كان عبد العزيز بن مروان من أهل العلم والتُقى، وقد ولاه والده مروان بن الحكم حكم مصر عام 65 هجرية، ولما جاء عبد الملك بن مروان أقر فيها حتى وفاته، وقد كان عبد العزيز مشهورا بالعدل والرشد والاستقامة وفعل الخيرات. وهو بالمناسبة والد عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموى الراشد الذى اشتهر بالعدل والزهد والورع. وكانت فترة ولاية عبد العزيز على مصر عصرًا ذهبيًا بكل ما تحمله معنى الكلمة، من اهتمام بحوائج الرعية، وحسن سياسة الأمور، وتثبيت دعائم الأمن، والعمل على إنصاف الضعفاء والمحتاجين. وكثيرًا ما كان ذلك الوالى الكريم يتسامح فى إعفاء المسيحيين الضعفاء من الجزية. وكان مما استرعى نظر بعض المؤرخين وإندهاشهم وعلى رأسهم المقريزى أن عبد العزيز بن مروان اضطر يومًا لدفع مبلغ ضخم ثمنًا لشراء أرض من مجموعة من الرهبان ليسكن فيه، وسبب اندهاشه هو أن أى أرض كان يتم فتحها فى ذلك الوقت، لا يجوز لأهلها أن يتملكوا شيئا فيها، وإنما تصبح جميعها ملكًا للجيش الفاتح. من هُنا كانت الحكاية غريبة وغير معتادة على المؤرخين العرب بشكل خاص. وتقول الحكاية إنَّ عبد العزيز بن مروان أُصيب بمرض غريب ونادر، ونصحه الأطباء بالانتقال من مدينة الفسطاط للعيش فى مكان أكثر جفافًا، فذهب إلى قرية حلوان بقرب طموية، وهى خلاف منطقة حلوان الحالية، وذلك ليستشفى. وهُناك وجد عبد العزيز بن مروان أرضًا فسيحة خصبة التربة، نقية الهواء، تصلح لبناء استراحة خاصة به، فسأل، وهو الوالى عن أصحابها فأخبروه أنها ملك للدير القبطى. وذهب الوالى عبد العزيز بنفسه إلى رهبان الدير طالبًا شراء الأرض وعرض عليهم أضعاف قيمتها، وبعد مفاوضات قبل رهبان الدير بيع الأرض للوالى، ودفع عبد العزيز بالفعل طبقا لابن عبد الحكم الذى نقل عنه المقريزى 20 ألف دينار ثمنًا لها. لذا فإن المصريين عن بكرة أبيهم بكوا عبد العزيز بن مروان عند وفاته عام 86 هجرية كما لم يبكوا أحدًا، وعرفوا قدره، ونبله، وورعه عندما تعرضوا للاضطهاد والقمع الشديد فى عهد سلفه، الذى استولى على أراضى وضياع وقصور لا حصر لها، وألزم الرهبان بلبس شارات تمييز يسيرون بها فى الشوارع، ومن لا يفعل يُصبح مستباحا ويُنهب ديره. وهكذا ساد التعسف والظُلم على أيدى ولاة قساة متجبرين كان همهم الأول جمع المال، وقهر الناس بدلا عن ترغيب الناس فى دين الله. وساد العدل والمحبة والرفق على أيدى ولاة آخرين، مازال التاريخ يذكرهم بالخير..