بسم الله الرحمن الرحيم: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا» (الأحزاب:40) نزلت هذه الآية فى زيد بن حارثة «رضي الله عنه» مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقد جاء ذكر اسمه في القرآن الكريم تكريماً له, وقصة زيد بن حارثة تبدأ حين كان بصحبة أمه في زيارة لأهلها فخطف وبيع زيد في سوق عكاظ وكان غلاماً صغيراً واشتراه حكيم بن حزام لعمته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها» فلما تزوجها المصطفى وهبته له ,وفي موسم الحج رآه بعض أقاربه فتعرفوا عليه وعادوا إلى ديارهم فأخبروا أباه الذي أسرع ليفتدي ابنه ويحرره, وكان زيد يحظى عند النبي بمكانة عظيمة, لدرجة أنه كان يقال عنه: زيد بن محمد. ولكن الله سبحانه وتعالى أنزل في القرآن الكريم آيات بتحريم التبني فأصبح بعدها زيد يسمى زيد بن حارثة وكان زيد يحب رسول الله حباً كبيراً وجاء والده وعمه إلى المصطفى يعرضان عليه افتداء زيد بالمال, فقال لهما:ادعوه فخيراه فإن اختاركما فهو لكما بغير فداء وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني, وقال زيد: «والله يا رسول الله أنت مني بمنزلة الأب والعم وما أختار عليك أحداً قط» فقال له والده: «أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك يا زيد؟» وهنا قال الرسول: «اشهدوا أيها الجمع أن زيداً ابني يرثني وأرثه» وكان ذلك قبل تحريم التبني ومضى والد زيد وعمه وهما في اطمئنان عليه, وزوج الرسول زيد ابنة عمته زينت بنت جحش» رضي الله عنها» ثم طلقها زيد فزوجه من بركة الحبشية حاضنة رسول الله «أم أيمن» وولدت له ابنه أسامة. وشهد زيد بدراً وأحداً والخندق والحديبية وخيبرا، وكان من الرماة المعروفين. كما أرسله رسول الله في سرية إلى مكان يُسمى «الفَردة»، وهي أول سرية خرج فيها زيد أميراً. ثم أرسله في سرايا أخرى، كانت الأولى إلى «الجَموم»، والثانية إلى «العيص»، والثالثة إلى «الطَّرَف»، والرابعة إلى «حشِمي»، والخامسة إلى «الفضافض»، وغيرهن من السرايا. وزوَّج النبي زيد من زينب بنت جحش، فطلقها زيد، وخلف عليها النبي. كان الزواج لضرورة اقتضاها التشريع، حيث إنه كان قد تبنى زوجها زيد، وكان العرب يعتقدون أن آثار التبني هو نفس آثار البنوة الحقيقية، فيحل له، ويحرم عليه، ويرث، ويعامل كالابن الحقيقي تماماً من دون فرق. فأمر الله نبيه بالزواج من زوجة ابنه بالتبني هو لقلع هذا المفهوم الخاطئ من أذهانهم. وقد أشار القرآن الكريم إلى علة التزويج في الآية الشريفة. واستُشهِد زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، في السنة الثامنة للهجرة، ولما بلغ رسول الله خبر استشهاد زيد بن حارثة، مع جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، قام وذكر شأنهم فبدأ بزيد فقال: «اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد» وقال له أصحابه: يا رسول الله ما رأيناك تبكي شهيدا مثله، فقال: هو فراق الحبيب لحبيبه.