المركزية الشديدة حولتنا إلى الشعب الوحيد فى العالم الذى يطلق اسم الدولة على العاصمة، القاهرة طبعًا هى عاصمة جمهورية مصر العربية، وهى فى نفس الوقت إحدى المحافظات ال27، ولكن لا يذكر اسم القاهرة على لسان أحد ونطلق عليها مصر، فسكان الأقاليم سواء من الوجه البحرى أو الصعيد عندما يحضرون إلى القاهرة يقولون إنهم مسافرون مصر وليس القاهرة، ومحطة السكة الحديد فى القاهرة اسمها محطة مصر، منطقة شبرا اسمها شبرا مصر، لأن هناك شبرا الخيمة تتبع القليوبية وشبراخيت تتبع البحيرة وشبرا النملة تتبع دمياط، سائقو الميكروباص والأتوبيس فى أى مكان ينادون مصر.. مصر فى أى محافظة أخرى غير القاهرة، ولأنها العاصمة فليس لها عاصمة، مثل البحيرة عاصمتها دمنهور والشرقية عاصمتها الزقازيق إلى آخره.. فالقاهرة تكتب فى الأوراق، ولا تتردد على اللسان، حتى فى الخارج نقول نحن من مصر وهذا فخر، ولكن أين قاهرة المعز، عندما نكون فى امبابة مثلاً وهى تتبع الجيزة نجد سيارات تنادى على الجيزة وعندما نريد الذهاب إلى القاهرة من امبابة نجد السيارات تنادى على الأحياء مثل العتبة والموسكى ورمسيس، القاهرة هى مصر لأن كل المصالح كانت متركزة فيها، فكان الصعيدى يضطر للحضور إلى القاهرة لختم أى طلب سواء بطاقة تموين أو التقديم لابنه فى المدرسة أو للكشف الطبى أو حتى لشراء الفول السودانى والحمص والبرتقال، وبالمناسبة كانت هدايا الصعايدة المقيمين فى القاهرة للعمل أو الإقامة الدائمة يحملون الهدايا لأسرهم من الفول السودانى والبرتقال، وأسرهم فى الصعيد يزورونهم بالجبن والسمن، ومع اشتداد المركزية التى كانت تجبر الصعيدى على توقيع إجازته إذا كان موظفًا من الإدارة التابع لها بالقاهرة، وكذلك مواطنو وجه بحرى، ومع انعدام الخدمات فى الصعيد وتجاهل الدولة لتنميته وافتقاره إلى الخدمات وتفشى الفقر والمرض والأمية وغياب المرافق، وعدم وجود مدارس ومستشفيات عرفت أقدام الصعايدة الطريق إلى القاهرة، وشاع ما يعرف بأن الصعيد طارد لأهله، وعندما يأتى الصعايدة إلى مصر أو إلى القاهرة سواء فى الشدة أو الرخاء فهذا حق دستورى لهم أو لغيرهم من باقى الأقاليم ولا عيب فيه. منذ أيام تورطت الدكتورة ليلى إسكندر وزيرة العشوائيات فى تصريحات غير موفقة واتهمت الصعايدة بأنهم وراء نشأة العشوائيات فى القاهرة، رغم أن الصعايدة هم الذين بنوا مصر أو بنوا القاهرة وليس الحلوانى اللى بنى مصر، اللى بنى مصر كان فى الأصل صعيدى، وتراجعت الوزيرة عن تصريحاتها العنصرية والمنحازة ضد أهل الصعيد وقالت إنها صعيدية من المنيا، كما قالت فى سوهاج التى زارتها لاطفاء حريق تصريحاتها بماء الدبلوماسية ان الصعايدة فوق رأسها وأعلنت أنها كانت تقصد من وراء كلامها أن تطالب بتوطين التنمية فى الصعيد ونجت الوزيرة من مصير زميلها وزير العدل المستشار محفوظ صابر. الصعايدة غضبوا من وزيرة العشوائيات ولهم الحق لأن الدولة فهمتهم أن القاهرة هى مصر، والذى لم يحضر إلى مصر التى هى القاهرة سوف تنقصه أشياء كثيرة، البعض حضر للبحث عن الأضواء، وآخرون للبحث عن لقمة العيش، والبعض نجح وآخرون يقاتلون الفقر ولكن بسيف الحياء والتعفف، الصعايدة اعتقدوا أن وزيرة العشوائيات تعيد إلى أذهانهم اقتراحًا عرض على الرئيس عبدالناصر الصعيدى الأصل بترحيل الصعايدة من القاهرة، ورد عبدالناصر فى غضب شديد: يبقى عاوزين ترحلوا عبدالناصر أيضًا!! وعلى مستوى الحكومة فكان الدكتور محمود شريف وزير الإدارة المحلية فى عهد مبارك يلقى بيانًا عن العشوائيات أمام لجنة الإدارة المحلية بمجلس الشعب، وجاء فى البيان: أن الصعايدة انشأوا أول منطقة عشوائية فى مصر وبالتحديد فى منطقة الزمالك حاليًا، وعندما تم التفكير فى إنشاء حى الزمالك، تم اقناع الصعايدة بالانتقال إلى الجانب الآخر من النيل وأقاموا عزبة الصعايدة فى امبابة. اتصل بى أحد أبناء سوهاج بعد الزيارة التى قامت بها الدكتورة ليلى إسكندر للمحافظة ليخبرنى بأنهم كانوا سيرفضون استقبالها ويطالبون بإقالتها لأنها أهانت كل أهل الصعيد ولكن شهامة أبناء الصعيد أبت ذلك خاصة أنها سيدة قبل أن تكون وزيرة ورفضوا احراجها، لكن وهكذا قال لى الصعيدى السوهاجى، الصعايدة مستعدون للعودة إلى محافظاتهم بشرط أن تصبح القاهرة هى العاصمة وليست مصر.