عندما اشتد المرض بشاعرنا العامي الكبير عبد الرحمن الأبنودي فإنه اختار مدينة الإسماعيلية موطنا يستشفي فيه من آلامه، وقد خصها بهذا الفضل الذي سوف تذكره له الإسماعيلية دائما. اسماعيلية الأبنودي! في أوروبا يضعون لوحات تذكارية على البيوت التي أقام فيها كبار الأدباء والشعراء وتصبح مزارا سياحيا، وما زلنا حتى اليوم نزور البيت الذي أقام فيه شاعر الكوميديا الإلهية دانتي أليجييري في فلورنسا. وفي زيارة لي لمدينة بيسكارا الإيطالية كان ضمن برنامج الزيارة بيت كاتبها الكبير جبراييلي دانونتسيو الذي تحول إلى متحف بديع تستطيع أن تدخله وتعيش مع الأديب رحلة حياته، وسط مكتبته وملابسه وسريره ومخطوطاته. وهذا المتحف يدر دخلا كبيرا على المدينة كلها. وبيت الابنودي هو المكان الوحيد في قرية الضبعية الذي عاش فيها سنوات عمره الاخيرة ويحتفظ بذكرياته ومخطوطات أعماله بخط يديه. وقبل فوات الأوان، وقبل أن تعمل الآلة الجهنمية على استغلال عواطف الناس المحبة للشاعر الكبير، وتنفق ملايين الجنيهات فيما لا طائل منه، فإننا نقترح تحويل بيت الأبنودي إلى متحف ومزار لقاصدي المدينة الجميلة. الآن وليس غدا، لنبدأ على الفور في تحويل البيت الذي لا تزال أنفاس الأبنودي ساخنة فيه، إلى متحف، بتثبيت الوضع الحالي، والحفاظ على مكونات البيت، وتعويض أهله وأصحابه تعويضا مناسبا، وليتنا نبني إلى جواره دارا للشعر العامي يستضيف مهرجانا سنويا لإبداع الشعر العامي والشعبي. لن أبالغ عندما أؤكد أن فضل الأبنودي على الشعر العامي في العالم العربي ليس له حدود، فيكفي أنه هو الذي ناضل لكي يتم الاعتراف الرسمي به شعرا جديرا بالافتخار به، وتكوين لجنة الشعر العامي في المجلس الأعلى للثقافة، وهو كان وراء اعتبار ملحمة أبي زيد الهلالي الشعبية من التراث الإنساني الذي تحافظ عليه اليونسكو. ولتخصص أرباح إدارة المتحف لترجمة أعماله إلى اللغات الأجنبية، إلى جانب روائع الشعر العامي الأخرى لعباقرته المصريين ابتداء من بيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم. ربما بهرتني فكرة متحف الأبنودي حينما زرت بيت شاعر الكوميديا الإلهية دانتي اليجييري في مدينة فلورنسا. هذا البيت العتيق من قبل بداية عصر النهضة الذي يحتوي على تفاصيل كاملة عن حياته ومعيشته وملابسة وبعض المخطوطات بخط يديه مزينة داخل فترينات زجاجية. حتى الريش التي كان يكتب بها والأحبار التي كان يستعملها في كتابته، كل شيء من مكانه وحوله هالة الإبداع وعبق التاريخ. أعتقد أن فكرة متحف الابنودي أفضل مكان له بيته في قرية الضبعية بضواحي مدينة الإسماعيلية لنجمع فيه كنوزه الأدبية والثقافية ومقتنياته الشخصية وصورة التذكارية والاوسمة والنياشين التي حصل عليها طوال رحلته الأدبية. إن الأبنودي هو أحد الأصول الثابتة للدولة المصرية، لأنه ثروة قومية متجددة ولا تفنى، وأبيات شعره وقصائده تحكي ملحمة مصر الحقيقة لأكثر من نصف قرن عاشها الراحل الابنودي بأسلوبه الخاص ولغته المميزة المزدانة بلهجته الصعيدية، التي اخترقت قلوب الملايين من محبيه، لفرط جمالها ولأنها تحكي نبض الشارع المصري، بكل تنويعاته، في القرية وفي الكفور والنجوع. وكلماته تغني بها عمالقة الفنانين أيام الزمن الجميل. ليس لي إلا أن أطالب زوجته وأبنائه والمسئولين عن الثقافة المصرية، والثقافة في الإسماعيلية، وأوجه إليهم النداء بأن يكون بيت الابنودي في قرية الضبعية حيث ترفرف روحه فيه دائما المتحف الحقيقي للشاعر الراحل عبد الرحمن الابنودي بأعماله وتاريخه الادبي التي تحوي دواوينه الشعرية إضافة إلى مخطوطات ومسودات لإشعاره بخط يده. والأعمال التي غناها ولحنها أغلب المطربين في أيام الزمن الجميل مثل عبد الحليم حافظ وشادية وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة ووردة وصباح ومحمد رشدي ومحمد منير، على أن يحوي بيت الابنودي إلى تسجيلات صوتية بصوته. ولابد أن يكون هناك جناح خاص يحوي أجمل مقتنياته من اللوحات الزيتية والتحف والصور الفوتوغرافية. بهذا سوف تصبح قرية الضبعية محط أنظار العالم وتمتع برواج اقتصادي وتجاري، وتتحول إلى منارة ثقافية للزائرين. فهل من مجيب أم نترك من يتاجرون باسم الراحل؟ فلنسمع صوت العقل الذي يقول إن بيت الابنودي في قرية الضبعية هو المتحف الحقيقي لتكريمه والحفاظ علي تراثه الأدبية وهو السبيل لتنمية وتطوير هذه القرية بما ينعكس على المحافظة كلها.