لطفل عمره 3 سنوات يدعى محمد مصطفى عبد السميع. وأضاف شخص يدعى الشيخ صبري، أن ابنة عمه تدعى «الحاجة نوّارة» كانت على متن المركب، بصحبة 2 زوجات من زوجات أبنائها و6 أطفال من أحفادها، وتم العثور على جثامين الزوجات وأحد الأطفال، بينما مازالت الجدة و5 أطفال فى تعداد المفقودين. وأشار شخص متواجد بمسرح الحادث، إلى فقدان خالته التى تدعى «سيدة» ونجلتها، وحتى الآن لم يتم العثور عليهم أحياء أو موتى، مثلما قال. وقال أحد شهود العيان انه فى الساعة التاسعة مساءا «فوجئنا باستغاثة ركاب أحد المراكب النيلية بكورنيش الوراق، فأسرعت أنا وبعض أهالى المنطقة تجاه مصدر الصوت، وشاهدنا أحد المراكب على مسافة قريبة من الشاطئ ولكن مشطورة الى نصفين وحاولنا انقاذهم لكننا فشلنا لان الدنيا كانت «عتمه» ومفيش كهرباء أو أى اضاءة، ولكن قوات الانقاذ النهرى تمكنت من انقاذ طفلان وسيدة من سكان المنطقة. وأضاف الشاهد أننا ابلغنا قوات الانقاذ النهرى واتصلنا بالإسعاف وبعدها بنصف ساعة كان موجود حوالى 7 سيارات اسعاف وتم انتشال 15 جثة وتم نقلهم إلى مستشفيات التحرير العام بامبابة ومعهد ناصر. وأكد شاهد آخر أنه عقب سماع استغاثة ركاب المركب توجهنا الى مصدر الصوت وبعدها علمنا أن المركب اصطدمت ب«صندل» شاحنة نقل البضائع وانها كانت بدون اضاءة و»مفيش فيها كشافات»، فتمكن الأهالى من إنقاذ 3 من الركاب عن طريق» لنشات، والمراكب الموجودة على الشاطئ. وقال «منصور أبوالوفا» والدموع تملئ عيناه، والحزن يمزق قلبه، «رأس مالى فى الدنيا راح»، شقى عمرى ضاع، ولادى ومراتى هما كانوا رأس مالى فى الدنيا، يارتنى أموت وراهم، سابونى لوحدى ليه، يارب خدنى أنا مش هعرف أعيش بعدهم. وكان «أبوالوفا»، فقد عائلته المكونه من 6 أفراد، وهم زوجته «عبير»، ونجليه «محمد» 4 سنوات، و«سيدة» 20 سنة، وشقيقته ونجليها، بينما أنقذت العناية الآلهية «رشا محمد»، ولكنها فقدت نجليها «عثمان، ومحمد عربى». بينما يزداد المشهد حزنًا بالقرب من كورنيش النيل بمنطقة الوراق، والذى شهد تجمعًا لبعض من الأهالى فى انتظار استخراج جثث زويهم، وتعالت صرخات والدة أحد الضحايا بالحادث، وهى تروى لبعض ممن رافقوها، أنها طالبت نجلها بعدم الخروج من المنزل قبل الحادث للجلوس مع أخوته، وهو ما قابله بالرفض فى البداية، ثم اقنعها بعدها بأنه سيذهب لقضاء عمل ما ثم يعود سريعًا إلى المنزل، وهو ما لم يفعله ثم فوجئت بعدها بوقوع الحادث قائلة «قلتله متخرجش واقعد مع أخواتك وقالى لا وبعدها قالى أنا نازل مشوار وجاى.. أتاريه ضحك عليا»!!