بانتهاء شهر رمضان المعظم، يستقبل المسلمون في كل العالم عيد الفطر المبارك، ويبدأون يومهم بصلاة العيد. والمصريون من زمن بعيد قد اشتُهِروا بحبهم للأعياد، ولهم فيها عادات خاصة، لم تختلف كثيرًا بمرور الزمن.. والذين عاشوا العيد زمان قالوا إن له طعماً آخر، ليس كالعيد الآن.. العيد زمان كان الفرحة الحقيقية، كانوا ينتظرونه بشوق، لأنه «العيدية» و«الكِسوة» و«صلة الرحم».. وقبل عيد الفطر بأيام، وفى أواخر رمضان تأتى «الجمعة اليتيمة» وهى آخر جمعة فى الشهر، وكانت السلطات الرسمية منذ عصر الدولة الفاطمية، تحتفل بهذا اليوم.. فكان السلاطين والولاة والملوك، ومن بعدهم الرؤساء يشاركون فى صلاة «الجمعة اليتيمة» استعداداً للعيد.. وكان الصبية زمان يجتمعون على مآدب إفطار جماعية استمراراً لتقليد يسمونه «الضهو» يتناول فيه الأولاد وجبات مشتركة، ويقيمون قبة صغيرة من الطوب بحيث تتسع لوضع ما جلبوه من طعام داخلها ثم يبدأون فى الدوران حول القبة منشدين: «يا رمضان يا أبوصحن نحاس، يا داير فى بلاد الناس.. سُقت عليك أبوالعباس.. تخليك عندنا الليلة.. ومن أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر فى أيام الدولة الفاطمية، توزيع الحلوى على جميع موظفي الدولة، وإقامة الموائد الضخمة التي تحوي كل طريف في القصور السلطانية، وقد أُقيم لهذا الغرض مطبخ لصناعة الحلوى أطلق عليه «دار الفُطرة»، وقد أنشئت في عهد الخليفة العزيز بالله وهو أول من بنى «دار الفطرة». وفى عصر الدولة العثمانية احتفل المصريون بالعيد عقب أداء صلاة فجر أول أيامه، فيصعد أمراء الدولة والقضاة في موكب إلى القلعة، ويتوجهون إلى جامع الناصر محمد بن قلاوون لأداء صلاة العيد، ثم يصطفون لتهنئة الباشا. وفي اليوم التالي كان الباشا ينزل للاحتفال الرسمي بالعيد في (الجوسق) المعد له بميدان الرملية (القلعة) ، بعد أن يُفرش بأفخر الوسائد والطفافس، ويتقدم للتهنئة الأمراء الصناجق (كبار البكوات المماليك)، والاختيارية (كبار الضباط)، وكتخدا اليكنجرية (الانكشارية)، وتقدم القهوة والحلوى والشربات، وتُعطِر روائح المسك والبخور الجو، ثم يأمر الباشا بالإفراج عن بعض المساجين، بعدها تنطلق مواكب العيد فى كل أنحاء البلاد.. وفى ليلة العيد يسهر المصريون في بهجة وسرور، وقد أعدوا الكعك والحلوى؛ لتقديمها للأهل والزوار، ويأخذ رب الأسرة زينته، ويصطحب أولاده بعد أن يلبسوا الملابس الجديدة إلى المسجد لأداء صلاة العيد.. وكانت مدافع القلعة تُطلق قذائفها خلال أيام العيد الثلاثة في أوقات الصلوات الخمسة. واعتاد المصريون زيارة المقابر للتصدق على أرواح موتاهم.. ويحرص الشباب على الخروج في جماعات للنزهة في النيل، وكانت بِرْكة الأزبكية وبركة الفيل وجزيرة الروضة تشهد ازدحامًا كبيرًا، ويشهد خليج القاهرة (الخليج المصرى) زحاماً أكبر، وكان هذا الخليج يبدأ من النيل جنوب قصر العيني الحالي وعرف هذا الجزء باسم فُم الخليج (وهو منطقة سكنية حالياً). ويتجه مجرى الخليج نحو الشمال الشرقي ثم ينحني حتى يصل إلى ميدان السيدة زينب الآن ثم درب الجماميز أمام المدرسة الخديوية، ليصل إلى باب الخلق، ثم إلى باب الشعرية ثم إلى الحسينية بالقرب من جامع الظاهر بيبرس، ثم يجري بين المزارع خارج القاهرة إلى الزاوية الحمراء والأميرية وهي أحياء سكنية حاليًا، ثم يتجه إلى محافظة القليوبية عند مسطرد، ويمر جزء من مجراه بموقع مجرى ترعة الإسماعيلية الحالية التي تمد الآن منطقة قناة السويس بالمياه العذبة. أمَّا فى العصر الحديث فالمصلون يحتشدون بعد طلوع الشمس مباشرة في أبهى حلة في المساجد، ويؤدون صلاة العيد، ويحرصون على ارتداء الملابس الجديدة..ومن اشهر الاكلات أيام العيد: الكعك – الفطير – الشريك – السمك المملح، والمكسرات، والبعض يفضل أطباقًا من اللحم والبصل والطحينة... ومعظم المحلات تغلق أبوابها خلال أيام العيد. وكانت الفرق الموسيقية الشعبية تطوف الشوارع وتعزف وتغنى أمام المنازل، مقابل ملاليم بسيطة يجود بها الاهالى. وكعادة الأطفال فهم الأكثر ولعاً واحتفاء بالعيد فى كل العصور، فالعيد عندهم يعنى (العيدية.. والمراجيح.. والملابس الجديدة.. والكعك.. والألعاب، وزيارة الاماكن الترفيهية كالحدائق والسينما والملاهي وكذلك الالتقاء بالاصدقاء، وزيارة الأقارب وتبادل التهاني). وقد حرصت الملاهي والحدائق علي توفير وسائل اللعب واللهو وفي مقدمتها المراجيح الشهيرة. وينظم الصبية والشباب رحلات إلى القناطر الخيرية فى رحلات نيلية، أو يذهبون إلى حديقة الحيوانات والاهرامات، أو يذهبون لمشاهدة الأفلام فى دور السينما. المراجيح ذاتها لم يتوقف وجودها علي الملاهي والحدائق, بل ذهبت إلي الأطفال في الميادين والمناطق الشعبية والأجران والساحات فى القرى. وهى وإن اختلف شكلها إلا أنها مازالت باقية حتى الآن. والعيدية إحدي السمات الأساسية للاحتفال بالعيد وهي عادة جميلة ورسالة حب وود تدل علي المحبة، وأيضاً التكافل الاجتماعي والشعور بالآخرين وإسعادهم، فينتظرها الاطفال مع أول أيام العيد من الأبوين والأقارب ليتباهوا ويتفاخروا فيما بينهم بما حصلوا عليه من نقود، والعيدية هى عبارة عن مبلغ من المال كان نصف مليم أو مليم، ونصف قرش أو قرش، وخمسة قروش وعشرة قروش. والآن العيدية أصبحت بالجنيهات بعد أن اختفى المليم والقرش.. والقرش جزء من 100 من الجنيه، والمليم جزء من 10 من القرش، يعنى الجنيه به 100 قرش، والقرش به 100 مليم. ومن المظاهر الاحتفالية للعيد أيضًا شراء الملابس الجديدة سواء للأطفال أو الكبار، فقبل العيد تزدحم الشوارع والمحلات، ويزيد الإقبال علي شراء الملابس والاحذية الجديدة وتنتعش الأسواق. والاحتفال بالعيد يجب ان يدخل البهجة والفرحة علي أفراد الاسرة فهذا أمر مطلوب في الدين الإسلامي فصناعة الكعك أو شراؤه تدخل علي الأسرة السعادة والسرور، ومن خلاله يستطيع الفرد أنْ يصل به أقاربه وأصدقاءه كهدية. اختلفت مظاهر العيد عبر العصور، غير أنه باق ببقاء الاسلام والمسلمين، يأتى فى موعده، لا يخلفه أبداً، بعد انتهاء شهر رمضان الكريم.. كل سنة وانتم بخير.