لا خلاف على أن الإرهاب أحد التحديات التي تواجه عملية بناء وتنمية المجتمع ولا بديل عن اجتثاث الإرهاب من جذوره بما في ذلك الخلايا الارهابية النائمة او الخاملة والمتجذرة في مفاصل الدولة وفي المقابل نحن أيضا أمام تحد آخر لعملية التنمية أشد ضراوة من الإرهاب هو الفساد ويعتقد البعض أن الفساد هو التربح من السلطة وإهدار المال العام والرشوة والاختلاس والمحسوبية والواسطة والمحاباة فقط هناك صور أخرى متعددة من الفساد مثلا الإهمال والتقصير في العمل ما يؤدي الى وقوع كوارث أليس شكلا من أشكال الفساد ؟ وسرقة وقت الوظيفة واستغلاله في العمل بجهة اخرى رغم الحصول على أجر عمل وقت كامل أليس فسادا ؟ ونقول في بعض المؤسسات إن الذي يعمل مثل الذي لا يعمل ويتساوى الاثنان في الحصول على الأجر أليس هذا قتلا متعمدا لروح العمل والحماس والإبداع ما يزيد من البطالة المقنعة في وقت نحن نحتاج كل طاقة عمل خلاقة ماذا نقول على هذا؟ انه الفساد بعينه! عندما يحصل أحدهم على ترخيص لبناء عمارة أربعة ادوار ثم يبنيها اثني عشر دورا انه شخص فاسد ومن سكت عن فساده فاسد مثله بعبارة اخرى من تواطأ مع الفاسدين شريك أصلي في فعل الفساد داخل المجتمع ومن سمح بتلوث البيئة بصريا وسمعيا وصحيا وسمح بانتشار العشوائيات وتنامي بؤر الانحلال الأخلاقي والاجتماعي أليس هذا نوعا من الفساد الأشد خطورة من الإرهاب بل دعونا نقل بصراحة إن بؤر الإرهاب تجد بيئة خصبة للنمو والانتشار في مناطق العشوائيات وكم قرأنا تحذيرات قبل ثورة يناير لنظام حسني مبارك من أن العشوائيات قنابل موقوتة ويجب اقتحامها وتطويرها بجدية والحد منها. وهذا السياسي الذي يحصل على معونة الدولة لممارسة نشاطه الحزبي ثم يضعها في جيبه ويهمل حزبه السياسي أليس هذا فسادا؟ وطبيعي من يجمع أموال البسطاء وغير البسطاء تحت زعم توظيفها ثم يهرب بها هو قمة الإجرام والفساد لكن ماذا نقول عمن يتلذذ بعقاب صغار القوم بتأخير معاملاتهم في أي مصلحة حكومية ويسارع الى إنجاز معاملات كبار القوم في نفس المصلحة ؟ لانقول عنه سوى إنه فاسد ومنافق وفي بعض ادارات المرور يتم استخراج رخص القيادة للبعض بدون أي اختبارات أليست هذه جريمة قبل ان تكون شكلا من اشكال الفساد لانه يعطي رخصة لقتل الابرياء ولدي مئات الامثلة الاخرى على الفساد في كل مكان. يتصور البعض أن هذه أمور صغيرة، حقيقي بعضها قد يكون صغيرا لكنه يعظم ويكبر عندما تقع الكارثة مثل انهيار عمارة او كوبري أو تصادم قطارين أو تضيع اموال وارواح وكم من دماء تسال سنويا على الطرق بسبب الحوادث ولو حققنا فيها نجد أن معظمها لها علاقة بشكل من أشكال الفساد لكن المأساة أن يتسرب الفساد أيضا الى مهن ومؤسسات ذات طبيعة إنسانية ومجتمعية مثل مهن الطب والتمريض والتعليم والإعلام حتى إلى الأعمال التطوعية المرتبطة بمنظمات المجتمع المدني فهناك تبرعات ومساعدات تخرج عن نطاقها الموجهة اليه لتصب في جيوب المفسدين والفاسدين. إذن ما العمل؟ أتصور ان الحل لا يقع فقط على عاتق الحكومة انما هو عمل تضامني بين الحكومة والمجتمع من خلال صدور تشريعات جديدة تجرم اعمال الفساد غير التقليدية والتي أشرنا الى بعضها وفي الوقت نفسه على افراد ومؤسسات المجتمع ومنها الإعلام بالطبع تسليط الضوء على الفساد والمفسدين في كل مكان وأن يعامل مسهل الفساد كالفاسد نفسه . إن الفساد الإداري والمالي والاجتماعي والسياسي والبيئي يتطلب كشف بؤره فورا حتى تنجح مصر في العبور الى المستقبل.